هل شَجَّعَ ترامب لندن على الاعترافِ بالدَّولةِ الفلسطينية؟

محمّد قوَّاص*

استدعى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الثلثاء الفائت، حكومته على عجلٍ خلال عطلة الصيف. تحدّثت الأنباء قبل الاجتماع عن أنَّ هدفَ الاجتماع مُناقشةُ الوضع في قطاع غزّة والتدابير التي ستتخذها لندن لضخِّ مساعدات بريطانيا. غير أنَّ ما أعلنه ستارمر لاحقًا شكّلَ مفاجأة للمُراقبين ومفصَلًا تاريخيًّا في علاقة المملكة المتحدة صاحبة “وعد بلفور” مع المسألة الفلسطينية.
ذهبت بريطانيا مذهبَ فرنسا في الإعلان عن العزم على الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) المقبل. وفيما كان إعلانُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 24 تموز (يوليو) الجاري جازمًا بشأنِ حتمية الاعتراف في تلك المناسبة، رَبَطَ ستارمر عدم الإقدام على خطوته بإجراءاتٍ تتخذها حكومة بنيامين نتنياهو بشأنِ غزّة والسلام بدت في مضمونها تعجيزية لم تجد في إسرائيل إلّا ردًّا مُفلسًا: “لندن تقدّمُ هديةً ل”حماس””.
كانت بريطانيا قد لوّحت بخيار الاعتراف بالدولة الفلسطينية في مطلع العام 2024 وفق ما كان أعلن وزير الخارجية في حكومة المحافظين آنذاك، دايفيد كاميرون. وكان حزب العمال الذي فاز في الانتخابات التشريعية في تموز (يوليو) 2024 قد استنتج بأنَّ خسارته لمقاعد عدّة كانت بسبب إعراضِ الكتلة الناخبة المؤيدة للفلسطينيين عن التصويت للحزب، لا سيما بعد ورشةِ “تطهيرٍ” أبعدت زعيم الحزب السابق جيريمي كوربن بتهمة معاداة السامية وتأييد “حماس”. عاد الأخير هذه الأيام بحزبٍ جديدٍ واعدٍ قد يشكّلُ تهديدًا حقيقيًا مُنافسًا لحزب العمال الحاكم.
يستجيبُ ستارمر لضغوطٍ داخلية تُعبّرُ عن رأيٍ عام مؤيد لإقامة دولة فلسطينية. شهدت شوارع لندن والمدن البريطانية بعد “طوفان الأقصى” مظاهراتٍ منهجية تأييدًا لغزّة واستنكارًا للحرب التي تخوضها إسرائيل ضدها. وفي الأيام الأخيرة وجه 221 نائبًا في مجلس العموم ينتمون إلى 9 أحزاب، بما فيها العمال والمحافظون، رسالةً مشتركة تطلب من الحكومة الاعتراف بالدولة الفلسطينية. أتى ذلك أيضًا بعد زيارة الدولة التي قام بها ماكرون لبريطانيا في 10 من الشهر الجاري اقترحَ خلالها توحيد الأصوات في باريس ولندن للاعتراف بدولة فلسطين باعتباره المسار الوحيد المتوافق مع منظور السلام.
لكنَّ اللافَت في القرار البريطاني أنه جاء بعد ساعاتٍ من لقاء ستارمر بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في اسكتلندا. قيل أنَّ لندن تحنّبت إثارةَ الأمر قبل ذلك اللقاء لعدم استفزاز ترامب بما يشوّش على ما ترومه لندن من اللقاء بشأن ملفات التجارة والتعريفات الجمركية والموقف من أوكرانيا وغيرها. غير أنَّ المنطقَ يقول إن لندن التي لطالما اعتُبِرَت تاريخيًا مُنصاعة إلى حدِّ التبعية للسياسة الخارجية الأميركية، لا يمكن أن تتّخذَ قرارًا تاريخيًا بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية من دون استشارة ستارمر للرئيس الأميركي.
الواضح أنَّ ترامب لم يُمانع، إذا لم نَقُل إنه ربما شجّعَ على الأمر. وبغضّ النظر عمّا تصدره واشنطن من مواقف حيال قرار لندن بعد أن قلّل ترامب من شأن قرار باريس، فإنَّ ذلك المسار الجارف الذي ستنضمُّ إليه دولٌ غربية أخرى يلاقي بشكلٍ غير معلن رغبة الرئيس الأميركي في إنهاء الحرب في غزّة ورعاية مسارِ سلمٍ أشمل لطالما كان هدفًا له منذ ولايته الأولى. ولا شك أنَّ الرئيس الأميركي يأخذ بعين الاعتبار حدثًا جللًا ترأسته السعودية وفرنسا بعقد مؤتمر دولي في مقر الأمم المتحدة لدعم “حلّ الدولتين”.
اعتبر ترامب أنَّ قرارَ فرنسا ليس مهمًّا. لكن إسرائيل تقرأ قرار لندن على نحوٍ متوتّرٍ مُقلق. فإذا كان منطقُ إسرائيل قامَ على ثابت أن واشنطن معنا، فإنَّ إقدامَ ستارمر على قراره بعد خلوةٍ جمعتهُ بترامب، يطرحُ أسئلة إسرائيلية بشأنِ متحوّلٍ في مزاج واشنطن يلاقي غضبًا في المزاج الدولي أعادَ فتح أبواب غزّة أمام قوافل المساعدات واتفاقات السلم المحتملة.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى