السعودية استخدَمَت أضواءَ دافوس للتسليطِ على صورةٍ براغماتية

كان للسعودية هذا العام بشكلٍ خاص حضورُ بارز في المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عُقِدَ في الأسبوع الفائت في “دافوس” في سويسرا، حيث تحدث في حلقات هذا المنتدى أكثر من مسؤول سعودي رفيع.

الأمير فيصل بن فرحان آل سعود: لا تطبيع مع إسرائيل إلّا بعد منح الفلسطينيين دولة.

لينا الخطيب*

عُقِدَ الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في الأسبوع الفائت في “دافوس” (سويسرا) تحت شعار “التعاون في عالَمٍ مُجَزَّأ”. جَمَعَ الحدثُ مجموعةً مُعتادة من القادة السياسيين والمستثمرين ورجال الأعمال والصحافيين والأكاديميين من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كان للمملكة العربية السعودية حضورٌ بارز بشكلٍ خاص في دافوس هذا العام. على الرُغمِ من عدم حضور الملك سلمان بن عبد العزيز ولا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، استخدمَ مسؤولون سعوديون رفيعو المستوى ممن حضروا المؤتمر مختلف منصّات المؤتمر لتصوير الرياض على أنها قوّة سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط تعمل على دعم الإصلاح والاستقرار، سواء في الداخل أو في جميع أنحاء المنطقة. على عكس التوقّعات، لم يكن التركيز على الطاقة بل على الجغرافيا السياسية.

في إعلانٍ مُهمّ،  قال وزير المالية محمد الجدعان إن المملكة ستُغيِّر طريقة صرف المساعدات لشركائها الدوليين. ستنتقل السعودية من تقديم المنح والودائع المباشرة غير المشروطة إلى مطالبة الدول المُتَلَقّية للمساعدات بسنّ قوانين للإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها المملكة العربية السعودية نفسها، مثل فرض الضرائب المباشرة، كشرطٍ أساسي للحصول على المساعدة من الرياض. وعلى الرغم من أن الجدعان لم يُحدّد الدول التي يستهدفها تغيير السياسة، إلا أنه في جميع الاحتمالات اعتُبِرَت ملاحظاته إشارة مستترة إلى لبنان الذي يواجه أسوأ أزمة مالية في تاريخه الحديث.

يواصل المسؤولون اللبنانيون الإعراب عن أملهم في أن المساعدات المالية من دول الخليج العربية –وبخاصة المملكة العربية السعودية والكويت وقطر– ستستمر في التدفق، كما حدث في الماضي. لكن تصريحات الجدعان تأكدت من خلال مقالٍ نُشِرَ في اليوم التالي في صحيفة الشرق الأوسط السعودية، أعرب فيه علي بن عوض عسيري، سفير الرياض السابق في بيروت، عن أسفه لسوء تعامل القادة السياسيين اللبنانيين مع مشاكل لبنان المالية. ولم يرسل لبنان وفدًا رسميًا إلى دافوس رُغمَ دعوات المنتدى الاقتصادي العالمي.

تشير ملاحظات الجدعان ومقال عسيري إلى توافق المملكة العربية السعودية مع صندوق النقد الدولي بشأن مطالبته لبنان بتنفيذ إصلاحات اقتصادية أساسية واتخاذ خطوات أوسع نحو مزيد من الشفافية والمساءلة في الحكم العام. تُشيرُ الانتقادات أيضًا إلى تحوّل الرياض بعيدًا من تقديم منحٍ بدون قيود إلى حلفائها وشركائها في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، مع التركيز بدلًا من ذلك على الاستثمار. وبحسب ما أفادت تقارير عدة، أنشأت المملكة العربية السعودية صناديق عدة تهدف إلى استثمار ما يصل إلى 24 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك مصر وعُمان والبحرين والأردن والعراق والسودان.

وفي دافوس أيضًا، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود إنه يتمّ إحرازُ تقدّم نحو إنهاء الحرب بين المتمرّدين الحوثيين المُناهضين للحكومة والتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، والتي استمرّت منذ العام 2014. وكانت الأمم المتحدة توسطت في هدنة لمدة ستة أشهر في العام الماضي بين الحكومة المركزية اليمنية والحوثيين، لكنها انتهت في تشرين الأول (أكتوبر). منذ ذلك الحين، أعربت الرياض عن دعمها لجهود الأمم المتحدة للتوسّط في هدنة أخرى لتمهيد الطريق لتسوية طويلة الأجل لإنهاء الصراع. لكن تلك الجهود تعثّرت بسبب التدفق المستمر للأسلحة التي أرسلتها طهران إلى الحوثيين.

جاءت تصريحات الوزير فيصل في دافوس بعد وقتٍ قصير من دعوة سفير الرياض لدى الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، مجلس الأمن إلى إدراج الحوثيين على قائمة المنظمات الإرهابية. جاءت هاتان المجموعتان من التصريحات على خلفية الجهود المُكثّفة التي تبذلها سلطنة عُمان للوساطة بين السعودية والمتمرّدين الحوثيين. مثل لبنان، لم يكن لليمن أيّ تمثيلٍ رسمي في دافوس على الرغم من الدعوات التي أرسلها المنتدى الاقتصادي العالمي.

بشكلٍ عام، إن مختلف الحلقات والمنصّات الودية التي شارك فيها المسؤولون السعوديون في منتدى دافوس –بما فيها حلقة حول الإصلاح الهيكلي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تحدث فيها وزير الاقتصاد السعودي فيصل الإبراهيم، وأخرى ناقشت إدارة المملكة العربية السعودية للتحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي واجهتها في الآونة الأخيرة وحضرها العديد من الوزراء في مختلف القطاعات– أتاحت لهم الفرصة لإثبات براغماتية الرياض وطموحها. وكمثالٍ على هذه البراغماتية، أعلن وزير المالية الجدعان عن رغبة الرياض في الحفاظ على علاقات استراتيجية مع دولٍ “راغبة وقادرة على العمل معنا”، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، وهما قوتان عالميتان تتمتع السعودية معهما بروابط قوية.

قد يشيرُ هذا النهج البراغماتي إلى أن الرياض مستعدّة لقبول حلٍّ وسط في اليمن من شأنه أن يتصوّرَ دورًا للحوثيين في الحكومة، مُقابل ضمان عدم استخدام موقعهم هناك لتهديد الأمن السعودي — أو السماح لإيران بالقيام بذلك. كما أنه يُبرّرُ موازنة موقف المملكة العربية السعودية تجاه الولايات المتحدة بشأن علاقات الرياض مع روسيا والصين، ولكن أيضًا مع إسرائيل. في محادثاته الأسبوع الماضي مع مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أمله في أن تنضم السعودية إلى اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

لكن في دافوس، كرّرَ وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، موقف الرياض بأن التطبيع مع إسرائيل لا يمكن أن يحدث إلّا بعد منح الفلسطينيين دولة. وفي ظل الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية التي يقودها نتنياهو في إسرائيل، تبدو هذه الفرصة بعيدة التحقيق.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في البرنامج الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحوّلات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى