هل تستطيع إسرائيل تدمير البرنامج النووي الإيراني؟

يبدو أنَّ هجمات إسرائيل على إيران كانت بارعةً تكتيكيًا ومدروسةً جيدًا. لكن قدرتها على تنفيذ ضرباتٍ مُعقّدة لم تكن موضع شكٍّ أبدًا. كان المحللون يُدركون أنَّ الجيش الإسرائيلي يتمتع بقدراتٍ فائقة، ولديه حِيَلٌ خفية. بدلًا من ذلك، كان السؤال دائمًا هو ما إذا كان هجومٌ إسرائيليٌّ فقط -أو حتى عمليةٌ أميركيةٌ-إسرائيليةٌ مشتركة- سيُمكنه أن يُحبطَ بشكلٍ فعّالٍ اندفاعَ إيران نحو الأسلحة النووية.

أبرز القادة والعلماء الإيرانيين الذين قتلتهم إسرائيل.

ريتشارد نيفيو*

قد يُخلّدُ التاريخُ قرارَ إسرائيل بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني في 12 حزيران (يونيو) باعتباره بدايةَ حربٍ إقليمية كبرى، ونقطة التحوّل التي قادت إيران أخيرًا إلى امتلاك أسلحة نووية. لكن قد تُذكَرُ هذه الضربات أيضًا باعتبارها اللحظة الأولى منذ عقود التي لم يَعُد فيها العالم يُواجِهُ خطرَ القنبلة الإيرانية. لسنوات، تساءل المحللون عن النتيجة الأكثر ترجيحًا، وتوصّلوا إلى توقّعاتٍ مختلفة تمامًا. الآن، سيكتشفُ الجميعُ أيًّا من هذه التوقُّعات كانت صحيحة.

لا يزالُ من السابق لأوانه تحديد النتيجة النهائية. قد يستغرقُ الأمر أسابيع قبل أن يَفهَمَ الخبراء المدى الكامل للضرر الذي ألحقته إسرائيل، ناهيك عن ما إذا كانت طهران ستتعافى وكيف. فالهجمات، في نهاية المطاف، لم تَنتهِ بعد. ولكن على الرُغم من أنه قد لا يكون من الممكن بعد الحُكم على الآثار طويلة المدى لضربات إسرائيل، إلّا أنَّ المحلّلين يعرفون ما الذي يجب البحث عنه عند تقييم النتائج. بمعنى آخر، يُمكِنُ للخبراء تحديد العوامل التي ستُحدّد نجاح الهجمات في حرمان إيران من قدرتها على امتلاكِ أسلحةٍ نووية.

بَعضُ هذه العوامل قابلٌ للقياس الكمّي. على سبيل المثال، لوَقفِ أو إبطاءِ قُدرةِ إيران على صُنعِ سلاحٍ نووي بشكلٍ كبير، كان على الضربات الإسرائيلية حرمان إيران من المواد اللازمة لتغذية الأسلحة النووية. كما كان عليها تفجير المعدات اللازمة لتصنيع الأسلحة. وكان عليها أيضًا تخليص إيران، جُزئيًا على الأقل، من المعرفة اللازمة لتحويل جميع موادها إلى قنابل. لكنَّ العاملَ الأخير أقل وضوحًا. فلكي ينجح الهجوم الإسرائيلي تمامًا، عليه أن ينجحَ في إقناع إيران بإعادةِ النظر في جدوى مشروعها النووي.

نجحت هجمات إسرائيل حتى الآن في تدمير العديد من محطات الطاقة والمباني والبنية التحتية التي تحتاجها إيران لبرنامجها النووي. كما أثبتت إسرائيل قدرتها على مهاجمة أهداف في إيران، في أغلب الأحيان، متى شاءت. لكنَّ النجاحَ ليس مضمونًا بأيِّ حالٍ من الأحوال، بالنظر إلى استثمار إيران الكبير في التحصينات الدفاعية، والتزامها بالبرنامج، وأنظمتها الاحتياطية، والصعوبة الجوهرية لمهمة إسرائيل.

المعلوم المجهول

حتى الآن، تبدو الأضرار الناجمة عن هجمات إسرائيل على المنشآت الإيرانية مُتباينة. ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد تعرّضَ أخطر موقع لتخصيب اليورانيوم في إيران، فوردو، للهجوم، ولكن لا يوجد تأكيدٌ على اختراق دفاعاته أو تدمير بضعة آلاف من أجهزة الطرد المركزي. كما لا يوجد ما يشير إلى أنَّ إسرائيل قد جعلت مخزون إيران من اليورانيوم المُخَصَّب غير صالح للاستخدام. إذا كان هذا المخزون لا يزالُ مُتاحًا، وإذا كانت أجهزة الطرد المركزي الإيرانية لا تزال موجودة، فقد تتمكّن طهران من إعادةِ بناء برنامج أسلحة نووية في غضون أسابيع قليلة. يمكن لإيران، على سبيل المثال، نقل مخزونها من اليورانيوم المخصَّب بنسبة 60% إلى فوردو (أو موقع سري) لمزيد من التخصيب، ما يمنحها بسرعة ما يكفي من اليورانيوم لصنع قنبلة.

ولكن لبناءِ سلاحٍ نووي فعليًا، تحتاجُ إيران إلى أكثر من مجرّد اليورانيوم المخصّب المُستَخدَم في الأسلحة. فهي تحتاجُ أيضًا إلى معدّات مُعالجة يمكنها تحويل اليورانيوم إلى معدن، وتشكيله إلى مكوّنات أسلحة، ثم بناء السلاح نفسه. سيكونُ القيامُ بكلِّ ذلك في خضمِّ الحربِ أمرًا صعبًا، لا سيما في ظلِّ الجهود العالمية المستمرّة منذ عقود لحرمان إيران من المعدّات اللازمة. كما لا يَعرِفُ المحللون والخبراء مدى قرب إيران من القدرة على إنتاجِ رأسٍ حربي لصاروخ، على الرُغم من أنَّ وكالات الاستخبارات قدّرت أنَّ الأمرَ سيستغرقُ من إيران أشهرًا للقيامِ بذلك.

لكن، لا يزالُ هناكَ الكثيرُ مما يجهله الخبراء عن برنامج الأسلحة الإيراني. على سبيل المثال، قبل الضربات بوقتٍ قصير، أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا شاملًا حول العديد من الأسئلة العالقة التي تُحيطُ بالبرنامج النووي الإيراني، وخصوصًا أعماله السابقة في مجال التسليح. رَكّزَ بعضُ هذه الأسئلة على مواقع المعدات التي قد تكون مفيدة لإنتاج الأسلحة – وهي معدّاتٌ قد تستخدمها إيران الآن. قد يعرفُ عملاء المخابرات الإسرائيلية مكانَ تخزين هذه المعدّات، وربما دمّروها الليلة الماضية (أو سيفعلون ذلك قريبًا). من الحماقة الاستخفاف بالمخابرات الإسرائيلية في إيران، بالنظر إلى كل النجاحات العملياتية التي حققتها. لكن إيران دولة كبيرة، ولديها العديد من الأماكن لإخفاء المعدات واستخدامها.

تمتلك الجمهورية الإسلامية أيضًا عددًا كبيرًا من العلماء والفنيين النوويين، ولم يتّضح بعد عدد القتلى منهم. اغتالت إسرائيل فريدون عباسي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ومحمد مهدي طهرانجي، الفيزيائي ورئيس جامعة آزاد الإسلامية في طهران، بالإضافة إلى عدد من القادة العسكريين. لكن هذه الوفيات، في حدِّ ذاتها، لن تكون كافية لعرقلة المشروع النووي الإيراني. فما دامت البلاد تحتفظ بكوادر فنية مُتَحمِّسة وماهرة ومُدَرَّبة، فستكون قادرة على التحرُّكِ بسرعة نحو امتلاك أسلحة نووية.

روحٌ قتالية

هناكََ غموضٌ هائلٌ حول حجم الضرر الكمّي الذي ألحقته إسرائيل بالبرنامج النووي الإيراني. لكن السؤالَ الأهم قد يكون ما إذا كان هجوم إسرائيل قد قضى على إرادة إيران في المضي قُدُمًا.

في البداية، قد يبدو من غير المعقول الاعتقاد بأنَّ إيران ستردُّ على هجوم إسرائيلي بأيِّ شيء سوى العدوانية. ولكن إذا كان الضررُ الذي لحق ببرنامجها النووي وجيشها أكبر مما يبدو حاليًا، فقد تبحث طهران عن طرقٍ بديلة. وقد تُفكّرُ إيران أيضًا في الديبلوماسية مع استمرار تزايد الضرر. إسرائيل، في نهاية المطاف، لم تنتهِ بعد، وقد تزداد ضرباتها تدميرًا في الأيام المقبلة. لقد دمّر الجيش الإسرائيلي الدفاعات الجوية الإيرانية تمامًا، وبالتالي قد يهاجم المزيد من هياكل الحكومة المركزية ومسؤولي النظام. كما قد تُدمّرُ إسرائيل أجزاءً من قطاع النفط والغاز الإيراني، وهي قطاعات أساسية لاقتصاد البلاد. في مواجهة هذا الضرر، قد تلجأ طهران إلى السلام، مما يؤدي إلى اتفاقٍ يحدّ من برنامجها النووي.

لكن من المنطقي التشكيك في قبول إيران لصفقةٍ تحت ضغط الحرب والسلاح. حتى لو أبرمت إيران صفقةً، فقد لا تُنَفِّذها بدقّة وكما يجب. بل إنَّ النتيجةَ الأكثر ترجيحًا هي استمرار إيران في الردّ، محاولةً إقناع بقية العالم بأنَّ إسرائيل طرفٌ مارق، بعد استخدامها القوة قبل أيامٍ فقط من استئناف المحادثات بين طهران وواشنطن. كما إنَّ قرارَ الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتبنّي بعض الفضل في الهجمات سيُصعّبُ التوصُّلَ إلى اتفاق، على الرُغم من أنَّ إدارته سعت سابقًا إلى النأي بنفسها عن الضربات.

يبدو أنَّ هجمات إسرائيل على إيران كانت بارعةً تكتيكيًا ومدروسةً جيدًا. لكن قدرتها على تنفيذ ضرباتٍ مُعقّدة لم تكن مَوضِعَ شكٍّ أبدًا. كان المحللون يُدركون أنَّ الجيش الإسرائيلي يتمتع بقدراتٍ فائقة، ولديه حِيَلٌ خفية. بدلًا من ذلك، كان السؤال دائمًا هو ما إذا كان هجومٌ إسرائيليٌّ فقط -أو حتى عمليةٌ أميركيةٌ-إسرائيليةٌ مشتركة- سيُمكنه أن يُحبطَ بشكلٍ فعّالٍ اندفاعَ إيران نحو الأسلحة النووية. سيعرفُ العالم الإجابة عن ذلك قريبًا.

  • ريتشارد نيفيو هو باحث أول في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، وزميل مساعد في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. شغل منصب نائب المبعوث الخاص لإيران خلال إدارة جو بايدن، وعضوًا في مجلس الأمن القومي، ووزارة الخارجية خلال إدارة باراك أوباما.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صُدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى