في مصر، المساعداتُ والاستثماراتُ الجديدة للاتِّحادِ الأوروبي مُرتَبِطةٌ بالسَيطَرَةِ على الهجرة

ميريت مبروك*

في 29 حزيران (يونيو)، وصل أكثر من 1000 مشارك، بما في ذلك وفدٌ رفيعُ المستوى من الاتحاد الأوروبي بقيادة رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، إلى القاهرة لحضورِ مؤتمر الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي ومصر الذي استمرَّ يومين. ويبدو أن الزيارة كانت ناجحة بكل المقاييس. لقد توصّلت مصر والاتحاد الأوروبي إلى اتفاقٍ استثماري بقيمة مليار يورو، وتمَّ على الهامش التوقيع على أكثر من 20 مذكرة تفاهم تبلغ قيمتها مُجتَمعةً حوالي 40 مليار يورو من الاستثمارات الخاصة.

وقد اكتسبَ المؤتمر زخمًا من اتفاقٍ تاريخي سابق، تمَّ التوقيع عليه في آذار (مارس): الإعلان المشترك بشأن الشراكة الشاملة والاستراتيجية، حيثُ تعهّدَ الاتحادُ الأوروبي بتقديمِ حزمةِ مساعدات واستثمارات بقيمة 7.4 مليارات يورو لمصر. وكانت هذه الأموال بمثابة مصدرٍ كبيرٍ للراحة للدولة المصرية، التي كانت تحاول في ذلك الوقت الخروج من أعمقِ مأزقٍ اقتصادي منذ عقود. ولكن بالقدر نفسه من الفائدة، والأكثر أهمية سياسية، كانت الدفعة الجيوسياسية التي أعطتها صفقة آذار (مارس) للقاهرة. لقد تضمّنَ الاتفاق الاستراتيجي اتفاقية المساعدة المالية الكلية التي غطت أكثر من ثلثي المبلغ المُتَعَهَّد به. وعادةً ما يتم توقيع اتفاقيات المساعدة المالية الكلية مع الدول المرتبطة بالاتحاد الأوروبي إما اقتصاديًا أو جغرافيًا، بما في ذلك تلك التي تغطيها سياسة الجوار الأوروبية. إن حُزمَ المساعدة المالية الكلية، التي تتألف في أغلب الأحيان من قروضٍ أو منحٍ متوسطة أو طويلة الأجل، مُخَصَّصة عمومًا للبلدان التي تتعامل مع مشكلات ميزان المدفوعات والمُدرَجة أصلًا في برنامج دعم صندوق النقد الدولي. لم تكن اتفاقية المساعدة المالية الكلية في الأصل مطروحة للقاهرة؛ ويبدو أن الاتحاد الأوروبي أرادَ تقديم مساعدة برنامجية، لكن مصر رفضت ذلك، مُتَمَسِّكةً بصفقةٍ من شأنها أن تمنحها السيطرة المالية والسياسية على مواردها المالية – وهو أمرٌ، على ما يبدو، لم يكن الاتحاد الأوروبي يميلُ إلى الموافقة عليه.

إن حقيقةَ حصول مصر في نهاية المطاف على اتفاقية المساعدة المالية الكلية هي مؤشر سليم على مدى ترابط الثروات الجيوسياسية والتحالفات السياسية.

يبدو أنَّ أحزاب اليمين المتطرف، التي كانت تُعتَبَرُ ذات يوم ملاذًا للمتشدّدين المتطرّفين الغاضبين، بدأت أخيرًا تحققُ انتصارًا انتخابيًا كاسحًا تلوَ الآخر في مختلف أنحاء القارة، الأمر الذي يُثيرُ قلق الأحزاب اليسارية والوسطية التي كانت راضية عن نفسها سابقًا في أوروبا. كان الموضوع المشترك بين أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية هو الهجرة غير الشرعية من دولِ ما يُسمّى ب”الجنوب العالمي”، التي تصل إلى أوروبا من طريق البحر. وقد أثبتت مذكرة سابقة وقّعها الاتحاد الأوروبي مع تونس في تموز (يوليو) 2023، رُغمَ أنها كانت تتعلّقُ ظاهريًا بالإصلاحات الاقتصادية والتجارية، فعاليتها الكبيرة في الحدِّ من الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من خلال إلقاءِ عبءِ التنفيذ على السلطات التونسية. لم يتم ذكر الهجرة إلّا قليلًا في الاتفاقية الأوروبية الجديدة مع مصر، ولكن ليس هناك شكٌّ في أنها عاملٌ محوري.

لا يُشَكِّلُ المهاجرون ظاهرةً جديدة بالنسبة إلى مصر، ولكن مع وجود ما لا يقل عن ثلاثةِ صراعاتٍ نشطة حاليًا على حدودها وعدم وجود مخيمات للاجئين على أراضيها، أصبح التعامل مع الأعداد أكثر صعوبة بالنسبة إلى بلد يعاني من اقتصادٍ مُنهَك. وفي الأسابيع الأخيرة، أدلى الرئيس عبد الفتاح السيسي مرارًا وتكرارًا بتعليقات حول “الضيوف” في مصر، التي لا يوجد فيها مخيمات للاجئين. وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن ما يزيد قليلًا عن 9 ملايين مهاجر يعيشون في البلاد (تجدر الإشارة إلى أن هذا الرقم يشمل الأجانب الذين يعملون أو يدرسون بشكل قانوني في مصر، فضلًا عن اللاجئين). وقد ارتفعت الأرقام منذ بداية الصراع في السودان: وفقًا للمكتب المصري المحلي للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فمنذ بدء الحرب في السودان، ارتفعت أعداد الحاصلين على صفة لاجئ المقيمين في مصر من نحو 290 ألفًا إلى 675 ألفًا من 62 جنسية، يشكل السودانيون الجُزء الأكبر منها.

لا ينطبق المرسوم 3326/2023 على اللاجئين، الذين يمكنهم التقدّم بطلبٍ للحصول على الاعتراف والمساعدة مباشرة إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. مع ذلك، فإن العملية طويلة، ونادرًا ما يتمتع الأشخاص الفارون من منطقة الحرب برفاهية جمع كل المستندات الشخصية المناسبة.

ستساعد سياسة الهجرة الجديدة على جمع بيانات محددة لم تكن مصر صارمة بشأنها في السابق. ومع ذلك، يشير تقريرٌ ل”مدى مصر” إلى أنَّ الاتفاق الأوسع بين بروكسل والقاهرة سيوفر إطارًا للاتحاد الأوروبي للضغط على مصر بشأن كيفية تجميع هذه البيانات والخدمات التي تقدمها لطالبي اللجوء. هناك اعتباراتٌ داخلية بالنسبة إلى القاهرة أيضًا: فالقواعد الجديدة تأتي على خلفية القلق المتزايد داخل مصر بشأن اللاجئين، في ضوء الصعوبات الاقتصادية المتصاعدة التي يواجهها السكان. إنَّ المخاطر كبيرة بالنسبة إلى الحكومة، حيث من المحتمل أن تصبح الصراعات على حدودها ووضعها الداخلي غير المستقر متشابكة بشكل خطير. مع ذلك، فإن موقف مصر المفضل حاليًا لدى الحلفاء الدوليين يعتمد على قدرتها على الحفاظ على الاستقرار الداخلي. ويتطلب الوضع معالجة دقيقة وحساسة، وهي صفاتٌ لم تُنسَب في كثيرٍ من الأحيان إلى الحكومات المصرية المتعاقبة. ومع ذلك، فقد أظهرت تلك الحكومات نفسها في كثير من الأحيان ميلًا هائلًا لحبِّ البقاء.

  • ميريت مبروك هي زميلة أولى ومديرة برنامج مصر والقرن الأفريقي في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى