الطريقُ إلى مراكش: تَوَتُّراتٌ أميركية – صينية تَلوحُ في أُفُقِ اجتماعاتِ صندوق النقد والبنك الدولي المقبلة

ما يحتاجه فقراء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم الآن هو محادثات أكثر جدية بين واشنطن وبكين لتجنّبِ أسوَإِ الآثار المترتبة على تحوّلٍ اقتصاديٍّ كاملٍ ولإعادة البناء و تكييف المؤسسات العالمية للإقراض المالي الدولي وإدارة الديون.

وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين: المطلوب حوار جدي بين أميركا والصين لحل أزمة الديون العالمية.

بول سالم *

كانت اجتماعاتُ الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي التي عُقِدَت بين 10 و16 نيسان (إبريل) الجاري في واشنطن، مُناسَبةً مهمة للقادة الماليين والاقتصاديين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للقاء نُظرائهم من هاتين المؤسّستين الماليتين الدوليتين والدول المانحة الثُنائية الرئيسة. تواجه دولٌ عديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مثل الكثير من نظرائها في جميع أنحاء العالم، تحدّيات حادة في القدرة على تحمّل الديون نتيجة الصدمات الأخيرة لوباء كوفيد-19 والغزو الروسي الشامل لأوكرانيا. في غضون ذلك، برزت الصين كمُقرِضٍ عالميٍّ رئيس ينافس صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدائنين التقليديين في الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. نتيجةً لذلك، تتطلب محاولات إدارة أزمة الديون الإقليمية والعالمية الأخيرة التنسيق بين بكين والغرب. ولكن مع تصاعد التوترات بين واشنطن وبكين وأنماطهما المختلفة جدًا في الإقراض وإدارة الديون، فإن هذا التنسيق لا يزال غائبًا. لقد حقّقت اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بعض التقدم في تعزيز المناقشات الهادفة بين الجانبين، ولكن هناك حاجة إلى مزيد من الجهد والتقدّم قبل التمكّن من الشروع في استجابةٍ فعّالة. في الوقت نفسه، تُعتَبَرُ الإجتماعات الأخيرة بمثابة تمهيدٍ للاجتماعات السنوية المهمة التي ستُعقَد في مراكش، في المغرب، في الخريف المقبل – وهي المرة الأولى التي يستضيفها بلدٌ عربي أو أفريقي.

إن التوقّعات الاقتصادية والمالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي قصة مسارات متنوعة، على الرغم من أن نمو إجمالي الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للمنطقة لعام 2023 البالغ 3.1%، أقل من معدل النمو لعام 2022 البالغ 5.6٪. ستستمر دول مجلس التعاون الخليجي في تحقيقِ أداءٍ جيد إلى حدٍّ معقول، ولكن من المتوقع أيضًا أن ينخفض نموها على أساسٍ سنوي. بالنسبة إلى مستوردي النفط الإقليميين، تتنوع الظروف أيضًا، ولكنها بشكلٍ عام صعبة للغاية. لقد انهار اقتصاد لبنان وعملته بالفعل، ومصر وتونس على حافة الهاوية. في الشرق الأوسط الأوسع، تواجه كلٌّ من باكستان وإثيوبيا أزمة ديون خطيرة مُماثلة. أداء المغرب والأردن والعراق أفضل نسبيًا، لكن هذه الدول ما زالت تُواجِهُ تحدّيات كبيرة تتمثل في تباطؤ التوسّع الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، واستمرار انعدام الأمن الغذائي. ناهيك عن الظروف اليائسة التي تُرِكَت شعوب اليمن وسوريا، وإلى حد ما ليبيا، وحتى قبل أيام قليلة، السودان، تعيشها في ظروف لا وجود فيها لحكم الدولة أو القانون إلى حد كبير.

تُعتَبَرُ احتياجات ومعاناة العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جُزءًا من ظاهرة عالمية. من المتوقّع أن ينخفضَ النمو العالمي في العام 2023 إلى 2.9٪ مقارنة بـ3.4٪ في العام 2022، بينما سيظل التضخم وأسعار الفائدة مُرتَفعَين. وبعد الاضطرابات الاقتصادية والمالية الدولية التي حدثت بسبب وباء كوفيد-19 والآثار والتداعيات المتعددة للحرب الروسية على أوكرانيا، دخلت أكثر من 55 دولة حول العالم في أزمة ديون حادة. بعد الاقتراض للتغلب على تحديات الفترة 2020-2022، تحوّلت تكلفة استدامة هذا الدين في مواجهة أسعار الفائدة المرتفعة مع زيادة تشدّد الأسواق النقدية العالمية إلى أزمة خطيرة.

تصارعت اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي االأخيرة مع تعميق خط الصدع الجيوسياسي في الاقتصاد العالمي ونهج إدارة الديون السيادية. مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، ينفصل الاقتصادان تدريجًا، وهذا يؤدّي إلى تجزئة التجارة العالمية وتدفقات الاستثمار، مع قيام القوتين الاقتصاديتين العظميين بتكوين كتل تجارية إقليمية. يؤدي تراجع العولمة هذا إلى إبطاء النمو الإجمالي حول العالم، وتجد البلدان النامية نفسها الآن عالقة بين كتلتين اقتصاديتين متنافستين.

كما أن هذا التشرذم يزيد من صعوبة إيجاد حلول قابلة للتطبيق لأزمة الديون المتفاقمة التي تلوح في الأفق في الشرق الأوسط والعالم بأسره. في العقود السابقة، سيطر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا، على مشهد إدارة الإقراض والديون العالمية. اليوم، أصبحت الصين أكبر مُقرِض رسمي في العالم، حيث أقرض ما يصل إلى 900 مليار دولار على مستوى العالم على مدار العقد الماضي – أكثر من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمقرضين الغربيين مجتمعين. في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا تزال الالتزامات المالية للمغرب وتونس ومصر ولبنان والأردن إلى حدٍّ كبير مع الغرب ومؤسساته المالية الدولية. لكن في باكستان وإثيوبيا، الصين هي صاحبة الدين المهيمن. حتى في مصر، تكتسب بكين تدريجًا بصمة أكبر.

لا تزال الصين والمقرضون الغربيون منقسمين حول إدارة الديون. يمنح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بشكلٍ عام الائتمان السيادي بأسعار فائدة أقلّ من السوق، وهما مسؤولان عن جهود الإنقاذ الطارئة، وبالتالي، لا يُتوقع عادةً شطب القروض كجُزءٍ من إعادة هيكلة الديون؛ من ناحية أخرى، كان على المقرضين الغربيين الخاصين، تاريخيًا وبشكلٍ متكرر، قبول تخفيضات كبيرة أو شطب جزء من إعادة الهيكلة. ويحمل الإقراض واسع النطاق لبكين متوسط سعر فائدة يبلغ ضعف متوسط سعر الفائدة التي تمنحها المؤسسات المالية الدولية، ولم تتوصّل الصين بعد إلى إجماع مع نظرائها الغربيين بشأن عمليات شطب أو تخفيضات الديون الكبيرة كجزء من الاستجابة العالمية لأزمة الديون الطارئة.

في حين أن آثار وباء كوفيد-19، والعدوان الروسي على أوكرانيا، فضلًا عن الآثار المتراكمة لتغير المناخ، دفعت العديد من البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وحول العالم إلى تحمّل ديون حادة ومواجهة ضغوط اجتماعية واقتصادية، فإن التوتر المتزايد بين الولايات المتحدة والصين يزيد من تفاقم هذه الضغوط ويُضعف القدرة الدولية على معالجة آثارها. إن ما يحتاجه فقراء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم هو محادثات أكثر جدية بين واشنطن وبكين لتجنب أسوَإِ الآثار المترتبة على فصل وتحوّل اقتصادي كامل — وهو الأمر الذي دعت إليه وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين في بيان الأسبوع الفائت– ولإعادة البناء و تكييف المؤسسات العالمية للإقراض المالي الدولي وإدارة الديون. يجب أن تعكس هذه الخطوات الحقائق العالمية الجديدة وأن تعالج الاحتياجات الملحة للبلدان التي تنحدر إلى الهاوية المالية.

سيكون إنقاذ وتكييف هذا الهيكل المالي العالمي أمرًا بالغ الأهمية في العقد المقبل، حيث تواجه المنطقة والعالم صدمات متعددة – بعضها يمكن التنبؤ به والبعض الآخر لا يمكن- لتغيّر المناخ والأزمات الصحية المستقبلية والآثار المُدمّرة للصراع العسكري.

  • بول سالم هو الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط في واشنطن. يركز على قضايا التغيير السياسي والانتقال والصراع وكذلك العلاقات الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يمكن متابعته عبر تويتر على: @paul_salem
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره بالإنكليزية على موقع معهد الشرق الأوسط (واشنطن).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى