تُجَّارٌ مُزدَوِجون: لبنان ومخاطرُ تجارةِ الكبتاغون (3 من 3)

أتاحَ الانهيار المالي في لبنان والصراع السوري نموَّ اقتصادٍ غير مشروع، ما أدّى إلى ظهورِ جيلٍ جديد من تجّار المخدّرات المُرتَبطين بأحزابٍ لبنانية ونفوذٍ في قوات الأمن. ولمعالجة هذا الوضع، يجب على الدولة اعتماد نهج شامل.

“حزب الله”: اعتمد على الكبتاغون (وإيران) لتمويل ميزانيته العسكرية والاقتصادية والاجتماعية الضخمة بالتوافق مع نظام الأسد.

مهنّد الحاج علي*

في حين أنَّ ترتيبَ تقاسُمِ السلطة الطائفي في لبنان يدعو عمليًا إلى النفوذ السياسي على الأجهزة الأمنية، فإنَّ الروابطَ المتنوّعة لشبكات الكبتاغون سمحت لها بتخفيف ظروف المعتقلين، على الرُغم من أنَّ ذلك أثّرَ سلبًا في سمعة البلاد وسلامة أجهزتها الأمنية. على سبيل المثال، اتُهم رئيس الجمارك اللبنانية، الذي كان تابعًا لحليف “حزب الله” المسيحي آنذاك، “التيار الوطني الحر”، واعتُقل لرفعه حظر السفر عن الأمير السعودي  عبد المحسن بن وليد بن عبد العزيز (أمير الكبتاغون) بشكلٍ غير قانوني في العام 2020، بعد أشهرٍ على انفجار مرفإِ بيروت في 4 آب (أغسطس)، مما أدى إلى مساعدة السعودية للبنانيين وتضامنها معهم. كانت المعاملة التفضيلية للأمير في نظام السجون اللبناني محطَّ الأنظار بالفعل بعد أن نشر مقطع فيديو لنفسه يحتفل بعيد ميلاده مع أصدقائه.

كانت مثل هذه الأمثلة على المعاملة المتساهلة للمعتقلين بتُهَمِ تجارة المخدرات موضوعًا متكررًا، وتحديدًا بعد الأزمة المالية والاقتصادية في 2019-2020. ويُعزى ذلك إلى حدٍّ كبير إلى انخفاض قيمة العملة اللبنانية، وبالتالي انخفاض القوة الشرائية للضباط والجنود. في العام 2018، اتُهم أربعة ضباط من قوى الأمن الداخلي بمساعدة شبكات الكبتاغون في نقل المخدرات باستخدام سياراتهم وزيهم الرسمي. كانت التحقيقات التي جرت بعد العام 2019 في صلات أفراد قوى الأمن الداخلي بالاتجار بالمخدرات أوسع نطاقًا بكثير. ومن الحالات الجديرة بالملاحظة اعتقال رئيس سابق لفرع مكافحة المخدرات، وهو لواء في قوى الأمن الداخلي، في أوائل العام 2022 بتهمة بيع المخدرات المُصادَرة. وشملت أحدث قضية التحقيق مع خمسة وعشرين ضابطًا وجنديًا من الأمن العام بشأن المعاملة التفضيلية وهروب فايز العبد، وهو تاجر سوري مقيم في تركيا، والذي ألقي القبض عليه في العام 2023 لدى وصوله إلى مطار بيروت الدولي. تُوَضّحُ هذه الحالات كيف استخدم تجار المخدرات علاقاتهم السياسية وقدراتهم المالية لرشوة ضباط الأمن وتقويض وكالاتهم.

“حزب الله” والمخدرات

سلّطت علاقات شبكات الكبتاغون بمختلف الأطياف السياسية الضوء على كيفية استفادة المجرمين من الفساد المستشري في لبنان. وفي هذا الصدد، كررت هذه الشبكات قضية بنك المدينة الشهيرة في العام 2003. اتُّهِمَ البنك بغسل الأموال والاختلاس والاحتيال، وأغلقه البنك المركزي في نهاية المطاف. أُلقي القبض على المتّهمة الرئيسة، رنا قليلات، لكنها تمكنت من استخدام علاقاتها السياسية ومواردها المالية لتحويل زنزانتها إلى ما وصفته وسائل الإعلام بـ”جناح مُخَدَّم”، قبل أن تفرَّ من البلاد. كشفت الفضيحة عن رشاوى لسياسيين ورجال أمن، ولا شكّ أنَّ هذا الأمر كان عاملًا في ضمان إفلات قليلات من المساءلة. لقد عززت فضيحة بنك المدينة انعدام ثقة الجمهور بالنخب السياسية والأجهزة الأمنية والقضاء، وفي ظل هذه البيئة تحديدًا، تمكّنت شبكات الكبتاغون من الازدهار.

وانعكس هذا الواقع الاجتماعي والسياسي أيضًا في بُعدٍ آخر من جوانب قدرة مهرّبي وتجار الكبتاغون على اختراق النظام السياسي اللبناني، ألا وهو تعاونهم المشتبه به مع “حزب الله”. فمع فرض إدارة ترامب عقوبات على إيران بدءًا من العام 2018، أشارت سلسلة من الأدلة إلى صلات الحزب بشبكاتٍ غير مشروعة، وتحديدًا بتجارة الكبتاغون. برز اتجاهان في تعامل “حزب الله” مع الاقتصاد اللبناني، منذ بدء الصراع في سوريا في العام 2011، وخصوصًا بعد العام 2018. أولًا، ساهم الحزب في نموِّ الاقتصاد النقدي اللبناني من خلال اعتماده على جهات مالية غير رسمية. ويُشتبه أيضًا في أنَّ “حزب الله” لعب دورًا في التهريب عبر الحدود مع سوريا خلال السنوات التي أعقبت الانهيار المالي اللبناني في العام 2019، أو في تسهيله، عندما أُعيدَ بيعُ السلع المدعومة في لبنان، مثل الوقود والأدوية والسلع الأساسية، بربحٍ في سوريا. وقد أسفرت هذه الأنشطة عن خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات. كما سلّطت العقوبات الأميركية الضوء على صلات “حزب الله” بشركات الصرافة، التي تُعتبر واجهات تسمح للحزب بتجاوز القيود العالمية على المعاملات المالية وتوجيه الأموال لتمويل أنشطته.

ثانيًا، ساهم “حزب الله” في إضعاف سياسات الحكومة اللبنانية المتعلقة بالمخدرات بعد بداية الصراع السوري. وبينما استمرَّ تدفّقُ التمويل من إيران إلى “حزب الله”، حتى بعد أن أثّرت العقوبات الأميركية بشدة على موارد طهران وصناعة النفط منذ العام 2018 فصاعدًا، استخدم الحزب نفوذه للدفع نحو نهجٍ لبناني أكثر تراخيًا تجاه جرائم المخدرات، وذلك قبل أن يستثمر النظام السوري بكثافة في تجارة الكبتاغون. ساهمت سيطرة “حزب الله” على الحدود اللبنانية-السورية ورفضه لأيِّ شيء أكثر من دور شكلي للدولة في إدارة المعابر، في نمو التجارة غير المشروعة. في الواقع، أصبح تهميش الحزب للدولة في مراقبة الحدود منهجيًا بعد بداية الحرب في سوريا، مما أدى إلى توقف حتى الطقوس الفارغة المتمثلة في التدمير السنوي لحقول الحشيش والأفيون في البقاع.

استهدفت العقوبات الأميركية أفرادًا مرتبطين ب”حزب الله” يُزعَمُ أنَّ لهم علاقات مع الفرقة المدرعة الرابعة في الجيش السوري بشأن إنتاج الكبتاغون. وفي حين أنَّ ارتباط “حزب الله” كان مرتبطًا بشكلٍ أساسي بنقل أو تسهيل حركة الكبتاغون، فقد أشارت العقوبات الأخيرة إلى تورط الحزب في نشاط الإنتاج داخل سوريا. وكان دور “حزب الله” في لبنان امتدادًا للدور الذي لعبه في سوريا، وتحديدًا في تسهيل أو غضِّ الطرف عن نشاط تجار المخدرات. في استجوابات دقو، كانت صلة “حزب الله” واضحة في قدرة  تاجر المخدرات على تنسيق مرور شحنات المخدرات عبر الحدود. وبغض النظر عن مستوى الأدلة التي تُورِّطُ الحزب، فإنَّ حقيقةَ أنَّ “حزب الله”، الذي كان موجودًا على جانبي الحدود لم يُوقف أو يُعرقل حركة الكبتاغون، تعني ضمنًا وجود شكل من أشكال التورّط، بالإضافة إلى أنَّ الإنتاج كان يحدث أيضًا في المناطق التي حافظ فيها الحزب على وجود عسكري. وعلاوة على ذلك، كانت ل”حزب الله” صلات بأفرادٍ متورِّطين في اتصالات عابرة للحدود الوطنية، وتحديدًا مع أميركا الجنوبية، سواء في فنزويلا أو المكسيك أو في منطقة الحدود الثلاثية بين البرازيل والأرجنتين وباراغواي. ففي المكسيك على سبيل المثال، ارتبط أحد عملاء “حزب الله”، أيمن جمعة، بكارتل “لوس زيتاس” للمخدرات. وكان هذا الانتماء وراء الضغط الأميركي لإغلاق عمليات البنك اللبناني الكندي في العام 2011. وفي تقارير مختلفة، غالبًا ما يعزو الباحثون ما بين 20 و30 في المئة من إيرادات “حزب الله” البالغة مليار دولار إلى تبرعات من أثرياء المغتربين الشيعة والمعاملات غير المشروعة.

تأثير تجارة الكبتاغون على الدولة اللبنانية

أثرت تجارة الكبتاغون على الدولة اللبنانية بطرق أخرى أيضًا، أبرزها الإضرار بمصداقيتها ومصالحها الإقليمية. في نيسان (أبريل) 2021، جمّدت المملكة العربية السعودية واردات الفاكهة والخضراوات من لبنان بعد أن اكتشفت السلطات شحنةً من 5.3 ملايين حبة كبتاغون في صناديق رمان في ميناء جدة. وبلغت التوترات المتصاعدة ذروتها عندما سحبت السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءها من بيروت في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 ردًا على تعليقات وزير الإعلام اللبناني آنذاك جورج قرداحي بشأن الصراع في اليمن. اتُخذت هذه الإجراءات جُزئيًا بسبب تأثير تجارة الكبتاغون على المجتمعات الخليجية، وعلى نطاق أوسع بسبب نفوذ “حزب الله” في لبنان وتورّطه في حرب اليمن. بالنسبة إلى دول الخليج، كانت هذه القضايا مترابطة. فقد اعتبرت تجارة الكبتاغون حربًا تُشنُّ عليها بوسائل أخرى، لا سيما عبر شبكاتٍ يتورّط فيها “حزب الله” – الذي يدعم “أنصار الله” (حركة الحوثي)، العدو الرئيس للسعودية والإمارات في اليمن. نُسبت شحنة 95 مليون حبة كبتاغون إلى السعودية عبر ماليزيا إلى دقو في العام 2021.. وليس من قبيل المصادفة أن يكون هذا هو العام الذي اعتقله فيه فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي وفتح تحقيقًا في أنشطته.

في إشارةٍ إلى تورُّطِ لبنان في لعبة سياسية إقليمية أوسع بسبب الكبتاغون، سعى نظام الأسد في العام 2023 إلى استغلال مشكلة الكبتاغون لتطبيع العلاقات مع العالم العربي بعد سنواتٍ من العزلة. في الواقع، أعادت السعودية العلاقات الديبلوماسية مع سوريا في أيار (مايو) 2023، بعد يومين فقط من ترحيب جامعة الدول العربية بعودة البلاد إلى صفوفها. لكن هذا لم يُغيِّر سلوك النظام السوري. فلكي يتوقّفَ عن إنتاج المخدرات، كان عليه إيجاد مصادر دخل بديلة مُربحة. ونظرًا لضعف النظام في أطراف سوريا، حيث كانت المخدرات تُهرَّب إلى الدول المجاورة، بالإضافة إلى اعتماده على الميليشيات ووحدات النخبة في الجيش السوري المتورِّطة في إنتاج الكبتاغون، فإنَّ الحدَّ من تجارة المخدرات كان سيتطلّبُ تغييرات هيكلية طويلة الأمد داخل سوريا، وهو ما كان النظام إما غير راغب أو غير قادرٍ على معالجته.

على الرُغم من إطاحة نظام الأسد، لا توجد ضمانات بتوقُّف تجارة الكبتاغون. لا يزال الأردن قلقًا بشأن تدفّق الكبتاغون رُغم انخفاض إنتاجه. تعتقد السلطات الأردنية أنَّ منشآت تصنيع الكبتاغون لا تزال تعمل في جنوب سوريا. إنَّ احتمالَ انخفاض التمويل الإيراني ل”حزب الله” عقب الصراع مع إسرائيل في أيلول (سبتمبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) 2024، بالإضافة إلى التكلفة الباهظة المرتبطة بتمويل مؤسساته وإعادة بناء مناطق سيطرته التي دمرها الإسرائيليون، قد يدفع الحزب إلى تعزيز مشاركته في إنتاج الكبتاغون. ومع ذلك، سيحتاج تجار المخدرات إلى لعبِ دورٍ رئيس في تنسيق الأنشطة عبر الحدود، حيث أنَّ الفصائل على الجانب السوري من الحدود تُعتبَرُ من أشدِّ أعداء “حزب الله”. كما سيعتمد الكثير أيضًا على قدرة لبنان وسوريا على تقويض تجارة المخدرات. ومع انتخاب العاد جوزيف عون رئيسًا للبنان أخيرًا، وتزايد الدعم الدولي للقوات المسلحة في البلاد، فمن المرجح للغاية أن تزيد الدولة من جهودها في مكافحة المخدرات مع تحقيق نتائج ملموسة. وبالنسبة إلى الحكومة السورية الجديدة، التي تسعى إلى رفع العقوبات الدولية، فإنَّ التحدي أعظم نظرًا لقدراتها الاقتصادية المحدودة والحاجة إلى توحيد الفصائل المختلفة التي تسيطر الآن على المناطق الحدودية.

ستؤثر الاستجابة الإقليمية والدولية لمرحلة ما بعد الأسد في سوريا في قدرة شبكات الكبتاغون في لبنان على التعافي من انهيار النظام السوري وفرقته المدرعة الرابعة، ومن ضعف “حزب الله”. وبينما قد لا يصل حجم الإنتاج والدعم اللوجستي إلى المستويات التي كانا عليها سابقًا، فإنَّ الاحتياجات المالية ل”حزب الله” واحتياجات الجماعات السياسية الأخرى في سوريا قد تعني بقاء شبكات الإنتاج والاتجار. وقد واصلت السلطات الأردنية استهداف منشآت الإنتاج وشبكات التهريب.  وقد يشير تورط بعض جماعات المعارضة السورية في إنتاج الكبتاغون والاتجار به إلى أنها قد تستأنف أنشطتها، ما لم توفر سياسات جديدة وانتعاش اقتصادي في سوريا فرصًا لمسارات عمل بديلة.

إنَّ إطالة أمد العقوبات الأميركية على سوريا، حتى بعد سقوط نظام الأسد، قد يُهيئ بيئة اقتصادية تُمكّن الشبكات غير المشروعة من التعافي، وإن كان ذلك بطريقة أكثر لامركزية، وهو ما سيكون أكثر صعوبة في احتوائه وقد تكون له آثار جانبية محتملة على لبنان. كما إنَّ عجزَ القيادة والمؤسّسات السورية الجديدة عن السيطرة على المناطق الحدودية للبلاد في الوقت الذي تَحشِدُ مواردها لمواجهة التحديات الناشئة في أماكن أخرى، قد يُحسّن أيضًا ظروف تهريب الكبتاغون. ولذلك، قد يكون من الأفضل معالجة المرحلة الانتقالية في سوريا من خلال رفع العقوبات المفروضة على البلاد وزيادة المساعدات من أجل تحسين الظروف المعيشية. وقد كان قرار الاتحاد الأوروبي في كانون الثاني (يناير) 2025 ببدء تخفيف العقوبات على سوريا خطوة إيجابية في هذا الصدد. ولن يكون إنفاذ القانون كافيًا بمفرده للقضاء على تهريب الكبتاغون، كما سيؤكد مثال حدود لبنان.

ما حدث في لبنان قد يُنذر بما يحدث في سوريا. بعد اعتقال رشاق في العام 2016 ودقو في نيسان (أبريل) 2021، استؤنف إنتاج الكبتاغون والاتجار به، مع مصادرة شحنات متجهة إلى سوق الخليج واعتقال تاجر مخدرات عراقي كبير في بيروت في العام 2024. وقد أظهر استئناف تجارة الكبتاغون واستكشاف شبكات الاتجار لأسواق جديدة، مثل العراق، قدرتها على التكيُّف. إنَّ الأزمات المالية والاقتصادية في لبنان وغياب الإرادة السياسية لتبنّي الإصلاحات ووضع البلاد على طريق الانتعاش المالي يعني أنَّ القوة الشرائية لقوات الأمن من المرجح أن تستمر في التدهور، مما يجعل الأفراد أكثر عرضةً للشبكات غير المشروعة. إذا تزايد نفوذ شبكات الكبتاغون، فقد يؤدي ذلك إلى تقويض قدرة الحكومة على احتواء تجارة المخدرات، مما يدفع الدول الأجنبية إلى معالجة الأمر بنفسها. ونظرًا للانقسامات في المجتمع، فقد يضر ذلك بالسلم الأهلي الهشّ في لبنان.

من ناحية أخرى، مع رحيل النظام السوري وإضعاف “حزب الله”، هناك فرصة لمعالجة تجارة الكبتاغون من خلال وسائل اقتصادية مستدامة بدعمٍ إقليمي ودولي. يمكن أن يتمثل أحد أبعاد هذا النهج في التنمية العادلة طويلة الأمد للبقاع الشمالي، من خلال دعم المشاريع الزراعية القائمة وإنعاش قطاع السياحة، الذي يعاني من انكماش بسبب التحديات الأمنية والقيود التي يفرضها “حزب الله” بهدف الحفاظ على سيطرته الصارمة على المنطقة. وقد دفعت الاشتباكات الحدودية وانعدام القانون العديد من اللبنانيين إلى وصم البقاع الشمالي، مما منعهم من زيارته والاستمتاع بما يقدمه. ومن شأن وجود أكثر فاعلية للدولة هناك أن يساعد على استعادة صورته كمركز ثقافي وموقع لأحد أشهر الآثار الرومانية في العالم في بعلبك. وهذا يستلزم استثمارًا متعدد السنوات لإنشاء بديل اقتصادي قابل للاستمرار، بعيدًا من عقودٍ من الاعتماد على المخدرات والتهريب.

من المسارات السياسية الأخرى التي تمَّ اقتراحها على المستوى الوطني توسيع نطاق تقنين (قوننة) الحشيش اللبناني والقنّب الطبي للتصدير وتنفيذ قانون العام 2020 الذي يركز على استخدامه في الصناعة الطبية. يمكن أن يساعد تنظيم الحشيش والقنب الطبي بدعم من الدولة الأجهزة الأمنية على تصفية شبكات إنتاج الكبتاغون والاتجار به. لم تتخذ الحكومة خطوات محددة لتنفيذ قانون العام 2020، مثل تشكيل لجنة ذات سلطة إصدار التراخيص. وهذا خيارٌ سياسي حظي بدعم في حكومة نجيب ميقاتي ويمكن أن يوفر تدفقًا للإيرادات يقدر بنحو 1.5 مليار دولار. كانت الحكومة تعمل مع البرلمان بناءً على تقرير أعدته شركة ماكينزي وشركاه، والذي أوصى بالتشريع لتعزيز إيرادات خزائن الدولة. ولهذا السبب يجب على حكومة نواف سلام أن تدفع من أجل تنفيذ مثل هذا القانون وتوسيع نطاقه إلى ما هو أبعد من الاستخدام الطبي، وبيع الحشيش إلى البلدان التي يكون فيها الاستهلاك قانونيًا. ينبغي على الرئيس عون، الذي وعد في خطاب تنصيبه بالتركيز على مكافحة إنتاج المخدرات والاتجار بها، أن يُعطي الأولوية لتطوير بدائل اقتصادية، إلى جانب شنّ حملة على شبكات المخدرات، لضمان حلٍّ دائم للمشكلة.

الخلاصة

يعكس الاتجار بالكبتاغون في لبنان تفاعلًا بين عوامل محلية ووطنية وإقليمية. وقد شكّل نمو تجارة الكبتاغون تحديات جديدة للنظام السياسي في البلاد، وقوّض الأجهزة الأمنية خلال سنوات الركود الاقتصادي، والصراع في سوريا، بالإضافة إلى الانهيار المالي الذي شهده لبنان بعد العام 2019.

اضطرّت قوات الأمن، في ظلِّ تناقص مواردها وتراجع رواتبها، إلى مواجهة شبكة تهريب أكثر كفاءة، تضمُّ متعاونين محليين أقوياء، وروابط عابرة للحدود، وقدرة على المناورة والتحايل على ضوابط الحدود. وقد أثرت تجارة الكبتاغون سلبًا في فئات مختلفة من الصادرات اللبنانية، نظرًا لاستخدام الشبكات للمنتجات الزراعية، واللوازم المكتبية، والأزياء، والأغذية، والمشروبات لإخفاء شحناتها. في السنوات الثلاث الماضية، دفعت الضغوط الإقليمية إلى اتخاذ إجراءات أمنية لمواجهة شبكة الكبتاغون، ولكن مع قلة الموارد المتاحة للمؤسسات اللبنانية، سيكون من الصعب توقع استمرار النجاح في حملة مكافحة الاتجار.

في حين أنَّ سقوط النظام السوري قد يخلق فرصة لوقف تجارة الكبتاغون، إلّا أنَّ سلاسل توريد المُتاجرين بهذه المادة السامة، والشبكات العابرة للحدود، وطرق التهريب، بالإضافة إلى استمرار الطلب في الخارج، تُمثل جميعها تحديات كبيرة. علاوة على ذلك، وبالنظر إلى مشاركة جماعات المعارضة السورية السابقة في الاتجار، فإنَّ خروج الأسد لن يحدَّ بالضرورة من الاتجار. إنَّ التركيز على نهجٍ أمني صارم لحل هذه المشكلة لن يُجدي نفعًا إذا استمرت الظروف الاقتصادية والمالية الراهنة في لبنان وسوريا. علاوة على ذلك، ستظل قدرات إنفاذ القانون في البلدين مرتبطة بالانتعاش المالي في كلا البلدين، والذي يجب أن يدعم ميزانيات الأجهزة العسكرية والأمنية ومستوى معيشة أفرادها. وبدون ذلك، من المرجح أن تستأنف شبكات الكبتاغون أنشطتها.

  • مهند الحاج علي هو نائب مدير الأبحاث في مركز مالكولم هـ. كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يركز عمله على الجغرافيا السياسية المتغيرة والجماعات الإسلامية بعد الانتفاضات العربية.
  • أُنتج هذا البحث بدعم من شبكة الأبحاث المحلية العابرة للحدود، وهو برنامج ممول من هيئة التنمية الدولية البريطانية التابعة للحكومة البريطانية. الآراء الواردة لا تعكس بالضرورة السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى