ثماني خطواتٍ لإنقاذِ الإقتصادِ اللبناني

بقلم ناصر سعيدي*

لبنان غارقٌ في قائمةٍ طويلة من المشاكل المُتداخِلة والمُترابطة – أزماتٌ مالية وديون ومصارف وعملة وميزان مدفوعات – التي أدّت مُجتَمِعةً إلى كسادٍ إقتصادي وأزمة إنسانية واجتماعية. الناس يُعانون من الجوع: لقد أثّر فقر الغذاء على حوالي 25 في المئة من سكان لبنان. لكن عدم الإستقرار المالي والنقدي تسبّب في أكثر من مُجرّد نقصٍ في الخبز.

إنهارت الثقة في النظام المصرفي. وانخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنسبة 80 في المئة خلال العام الفائت.

بلغ معدل التضخم 120 في المئة، والتضخّم المُفرط – زيادة جامحة في الأسعار – يلوح في الأفق.

إرتفعت نسبة البطالة إلى 50 في المئة، ما أدّى إلى هجرةٍ جماعية واستنزاف لبنان من أصوله الرئيسة: رأس المال البشري.

أدّى الإنفجار الذي حدث في مرفأ بيروت، إلى جانب إغلاق كوفيد-19، إلى خلقِ مَشهَدٍ مُرعب.

لقد تفاقمت الأزمات الإقتصادية في البلاد بشكل خطير.  إن تكلفة إعادة البناء وحدها تجاوزت 10 مليارات دولار – أكثر من 35 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام – التي ليس بمقدور لبنان تمويلها.

كما أن آفاق الإنتعاش الإقتصادي في لبنان كئيبة. يجب على الحكومة الجديدة أن تُدرِكَ الفجوات المالية والنقدية الكبيرة في الإقتصاد، وأن تُنفّذ برنامجَ إصلاح شاملاً وموثوقاً به ومُتّسِقاً.

إن الأولويات العاجلة هي الإستقرار الإقتصادي، وإعادة بناء الثقة في النظام المصرفي والمالي.

يحتاج لبنان بشكل ماس وملحّ إلى برنامج إنعاش – على غرار خطة مارشال التي ساعدت على إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية – بحوالي 30-35 مليار دولار، بالإضافة إلى الأموال لإعادة بناء مرفأ بيروت ووسط العاصمة.

لتحقيق ذلك، سيتعيّن على الحكومة الجديدة أن تتوصّل بسرعة إلى اتفاقية مع صندوق النقد الدولي، على أساس توافقٍ وطني. يجب أن تشمل إجراءات سياسة إصلاح بناء الثقة خلال الأشهر الستة المقبلة ما يلي:

قانون موثوق لضوابط رأس المال لحماية الودائع، واستعادة الثقة، وتشجيع عودة التحويلات ورؤوس الأموال إلى البلاد. يُعتَبَر الإئتمان والسيولة والوصول إلى النقد الأجنبي من الأمور الحاسمة لنشاط القطاع الخاص، الذي يُمثّل المُحرّك الرئيس للنمو والتوظيف.

إعادة هيكلة الدين العام والمحلي والأجنبي للوصول إلى نسبة مُستدامة للدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. نظراً إلى انكشاف النظام المصرفي على ديون الحكومة والبنك المركزي (مصرف لبنان)، فإن إعادة هيكلة الدين العام ستشمل إعادة هيكلة القطاع المصرفي أيضاً.

عملية إعادة رسمَلة البنوك التي تتضمّن عملية دمج البنوك الصغيرة في البنوك الأكبر. وتتطلب إعادة رسملة البنوك إنقاذ البنوك ومساهميها (من طريق ضخٍّ نقدي وبيع الشركات التابعة والأصول الأجنبية) بحوالي 25 مليار دولار، لتقليل اقتطاع الودائع. سيتطلب ذلك إصدار قانون إفلاس حديث.

هناك حاجة إلى إصلاح السياسة النقدية لتوحيد أسعار الصرف المُتعَدّدة في البلاد، والإنتقال إلى استهداف التضخّم – أي استقرار الأسعار – والتحوّل إلى مرونة أكبر في أسعار الصرف. إن الأسعار المُتعدّدة تخلق تشوّهات في السوق وتُحفّز على المزيد من الفساد. سيتعيّن على مصرف لبنان أن يُوقف جميع العمليات شبه المالية والإقراض الحكومي. إن الإصلاح الموثوق يتطلّب مُنَظِّماً مصرفياً قوياً ومُستقلّاً سياسياً وصانع سياسة نقدية.

إصلاح شركة كهرباء لبنان، أكبر مرفق في البلاد، وتعيين مجلس إدارة جديد لتحسين الحَوكَمة والكفاءة.

إصلاح نظام الدعم غير الفعّال الذي يشمل الكهرباء والوقود والقمح والأدوية. هذه الإعانات المُعَمَّمة لا تفي بالغرض الذي وُضِعَت من أجله – فقط 20 في المئة منها تذهب إلى الفقراء.

كل ما تفعله الإعانات هي إفادة التجار والوسطاء الأغنياء الذين يُشكّلون أساسَ عملياتِ تهريبٍ واسعة النطاق إلى سوريا التي تُعاني من العقوبات. يجب أن يكون إصلاح الدعم جزءاً من شبكة أمان إجتماعي لتقديم الدعم للمُسنّين والضعفاء.

تمرير قانون المشتريات الحكومية الحديثة. هذا من شأنه أن يساعد على منع الفساد والمحسوبية والزبائنية.

إعادة هيكلة وتقليص حجم القطاع العام. البدء بإزالة 20 في المئة من “العمال الوهميين” في القطاع العام – الأشخاص المُدرَجون على كشوف الرواتب والذين لا يعملون في الواقع لصالح الحكومة – وإنشاء صندوق الثروة الوطني، وهو شركة قابضة مهنية تدير الأصول العامة بشكل مستقل. وتشمل هذه الأصول المرافق العامة الأساسية مثل المياه والكهرباء والموانئ والمطارات، وشركة طيران الشرق الأوسط، وشركة الإتصالات أوجيرو، وكازينو لبنان، واحتكار التبغ الذي تديره الدولة، وغيرها، بالإضافة إلى الأراضي التجارية العامة.

هذه الأصول هي متعثّرة، ويعمل فيها عددٌ كبيرٌ من المُقرَّبين السياسيين وتُعاني من المحسوبية. في معظم الحالات، تكون بمثابة استنزافٍ للخزينة.

من الضروري وجود برنامج شامل لصندوق النقد الدولي يتضمّن إصلاحات هيكلية. إنه السبيل لإعادة الثقة في الإقتصاد واستعادة ثقة القطاع الخاص والشتات اللبناني والمستثمرين الأجانب ومقدمي المساعدات. سيؤدي ذلك بعدها إلى جذب التمويل من المؤسسات المالية الدولية والمشاركين في مؤتمر “سيدر”، بما في ذلك الإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي.

إن مثل هذه الإجراءات، إذا تمّ تنفيذها بشكل صحيح  ستُترجَم إلى تمويلٍ لإعادة الإعمار والوصول إلى السيولة. كما أنها ستعمل على استقرار وإحياء النشاط الإقتصادي للقطاع الخاص. بدون التنفيذ الفوري لهذه الإصلاحات الشاملة ، يتّجه لبنان نحو عقدٍ ضائع.

  • ناصر سعيدي هو وزير الإقتصاد اللبناني الأسبق والنائب الأول السابق لحاكم مصرف لبنان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى