السلطة للشعب؟ قانون الحق في الحصول على المعلومات في المغرب

قانون الحق في الحصول على المعلومات الذي أُقِر أخيراً في المغرب هو أداة قوية على الأرجح في أيدي المواطنين، ولكن قدرتهم على استخدامها لا تزال تتوقف إلى حد كبير على التزام الحكومة بالشفافية والإرادة السياسية للتنفيذ.

رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني يستقبل أعضاء لجنة قانون الحق في الحصول على المعلومات في المغرب

بقلم مروى شلبي وسيلفيا بيرغ*

إنضم المغرب رسمياً، من خلال إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات (31.13) في شباط (فبراير) 2018، إلى شراكة الحكومة المفتوحة، ما يُشكّل خطوة كبرى للنظام الملكي الذي يتعهّد بموجبه الإلتزام بالمبادئ الأربعة الأساسية للشراكة المذكورة، وهي الوصول العام إلى المعلومات، وكشف المسؤولين الحكوميين عن موجوداتهم وممتلكاتهم، والشفافية المالية، ومشاركة المواطنين. وقد دخل القانون “31.13” حيّز التنفيذ في 12 آذار (مارس) 2020، بعد سنتَين من إبرامه. عملاً بالقانون الجديد، واستناداً إلى المادة 27 من دستور 2011، يحق للمواطنين طلب الإطلاع على معلومات بحوزة الإدارة العامة والمؤسسات المُنتَخَبة والمنظمات التي تتولى تأمين الخدمات العامة. وفي حين أن قانون الحق في الحصول على المعلومات يحمل في طيّاته الوعد بتعزيز الشفافية والإستجابة فضلاً عن استعادة الثقة العامة بمؤسسات الدولة، لم يتّضح بعد ما هي الفائدة التي يمكن أن يحققها للفئات المحرومة في المناطق المُهمّشة وكيف سيساهم في تحسين الحوكمة المحلية. بإمكان القانون “31.13” تحسين جودة الخدمات العامة وتمكين المواطنين، إنما ثمة عوائق وثغرات كبرى أيضاً تتطلب اهتماماً فورياً، لا سيما غياب الإلتزام السياسي بالشفافية، والثقافة المؤسسية السائدة والقائمة على الإحتفاظ بالمعلومات وعدم الكشف عنها، والأهم من ذلك الإغلاق المُتزايد للمساحة المدنية وقمع الأصوات المعارِضة.

إنطلقت النقاشات بشأن قانون الحق في الحصول على المعلومات في العام 2007، بعد إقرار المغرب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (القرار 58/4). ولكن لم يطلق المسؤولون الحكوميون والجهات الفاعلة في المجتمع المدني مبادرة لتعزيز الحَوكمة الشاملة والمتجاوِبة والخاضعة للمساءلة إلّا مع اندلاع الإنتفاضات العربية وظهور حركة 20 شباط (فبراير). ونتيجةً لذلك، وٌضِعت المادة 27 وأُدرجت في دستور 2011 المعدّل، وهكذا أصبح الوصول إلى المعلومات حقاً أساسياً من حقوق جميع المواطنين والمُقيمين الشرعيين في المغرب.  وأُنشئت لاحقاً لجنة متخصصة مؤلَّفة من أعضاءٍ في الدوائر الوزارية، وفي الوكالات الحكومية، وشركات القطاع الخاص، والمُنظّمات الأهلية من أجل العمل على تفاصيل القانون. وقد أثمرت هذه الجهود الجماعية عن إقرار القانون “31.13” في شباط (فبراير) 2018 بعد سنوات من السجال والمعارك التشريعية. وكان من المقرر أن يدخل القانون حيّز التنفيذ بعد عامٍ من نشره في الجريدة الرسمية، أي في آذار (مارس) 2019. ولكن القانون “31.13” لم يُصبح نافذاً بصورة رسمية إلّا في آذار (مارس) 2020، أي بعد تأخير استمر عاماً كاملاً بسبب العوائق اللوجستية والمسائل المُتعلّقة بالتنفيذ.

باختصار، يمنح القانون “31.13” المواطنين الحق في الحصول على المعلومات التي تحتفظ بها الكيانات الحكومية. بإمكان الأفراد تقديم طلبٍ حرّ إلى المؤسسة المعنية والتماس معلومات بشأن مواد مثل القوانين والبيانات والتقارير. ولكن تُطبَّق استثناءات على نوع المعلومات المطلوبة، مثل المعلومات المُتعلّقة بأمن الوطن وبيانات المواطنين الخاصة. وتنص المادة 29 من القانون على فرض عقوبات على المواطنين الذين يُسيئون استخدام المعلومات. ينبغي على الوكالات الحكومية أن تُجيب على الطلبات في غضون 20 يومَ عمل اعتباراً من تاريخ تسلّمها. وفي بعض الحالات الطارئة (مثلاً حماية الأرواح أو السلامة العامة)، يجب تقديم المعلومات في غضون ثلاثة أيام. ويُعاقَب الموظفون المسؤولون عن المعلومات في حال تخلّفهم عن الاستجابة للطلبات، عملاً بالمادة 19 من القانون. تبعاً لذلك، يتوقّف تطبيق القانون “31.13” على ركيزتَين أساسيتين: تعيين موظفين مدرّبين جيداً في الخدمة المدنية كي يستجيبوا على نحوٍ مناسب للطلبات التي يُقدّمها الجمهور العام من أجل الحصول على المعلومات، فضلاً عن نشر البيانات المُتاحة للجمهور العام بصورة استباقية وآنية.

يُمكن أن يكون القانون “31.13” أداة فعّالة لتمكين المواطنين، لا سيما أولئك الذين يعيشون في المناطق المُهمّشة مثل الأرياف الواقعة عند أطراف المملكة. فقد شهد معظم هذه المناطق إضطرابات شعبية شديدة في الأعوام القليلة الماضية، حيث طالب المواطنون بتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل الرعاية الصحية والكهرباء ومياه الشفة النظيفة. وقد منحت الإصلاحات الجهوية الأخيرة التي أُدرجت في دستور المغرب لعام 2011، والقوانين التنظيمية اللاحقة إندفاعةً كبيرة نحو تعزيز دور الحوكمة المحلية ومشاركة المواطنين في عملية صنع القرارات. ولكن تحقيق هذه الأهداف لم يكن متاحاً من دون اطِّلاع المواطنين على المعلومات ذات الصلة. وقد باتت المجالس البلدية مُلزَمة الآن الإمتثال للقانون “31.13”، بما يُمكّن المواطنين من التدقيق في ممثّليهم المحليين ومحاسبتهم. يقول كريم الحجاجي، أحد مؤسّسي جمعية طفرة: “حتى تاريخه، من الصعب للغاية معرفة ما تفعله الجهات (البلديات) بالموارد العامة التي بحوزتها. القانون “31.13” يُلزمها بأن تنشر موازناتها، إنما أيضاً المناقصات والآليات المُعتَمدة في المشتريات العامة، وبرامج الإنفاق، ومختلف المعلومات المتعلقة بالحَوكمة المحلية”.

غالباً ما يُشار إلى أن العائق الأكبر أمام التنفيذ الناجح للقانون يتمثّل في عدم توافر القدر الكافي من الموارد المالية والرأسمال البشري المؤهَّل. ولكن تغيير الثقافة المجتمعية والمؤسسية هو التحدّي الحقيقي في الممارسة. يفرض القانون على الجماعات الترابية المغربية (الجهات والبلديات) تعيين موظفين مسؤولين عن المعلومات مُكلّفين الاستجابة لطلبات المواطنين. تُبدي هذه الجماعات الترابية عموماً استعداداً للإلتزام، وتقوم بإرسال المسؤولين عن المعلومات المُعيَّنين حديثاً للمشاركة في دورات تدريبية. ولكن أحمد جزولي، وهو خبير مغربي في السياسات يشارك في برامج تدريب موظفي الخدمة المدنية، يُشدّد على أن “العائق الأساس هو ثقافة الإحتفاظ بالمعلومات من جانب موظفي الخدمة المدنية. يجب تدريبهم على الإفراج عن المعلومات والنشر الإستباقي للبيانات. من الضروري التركيز على تغيير الثقافة الطاغية لدى موظفي الخدمة المدنية”.

بعيداً من تغيير الثقافة البيروقراطية، من المُهمّ العمل على ترسيخ ثقافة سياسية قوامها الشفافية التي تفتقر إليها البلاد راهناً. لا تزال غالبية المؤسسات العامة تحجب المعلومات التي يمكن أن تتضمن أدلّة على سوء الإدارة أو سوء استعمال الموارد العامة، وذلك بهدف التهرّب من التدقيق القانوني. يفرض القانون الجديد على البلديات نشر بياناتها المالية وخططها الإنمائية عبر الإنترنت، ولكن قلّة من البلديات عمدت حتى تاريخه إلى نشر موازناتها على منصاتها الإلكترونية. فقد بذل مجلس مدينة الدار البيضاء مثلاً جهوداً كبيرة لتعزيز خدماته الإلكترونية والاستمرار في تحديث موقعه الإلكتروني، وذلك خلافاً لمدن كبرى أخرى ذات موارد مهمة، مثل الرباط التي لا يملك مجلسها موقعاً إلكترونياً خاصاً به. وفي هذا الصدد، يُعلّق كريم الحجاجي: “من المؤكّد أن المشكلة ليست في الموارد المالية، بل في الإرادة السياسية”.

تكتسي الحملات الواسعة أهمية أيضاً في نشر التوعية العامة بشأن القانون وتأثيره في الحياة اليومية للمواطنين. يُتيح القانون فرصة، إنما يقع على عاتق المواطنين أن يُمارسوا حقوقهم من أجل ضمان المساواة في سياسات توفير الخدمات. وعلى المنظمات الأهلية أن تؤدّي دوراً فعالاً في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، أنشأت جمعية “ترانسبرانسي المغرب”، إلى جانب العديد من الشركاء الوطنيين والدوليين، مجموعة من المنظمات الأهلية من أجل الضغط لإقرار موازنة تتسم بالشفافية والإشراك.وتطالب الجمعية أيضاً، في إطار قانون الحق في الحصول على المعلومات، بالإطلاع على معلومات أكثر اتّساقاً بشأن الصندوق الخاص بجائحة “كوفيد 19” الذي أنشأته الحكومة المغربية في آذار (مارس) 2020 للتعويض على الأشخاص الذين خسروا مدخولهم بسبب إجراءت الإغلاق. وقد كانت الطريقة التي تدير بها الحكومة هذا الصندوق، الذي يدعم ما يزيد عن خمسة ملايين أسرة، موضع انتقادات واسعة من النشطاء والمنظمات غير الحكومية. تُطالب منظمة “أوكسفام” المغربية مثلاً بوضع الصندوق تحت إشراف مجلس النواب وإخضاعه للتدقيق من الهيئة العليا للرقابة. وناشدت جمعيات أخرى، منها طفرة، الحكومة الكشف عن البيانات المُستخدَمة في وضع السيناريوات المتعلقة بتطور الجائحة في المغرب. ولكن المندوبية السامية للتخطيط رفضت ذلك، متذرعةً بضوابط حماية البيانات الشخصية. وهذا يعني أن الباحثين والخبراء، على غرار أولئك الذين ينتمون إلى جمعية طفرة، لن يتمكّنوا من التدقيق في نوعية السيناريوات التي طرحتها الحكومة، ولا يمكنهم تالياً أن يكونوا جزءاً من عملية صنع القرارات المتعلقة بسياسة الإغلاق وإنفاق الأموال التابعة للصندوق الخاص.

أخيراً، لا يمكن تقييم الجدوى الفعلية لقانون الحق في الوصول إلى المعلومات من دون أن يؤخَذ في الإعتبار إنغلاق المساحة المدينية، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية الإعلام في المغرب. وقد استغلت الحكومة أخيراً أزمة “كوفيد 19″لإقرار قانون طوارئ جديد يحمل الرقم 2.220.292، وينص على إعلان حال طوارئ صحية مع فرض عقوبات تصل إلى السجن ثلاثة أشهر وتسديد غرامة مالية قدرها 1300 درهم (نحو 134 دولاراً أميركياً) على كل مَن يُخالف “الأوامر والقرارات الصادرة عن السلطات العمومية” وعلى كل مَن “يُعرقل” تنفيذ تلك القرارات بواسطة “المكتوبات أو المطبوعات أو الصور”. وإضافةً إلى مقاضاة أكثر من 90,000 شخص بتهمة خرق القانون وجرائم أخرى، إستخدمت السلطات هذا القانون لمُلاحقة العديد من نشطاء حقوق الإنسان والصحافيين بتهمة “تحريض الغير على مخالفة قرارات السلطات خلال حال الطوارئ الصحية”، في حين أن ما فعله هؤلاء كان انتقاد “الزبائنية” والتوزيع غير المُنصف للمساعدات من جانب السلطات المحلية خلال أزمة “كوفيد 19”.

يتناقض القمع المستمر للصحافيين والمعارضين تناقضاً شديداً مع الجهود التي بذلتها الحكومة أخيراً لتعزيز ثقة المواطنين بها والإستجابة للمناشدات بتحقيق الشفافية. لا شك في أن هذه الثقة هي شرطٌ مُسبَق كي يُنفّذ المواطنون القانون ويستخدموا أحكامه. في غضون ذلك، يُفضّل المواطنون المُستاؤون اللجوء إلى التعبئة الجماعية والتحرّك في شوارع المدن الكبرى، مثلما حصل في أيار (مايو) 2020، عندما تجمّع المتظاهرون احتجاجاً على إقصائهم من الإفادة من صندوق “كوفيد 19”. باختصار، وفي حين أن قانون الحق في الحصول على المعلومات هو على الأرجح أداة قويّة في أيدي المواطنين والمنظمات الأهلية، يتوقف تطبيقه والسهر على تنفيذه إلى حد كبير على الإرادة السياسية للحكومة والتزامها بالإصلاحات الحقيقية.

  • مروى شلبي هي أستاذة مساعدة في كلية الدراسات الجندرية والنسائية وكلية العلوم السياسية في جامعة ويسكونسن-ماديسون. تُركّز في عملها بصورة أساسية على سياسة الأنظمة السلطوية، والمرأة في السياسة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @MarwaShalaby12
  • سيلفيا بيرغ هي أستاذة مساعدة في مادة إدارة التنمية والحوكمة في المعهد الدولي للدراسات الاجتماعية في جامعة إراسموس روتردام، لاهاي، وباحثة أولى في مركز الخبرات بشأن الحوكمة العالمية في جامعة لاهاي للعلوم التطبيقية. تركّز أبحاثها الحالية على مبادرات المساءلة الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى