إنتِصارُ إسرائيل المُهدَر: المَكاسِبُ ضدّ إيران لن تُتَرجَمَ إلى سلامٍ إقليمي
سُخِر من رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل شيمون بيريز لحديثه عن شرقِ أوسطٍ جديدٍ قائمٍ على التعاوُن الاقتصادي والتكامُل الإقليمي، مبنيٍّ على أساسِ السلام مع الفلسطينيين. لكنَّ الحديثَ عن شرقِ أوسطٍ جديدٍ ينعمُ بالسلام اليوم، قائمٍ على الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بدون أفُقٍ سياسي للفلسطينيين، ليس أقلَّ من وَهم.

داليا داسا كاي*
خلالَ حربِ الأيام الستة في العام 1967، حقّقَت إسرائيل نجاحًا عسكريًا مُذهِلًا ضدّ خصومٍ بدوا مُرعِبين. ومع ذلك، لم تُترجِم إسرائيل نجاحها العسكري إلى ديبلوماسيةٍ نشطة؛ ولو فعلت ذلك، لربما بدت المنطقة ومكانة إسرائيل فيها مختلفة تمامًا اليوم. ربما لم تَكُن إسرائيل تعتقدُ أنَّ لديها خيارًا آنذاك: لم تكُن تعتقدُ أنَّ لديها شركاءً عربًا مُلائمين أو مُستعدّين للسلام، وكانت هيمنتها العسكرية بعيدةً كلّ البُعدِ من أن تكونَ مضمونة، كما تجلّى ذلك بعد ست سنوات فقط عندما شنّت مصر هجومًا مُفاجئًا وبدأت حرب “يوم الغفران” أو “حرب أكتوبر”.
الوَضعُ مختلفٌ اليوم. بعد حربها التي استمرت 12 يومًا مع إيران في حزيران (يونيو) الفائت، أصبحت إسرائيل في وضعٍ عسكريٍّ وإقليميٍّ مُتَفَوِّق بكثير مما كانت عليه في العام 1967. لقد حَيَّدَت أخطر التهديدات الإقليمية التي واجهتها، ومرّت عقودٌ منذ أن خاضت دولةٌ عربية حربًا مع إسرائيل. لقد حطّمت إسرائيل خصومها غير الحكوميين بشكلٍ مطرد، محققةً انتصارات عسكرية واستخباراتية مفاجئة ضد “حزب الله” في لبنان الصيف الماضي، ومواصلةً سحق قيادة “حماس” في غزة. وحقّقَ هجومها على إيران نجاحًا عسكريًا لا يُنكَرُ في تدميرِ المنشآت النووية والصاروخية الإيرانية، وأثبتت اختراقًا استخباراتيًا عميقًا من خلال اغتيالها السافر لكبار القادة العسكريين والعلماء النوويين في الجمهورية الإسلامية. وقد عزّزَ قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اللاحق بالانضمامِ إلى الهجوم موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محلّيًا.
بالطبع، انتصاراتُ إسرائيل ليست بلا حدود. فقد شكّكَ الخبراءُ في المدى الكامل للضرر الذي لحقَ بالبرنامج النووي الإيراني، وربما تكون الضربات قد عززت القيادة الإيرانية وزادت من دافعها لتجاوز العتبة النووية. كما استمرّت هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات المُسَيَّرة ضد إسرائيل، مما يوحي بأنَّ تقليصَ شبكة وكلاء وعملاء إيران لا يزال قيد التنفيذ. وقد أقرّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال إيال زامير، في تصريحاتٍ أواخر تموز (يوليو) بأنَّ “إيران ومحورها لا يزالان نصب أعيننا؛ وأنَّ الحملةَ ضد إيران لم تنتهِ بعد”. ومع ذلك، ورُغمَ هذه التحدّيات المُتبقّية، فإنَّ التصوُّرَ الإسرائيلي السائد هو أنَّ التوازُنَ الإقليمي يعملُ لصالح الدولة العبرية.
يُمكنُ القول إنَّ هذه هي اللحظة المناسبة لإسرائيل للاستفادة من هذا المشهد الاستراتيجي المواتي وتحويلِ نجاحها العسكري إلى رصيدٍ ديبلوماسي، واستئنافِ المحادثات مع الفلسطينيين التي من شأنها أن تخلق استقرارًا طويل الأمد وتُشجّعُ المزيدَ من جيران إسرائيل العرب على تطبيع العلاقات. بعد حرب العام 1973 العربية-الإسرائيلية، استخدمَ الرئيس المصري أنور السادات إنجازاته العسكرية لدفعِ قرارٍ استراتيجي نحو السلام.
لكن بنيامين نتنياهو لا يقودُ بلاده في هذا الاتجاه. فرغبته في “النصر الشامل” أجّجَت حملةً عسكرية مُدَمِّرة بلا هوادة في غزة وخارجها، بدون مُراعاةٍ تُذكَر للضرر الذي ألحقته بعلاقات إسرائيل الإقليمية والعالمية، ناهيك عن عواقبها الإنسانية الوخيمة.
وبقدرِ ما يُفكّرُ نتنياهو في المستقبل، فإنه يرى النجاحات العسكرية التي تحقّقت خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية فرصةً لإسرائيل لصياغةِ نظامٍ إقليمي جديد، مع السعي وراءَ أجندةٍ مُتطرّفة. يعتقد نتنياهو أنه قادرٌ على السعي إلى اتفاقياتِ تطبيعٍ وعدم اعتداءٍ مع قوى عربية مثل لبنان والسعودية وسوريا من دونِ تقديمِ تنازُلاتٍ جادة بشأن القضية الفلسطينية أو تقييد حرية إسرائيل في العمل العسكري عبر حدودها بشكلٍ مُفرط. وحتى لو أحرزت إسرائيل تقدُّمًا محدودًا في مثل هذه الاتفاقيات بعد انتهاء حرب غزة، فإنَّ الاتفاقات الإقليمية التي لا تُعالِجُ جوهر الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لن تحظى بدعمٍ محلّيٍّ يُذكَر في الدول المجاورة، ومن المرجح أن تُمهّدَ الطريق لتجدُّدِ الصراع.
موقع قوة؟
في أوائل تموز (يوليو)، وفي تصريحاتٍ أدلى بها خلال زيارته الثالثة للبيت الأبيض مع ترامب في أقل من ستة أشهر، تأمّلَ نتنياهو في كيف يمكن للنجاح الإسرائيلي أن يجلبَ فرصًا جديدة: “أعتقدُ أنَّ الجميعَ يُدركُ أنَّ الوضعَ قد تغيّر”، قالها بتفاخر. مضيفًا: “كانت إيران تُديرُ سوريا بشكلٍ أساسي، من خلال “حزب الله” مباشرة. لقد أُجبِرَ “حزب الله” على الركوع. إيران خارج الصورة. لذا أعتقدُ أن هذا يُتيح فرصًا للاستقرار والأمن، وفي نهايةِ المطاف للسلام”.
كان الكثيرون من المراقبين يأملون أن يُنعِشَ وَقفُ إطلاق النار الإسرائيلي-الإيراني في حزيران (يونيو) الجهود الديبلوماسية بشأن غزة بعد أشهرٍ من الجمود. ومع نجاحِ نتنياهو ضد إيران، كما يقول هذا المنطق، لن يخشى نتنياهو بعد الآن أن يُهدّدَ إنهاءُ الحرب بقاءه السياسي. في الواقع، تُشير استطلاعات الرأي إلى أنَّ غالبيةَ الإسرائيليين تُريدُ إنهاءَ القتال في غزة لتسهيل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الذين لا تزال “حماس” تحتجزهم. استُؤنفت بالفعل محادثات وقف إطلاق النار في السادس من تموز (يوليو) في الدوحة، لكنها لم تُسفِر عن اتفاق – وكان الاتفاقُ قيد النقاش مجرّدَ وقفٍ مؤقت للقتال وإطلاق سراح محدود للرهائن والسجناء، وليس إنهاءً كاملًا للحرب.
في غضون ذلك، يواصل القادة الإسرائيليون المضي قدمًا في خططهم لنقل سكان غزة إلى مناطق “إنسانية” محدودة في جنوب غزة، والهدف الأوسع، كما يُفهَمُ على نطاقٍ واسع، هو إبعادُ سكان غزة وتهجيرهم في نهاية المطاف من القطاع، وهي إجراءاتٌ يصفها باحثون إسرائيليون، وحتى رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق موشيه يالون، بأنها ترقى إلى جرائم حرب. ويبدو أنَّ المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أنَّ ترامب يدعمُ خططهم لتهجير سكان غزة، وهي خططٌ تتماشى مع اقتراح ترامب السابق بإعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة وتحويلها إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”.
على الرُغمِ من أنَّ إسرائيل تقولُ إنها لا تريد البقاء في غزة، إلّا أنها تحتلُّ وتُسيطرُ الآن على جُزءٍ كبيرٍ منها. وعندما سُئل عن ظروف ما بعد الحرب، قال سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، داني دانون، لصحيفة الغارديان: “أعتقدُ أننا سنضمن، من الناحية الأمنية، قدرتنا على التصرُّفِ في غزة، على غرار ما يحدث اليوم في يهودا والسامرة”، وهو المصطلح الذي يستخدمه بعض الإسرائيليين لوصف الضفة الغربية المحتلة. بعبارةٍ أخرى، من المرجح أن يستمرَّ الاحتلالُ العسكري الإسرائيلي للأراضي في المستقبل المنظور، وقد تُصعّد إسرائيل الوضعَ من خلال ضمِّ الضفة الغربية وحتى أجزاء من غزة.
يشيرُ كل هذا إلى أنَّ حربَ إسرائيل مع إيران لم تُغيِّر رؤية نتنياهو الراسخة للمنطقة. فبالنسبة إليه، تُثبتُ الانتصاراتُ العسكرية أنَّ القوة تُؤتي ثمارها، مما يجعل التنازلات مع الفلسطينيين غير ضرورية لتحقيق أهدافه الإقليمية الأوسع. وفي هذا السياق، سيتعيّنُ على المنطقة مُراعاة التفضيلات الإسرائيلية، وليس العكس. من وجهة نظر نتنياهو، يتوقُ القادةُ العرب إلى الاستفادة من البراعة التكنولوجية والعسكرية لإسرائيل. ورُغمَ حَشدِ العالم العربي لمعارضة حرب إسرائيل على غزة عبر القمم والبيانات، لم ينسحب أيٌّ من أطراف اتفاقيات أبراهام. لم تُشر مصر والأردن إلى إلغاء معاهدات السلام مع إسرائيل؛ بل ساعد الأردن إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الإيرانية العام الماضي. أصدرت الدول العربية بياناتٍ تُدين الضربات الإسرائيلية ضد إيران الشهر الفائت، لكن نتنياهو لطالما اعتقد أن هذه الدول مُتحالفةٌ بشكلٍ أساسي مع الجهود الإسرائيلية لتقليص نفوذ إيران، إذ ترى في الجمهورية الإسلامية، وليس الدولة العبرية، التهديد الاستراتيجي الأبرز في المنطقة. لكن من غير المرجح أن تكون الوقائع الإقليمية مُيسّرة كما يعتقد نتنياهو، حتى مع دعم ترامب.
سوءُ الفَهمِ والقراءة وسوءُ الحسابات
أكثر الصفقات الإقليمية رواجًا هي تلك التي تُعقَدُ بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، القوة الإقليمية الرائدة التي تُعتَبَرُ زعيمةً رئيسًة للعالمين العربي والإسلامي. بذلت إدارة جو بايدن جهودًا كبيرة للتوسُّط في مثل هذه الصفقة، حتى أن نتنياهو أعلن في الأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) 2023 أنَّ بلاده على وشكِ إبرام اتفاق تاريخي مع المملكة العربية السعودية. ورُغمَ أنه لم يتَّضح قط مدى قربِ التوصُّلِ إلى اتفاق كما ادّعى نتنياهو، إلّا أنَّ السعوديين شدّدوا موقفهم بشكلٍ ملحوظ في أعقاب حرب غزة. وقد عَكَسَ وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود المواقف السعودية الثابتة عندما أعلنَ صراحةً بأنَّ التطبيعَ مع إسرائيل “غير وارد حتى نصل إلى حلٍّ لإقامة دولة فلسطينية”.
قد يعتقدُ الإسرائيليون أنه بمجرّدِ أن تختفي حرب غزة من عناوين الأخبار، سيرضى السعوديون بالقليل؛ فاتفاقٌ مع إسرائيل، في نهاية المطاف، سيُعزّزُ مكانةَ السعوديين لدى ترامب، ويُوفّرُ لهم مزايا اقتصادية واستخباراتية وأمنية. لكن من غير المرجح أن يشاركهم السعوديون هذه الحسابات. لقد وجدت السعودية طرقًا أخرى لإرضاء ترامب بدون التركيز على إسرائيل، بما في ذلك وعود باستثمارات اقتصادية ضخمة وصفقات أسلحة خلال زيارة ترامب للمملكة في أيار (مايو). لقد أنفق السعوديون أيضًا قدرًا كبيرًا من رأس المال السياسي في رَبطِ التطبيع مع إسرائيل بإقامةِ دولةٍ فلسطينية، ومن غير المرجّح أن يكتفوا بالخدمة الشفهية للقضية – والقيادة الإسرائيلية الحالية لا تُوَفّرُ حتى ذلك.
من جهةٍ أخرى، لم تؤدِّ حربُ إسرائيل مع إيران إلّا إلى زيادة تعقيِد المواقف العربية. وقد عمدت قوى إقليمية مثل المملكة العربية السعودية إلى تطبيع العلاقات مع إيران في السنوات الأخيرة، ويعود ذلك إلى حدٍّ كبير إلى البقاء بعيدًا من مرمى النيران الإيرانية.
يُركّزُ السعوديون ودول الخليج العربية الأخرى على الأولويات المحلية وخططِ التنويع الاقتصادي، والحروب ليست جيدة للأعمال التجارية. وعلى الرُغمِ من أنَّ جيران إسرائيل رحّبوا بلا شك بتدهور القدرات العسكرية الإيرانية، إلّا أنهم لم يحتفلوا بهجمات إسرائيل، التي وضعت المنطقة على شفا حرب شاملة. في الواقع، كانت الضربة الانتقامية الإيرانية على القاعدة الأميركية في قطر، والتي صُمِّمَت للحدِّ من الخسائر وتجنُّب المزيد من التصعيد، بمثابةِ تذكيرٍ قوي بأنَّ الصراع الإسرائيلي-الإيراني-الأميركي يُعرّضُ دول الخليج للخطر. واصلَ السعوديون التواصل مع الإيرانيين وتعزيز الديبلوماسية بدلًا من الصراع العسكري، كما يتضح من استضافة المملكة لوزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي في أول زيارة له إلى دولة خليجية منذ الهجوم الإيراني على قطر.
قد يُرَحِّبُ جيران إسرائيل العرب بتقييد نفوذ إيران، لكنهم قلقون أيضًا من إسرائيل المُنفَلِتة تمامًا، والتي يُنظَرُ إليها بشكلٍ مُتزايد على أنها مُزَعزِعة للاستقرارِ الإقليمي، لا مُنقِذة إقليمية. في سوريا، على سبيل المثال، ثمّةُ تصوُّر شائع بأنَّ إسرائيل تُشجّعُ الانقسامات وتُقوّضُ محاولات الحكومة الجديدة لتوحيد البلاد. في منتصف تموز (يوليو)، وبعد موجة العنف الطائفي الأخيرة في جنوب سوريا، شنّت إسرائيل غاراتٍ جوية على منشآتٍ حكومية سورية في دمشق. زَعَمَ المسؤولون الإسرائيليون أنَّ هدفهم كان حماية الأقلية الدرزية في سوريا “بفضل عهد الدم الراسخ مع مواطنينا الدروز في إسرائيل” و”ضمان نزع السلاح من المنطقة المجاورة لحدودنا مع سوريا”. لكنَّ الرئيس السوري أحمد الشرع وَصَفَ التدخُّلُ الإسرائيلي بأنه مؤامرةٌ لتقسيم سوريا وزعزعة استقرارها. وقال توم باراك، الحليف المقرَّب لترامب والمبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا والسفير الأميركي لدى تركيا، إنَّ الضربات الإسرائيلية “سيِّئة التوقيت” وعَقّدت جهودَ تحقيقِ الاستقرار في المنطقة.
في الواقع، تُبرزُ الضرباتُ الإسرائيلية على دمشق سوءَ فَهمِ نتنياهو للوضع ليس فقط مع جيرانه العرب، بل وربما مع ترامب أيضًا. لقد ركزت إدارة ترامب على إبرامِ اتفاقٍ بين إسرائيل وسوريا منذ سقوط الرئيس السوري بشار الأسد في العام 2024. وقد أبدت القيادة السورية الجديدة اهتمامًا بالغًا باتفاقياتٍ أمنية جديدة، إذ أرادت الحصول على مساعدات اقتصادية لإعادة إعمار البلاد. ولتحقيق هذه الغاية، دعمت إدارة ترامب رفع العقوبات عن سوريا، وأبدى الرئيس الأميركي دعمه السياسي للحكومة الجديدة من خلال اجتماعه رفيع المستوى مع الشرع في الرياض في أيار (مايو). وترغب إدارة ترامب في أن تُثمرَ استثماراتها السياسية والاقتصادية في سوريا من خلال اتفاقٍ إسرائيلي-سوري، بل ويفضّلُ الإعلان عن انضمام سوريا إلى اتفاقيات أبراهام. لكن نتنياهو صَعّبَ هذه الصفقة بالموقف العسكري الإسرائيلي العدواني داخل سوريا، وهو موقفٌ يراه بعض المحللين تجاوزًا للحدود، ويخلق أعداءً لا داعي لهم، حتى مع ضعف قدرة سوريا حاليًا على إلحاق الأذى بإسرائيل.
العودة إلى البداية
قد يكونُ نتنياهو مُحِقًا في ظنّه أنَّ جيران إسرائيل يحترمون موقع قوتها الجديد، لكنه يُخطئ مرارًا في تقدير ردود أفعالهم عندما تفتقر هذه القوة إلى هدفٍ سياسي وتتجاهَل مصالحهم. سيجد القادة العرب الذين يواجهون بالفعل تحدّياتٍ داخلية جسيمة صعوبةً في إبرام اتفاقيات تطبيع شاملة مع إسرائيل في ظلِّ وجودِ مشاعر عدائية تجاهها بين الشعوب العربية. باتِّباعه نهجه الحالي تجاه الفلسطينيين، قد ينتهي الأمر بنتنياهو بحربٍ لا تنتهي في غزة، واضطرابات في الضفة الغربية، ومحاولاتٍ عبثية مستمرّة في إيران، وعدم إحرازِ أيِّ تقدّمٍ نحو التطبيع مع جيرانه العرب – كل ذلك في حين تُعاني صورة إسرائيل الدولية بشكلٍ غير مسبوق.
هناكَ طرقٌ أخرى للمضي قدمًا. يُمكِنُ للقادة الإسرائيليين أن يأخذوا المقترحات العربية على محملِ الجد، وهي مقترحات تسعى إلى تقديم الإغاثة الإنسانية وتحقيق الاستقرار وإعادة بناء غزة من دون “حماس” وبدون إجبار سكان غزة على مغادرة منازلهم. رفضت الحكومة الإسرائيلية هذه المبادرات العربية، كما رفضتها إدارة ترامب.
يُمكِنُ لإسرائيل اتخاذ خياراتٍ أخرى، وقد فعلت ذلك من قبل. أدرك رؤساء الوزراء الإسرائيليون السابقون أنَّ صراعَ إسرائيل مع الفلسطينيين يُمثل أخطر تهديدٍ وجودي لها. وسعى نتنياهو، بدلًا من ذلك، إلى إثبات إمكانية تهميش الفلسطينيين وإضعاف تطلعاتهم الوطنية بدون المساس بقبول إسرائيل النهائي في المنطقة أو بأمنها الذاتي.
سُخِر من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز لحديثه عن شرقِ أوسطٍ جديد قائمٍ على التعاون الاقتصادي والتكامل الإقليمي، مَبنيٍّ على أساس السلام مع الفلسطينيين. لكنَّ الحديثَ عن شرقِ أوسطٍ جديد ينعمُ بالسلام اليوم، قائمٍ على الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بدون أُفُقٍ سياسي للفلسطينيين، ليس أقل من وهم. والأسوأ من ذلك، أنه سيكون أكثر خطورةً، وسيُعيدُ إسرائيل إلى نقطة البداية.
- داليا داسا كاي هي زميلة أولى في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا، لوس أنجليس، ومؤلفة كتاب “العداء الدائم: صناعة السياسة الأميركية تجاه إيران” الذي سيصدر قريبًا.
- يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفِّيرز” الأميركية.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.