بطالة الشباب العربي مُرتَفِعة جدًا – لكن لا يزال هناكَ طريقٌ للخلاص
سونيا بن جعفر*
في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبرزُ مُفارقةٌ مهمّة: يواجه الشباب النابضون بالحيوية معدّلات بطالة مُروِّعة، لكنهم ما زالوا مع ذلك يأملون في مستقبلٍ أكثر إشراقًا.
مع وجود أكثر من 65 في المئة من مواطني المنطقة دون سن الثلاثين، وفقًا لاستطلاع الباروميتر العربي للعام الماضي، فهي مَوطِنٌ لواحدٍ من أكبر تجمّعات الشباب في العالم. لسوء الحظ، في العام 2022، وجد ثلث الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا، من غير المتعلّمين وغير المشاركين في أي تدريب، أنفسهم عاطلين من العمل، متجاوزين بذلك المتوسّط العالمي بنسبة 10 في المئة.
على الرُغم من هذا الواقع المُحبط وهذه الإحصائيات الواقعية، لا يزال الشباب العربي مُتفائلًا. فقد كَشَفَ استطلاعُ الشباب العربي لعام 2022 عن إيمان هؤلاء الشباب بأوقاتٍ واعدة في المستقبل، وتوقّعهم بحياةٍ أفضل من آبائهم. وهم ما زالوا متفائلين حتى وهم يقرّون بمحنة، وفي بعض الحالات، تدهور اقتصاداتهم الوطنية.
إذًا، كيف يمكننا تسخير هذا الأمل والإمكانات لمواجهة تحدي بطالة الشباب العربي؟ تكمن الإجابة في الاستفادة من التعليم والتدريب لتمهيد الطريق لمستقبل مزدهر.
تُركّزُ مناقشات السياسة الحالية المُتعلّقة بالبطالة بين الشباب العربي بشكلٍ أساسي على خلق فرص عمل، وتعزيز التنمية الاقتصادية، وتشجيع ريادة الأعمال وتمكين الشباب. هذه بلا شك عوامل مهمة يجب معالجتها. ومع ذلك، من المهم بالقدر عينه الاعتراف بقوة التعليم والتدريب في خلق مستقبل أكثر ازدهارًا لهذه العقول الشابة. ومن المثير للاهتمام أن الشباب أنفسهم يدركون ذلك، ما يدفعهم إلى أن يظلوا متفائلين بشأن آفاقهم المستقبلية.
لقد كان الأمر دائمًا على هذا النحو، ولكن الآن، الجميع يَعرِفُون ويُدرِكُون ذلك – لم تعد الدرجات العلمية هي نقطة النهاية للتعليم. قد تُظهر الشهادة أن لديك الجرأة والقدرة على التحمل والانضباط للتعلم وتقديم تلك المعرفة بطريقة منظمة وفي الوقت المناسب. بمعنى آخر، لديك أُسُسٌ عقلية مهنية.
ومع ذلك، في عالم اليوم السريع الخطى، يُعَدُّ التعلم المستمر أمرًا أساسيًا للبقاء مُلائمًا ذي صلة وقابلًا للتكيّف والتطور، علمًا أن نصف عمر المهارات الجديدة قد انخفض خلال العقد الماضي. من المهم تطوير ثقافة التعلم مدى الحياة التي تسمح للجميع بالتطور والتقدم في حياتهم المهنية، وتعزيز عقلية النمو التي تشجع أولئك الذين قد يشعرون بالخوف بسبب ما لا يعرفونه.
الشراكات العالمية حيوية للنمو. يتطلب تطور التعلم تعزيز التعاون الحقيقي مع المؤسسات عبر جميع القطاعات في جميع أنحاء العالم. يجب أن يتكامل التعليم مع الشركات والحكومات والمؤسسات الخيرية ومراكز البحث والتطوير ومراكز الفكر وغيرها.
من خلال إنشاء شبكة دولية قوية بشكلٍ هادف تُعزّزُ الابتكار والنمو، يمكن للمُتَعَلِّمين والبلدان على حد سواء الاستفادة بشكل كبير. معًا، يمكننا بناء مستقبل أكثر ازدهارًا ليس فقط للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن للعالم.
والنساء المتعلمات والماهرات بدورهنَّ يشّكلن أيضًا محفّزات للتنمية الاقتصادية. من خلال ضمان المساواة في الحصول على التعليم والتدريب، يمكن للمنطقة الاستفادة من المجموعة الكاملة لمواهبها ودفع النمو المستدام. وفقًا لشركة “برايس ووتر هاوس كوبر” (PricewaterhouseCoopers)، فإن زيادة عدد النساء العاملات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يمكن أن يؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 2 تريليوني دولار. وهذا يوضّح، مرة أخرى، أن الإدماج الحقيقي لجميع أفراد المجتمع يعود بالفائدة على الجميع.
من الأهمية بمكان إعطاء الأولوية لتعليم النساء وتدريبهن، خصوصًا أن محو الأمية يتفاوت داخل المنطقة. في حين أن نسبة محو الأمية في الأردن والإمارات بلغت 95 في المئة، وفقًا لبحث قُدِّم إلى الكونغرس الأميركي في العام 2021، فإن معدل معرفة القراءة والكتابة في اليمن هو 55 في المئة ومصر 65 في المئة.
يتطلب دعم هذه المجموعة الضعيفة والمهمة دراسةً مُتأنّية، حيث أن فوائد القيام بذلك مُثيرةٌ للإعجاب.
يجب أن يكون الاستثمار في التعليم والتدريب اللذين يُمَهِّدان الطريق للفرص هو التركيز الأساسي في إيجاد حلول للتمكين الاقتصادي والتنمية الوطنية في المنطقة.
الشباب العرب يدركون إمكاناتهم الخاصة. إنهم يُركّزون على إكمال تعليمهم وتدريبهم لتأسيس مهن ناجحة. دعونا نعمل معًا لتحويل طفرة الشباب في المنطقة إلى موجة عارمة من الفرص نحو مستقبل أكثر إشراقًا للأجيال المقبلة.
- الدكتورة سونيا بن جعفر هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة عبد الله الغرير للتعليم. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @SB4Edu