مُعضِلةُ المقاتلين الأجانب في سوريا

تعمل إدارة دونالد ترامب، وإن تأخّرت، على تحسين الوضع السوري الحالي، بدلًا من انتظار الوضع المثالي الذي لن تحصل عليه. بقبوله دمج الحزب الإسلامي التركستاني في الجيش السوري، فقد اختار ترامب الخيارَ الأقل سوءًا.

الجيش السوري الجديد: يلزمه العدة والعديد لكي يستطيع السيطرة على البلاد.

روب غيست بينفولد*

شكّلَ آذار (مارس) الفائت لحظةً محوريةً في عمليةِ الانتقالِ السياسي الجارية في سوريا، ولكن لأسبابٍ خاطئة تمامًا. ففي غضون أيامٍ قليلة، ارتكبت الميليشيات الموالية للحكومة مجزرةً راح ضحيتها مئات المدنيين العلويين. وتتكرّر في شهادات الشهود فكرةٌ مفادها أنَّ الكثير من أعمال العنف والنهب ارتكبها أفرادٌ تشير ملابسهم ولغتهم ولهجاتهم إلى أنهم ليسوا سوريين.

وهذا ما يجعل تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير في مسألة المقاتلين الأجانب في سوريا أكثر إثارةً للدهشة. كان ترامب، وقبله الرئيس جو بايدن، قد اشترط على الحكومة الانتقالية للرئيس السوري أحمد الشرع اتخاذ الأخيرة إجراءاتٍ لاحتجاز أو طرد آلاف المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا، قبل أيِّ تعاملٍ مع الحكومة. لكن مبعوث ترامب الجديد إلى سوريا، السفير توم باراك، أعلن أخيرًا أنَّ الولايات المتحدة ستتخلى عن مطلبها بترحيل الشرع للمقاتلين الأجانب، وستؤيد مبدئيًا دمجهم في الجيش السوري.

جادلَ النقادُ بأنَّ هؤلاء المقاتلين الأجانب جهاديون عنيفون لا يُعرِّضون تعافي سوريا للخطر فحسب، بل قد يُهدّدون الأمن القومي الأميركي أيضًا. وكما تُظهِرُ مجازر آذار (مارس)، قد يكون كلامهم مُحقًّا. مع ذلك، فإنّ حجّتهم تُبسِّطُ مُشكلةً سياسيةً مُعقّدة. فمصطلح “المقاتلين الأجانب” يُشيرُ إلى نطاقٍ واسعٍ يشمل الجهاديين الأتراك المُفرَج عنهم من السجون للقتال في سوريا، والمتطوّعين الأوروبيين المُتطرّفين، وأعضاء الميليشيات العابرة للحدود من القوقاز والصين وآسيا الوسطى.

يُمكنُ، بل ينبغي، دمجُ بعض هؤلاء المقاتلين الأجانب في الجيش السوري، بينما لا ينبغي دمجُ آخرين. إنّ تحقيقَ هذا التوازن هو السبيل الوحيد لضمان دولة سورية قابلة للحياة، وتعزيز أهداف واشنطن طويلة المدى في مكافحة الإرهاب.

اليوم، تُعاني الحكومة السورية من ضغوطٍ شديدة. فهي لا تستطيعُ نزعَ سلاحِ جميع الجماعات المُسلّحة العاملة داخل أراضيها. بل تحتاجُ إلى إخضاعِ الميليشيات الأقلّ إثارةً للمشاكل لسيطرة الدولة، مما يسمح لها بمواجهة الجماعات الأكثر خطورةً وتطرّفًا. هذه هي الطريقة الوحيدة لمنع تكرار أحداثٍ مثل مجازر آذار (مارس). في قلبِ التحوُّلِ الأخير في سياسة ترامب، هناكَ ما يقرب من 3500 مقاتل أجنبي من الحزب الإسلامي التركستاني، والذين سيُسمح لهم الآن بالانضمام إلى القوات المسلحة السورية. لطالما كان هذا التنظيم، الفرع السوري لجماعةٍ جهادية عابرة للحدود الوطنية تتكوَّن في معظمها من مسلمي الأويغور، قوةً قتالية أساسية تابعة لهيئة تحرير الشام، وهي الجماعة التي تقود الآن الحكومة السورية “في فترة ما بعد الجهاد”.

جاءَ العديدُ من مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني إلى سوريا كجهاديين، ومثل هيئة تحرير الشام، ارتكب هذا الحزبُ جرائمَ حربٍ خلال الحرب الأهلية في البلاد. ولكن، في محاكاةٍ لهيئة تحرير الشام، ابتعد الآن عن الجهاد العالمي.

لهذا السبب، من المُضلِّل الادعاء بأنَّ الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا “جماعة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة”. تحتفظُ قيادة الحزب خارج سوريا بعلاقاتٍ رسمية مع تنظيم “القاعدة”، لكن فرع سوريا لا يفعل ذلك. فقد توقّفَ عن تلقي الأوامر من القادة الدوليين للجماعة، وتعهّد بدلًا من ذلك بالولاء للحكومة السورية. قاتلَ أعضاء الحزب إلى جانب هيئة تحرير الشام ضد كل من تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية”. لا يوجدُ دليلٌ على مشاركة الحزب في اندلاعِ العنف الطائفي في وقتٍ سابق من هذا العام.

حتى خارج الحزب الإسلامي التركستاني، لا تزال حجّةُ دمج المقاتلين الأجانب قوية.

السبب الأوّل لوجستي: ليس لدى المقاتلين الأجانب في سوريا مكانٌ يذهبون إليه. ترفُضُ بلدانهم الأصلية استعادتهم. العديدُ من المقاتلين الأجانب في سوريا، البالغ عددهم 5,000 مقاتل، موجودون في البلاد منذ عقدٍ أو أكثر. تزوجوا من نساء سوريات وأنجبوا أطفالًا سوريين. كان طلب واشنطن بترحيلهم دائمًا مُحبطًا.

السبب الثاني هو القدرة المحدودة للحكومة السورية. ربما يتحدث الشرع عن الشمولية، لكن إدارته ركّزت السلطة في أيدي الموالين لهيئة تحرير الشام. وهذا لا ينطبق فقط على كبار الوزراء السوريين؛ ففي جميع أنحاء البلاد، تتولى مجموعات صغيرة من الموالين لهيئة تحرير الشام إدارة المباني الحكومية. وتمارس هيئة تحرير الشام نفوذًا غير متناسب نظرًا لأن عدد قواتها لا يتجاوز 30 ألف مقاتل. بالمقارنة، فإن قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بقيادة الأكراد والجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا أكبر بكثير.

قد تكون هذه مشكلة من صنع الحكومة الجديدة، لكنها لا تزال مشكلة قائمة. حتى لو أرادت، فإن إدارة الشرع ببساطة غير قادرة على اتخاذ إجراءٍ عدواني لنزع سلاح واحتجاز الآلاف من المقاتلين الأجانب المتمرّسين في المعارك في سوريا اليوم. وهناك أيضًا احتمالٌ قائم ومستمر بأن يدفعهم ذلك إلى أيدي جماعاتٍ تخريبية لا تزال نشطة، مثل تنظيم “القاعدة” أو تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ثالثًا، ترى الحكومة بعضَ المقاتلين الأجانب كعناصر أساسية. فإلى جانب الحزب الإسلامي التركستاني، عيّنَ الشرع المواطن الأردني عبد الرحمن حسين الخطيب قائدًا للحرس الجمهوري، والمواطن التركي عمر محمد الجفتشي قائدًا لفرقة دمشق التابعة للجيش السوري. أثارت مثل هذه التعيينات والمماثلة لها تساؤلات، لكن لها منطقًا استراتيجيًا. فبصفتهم أجانب، يفتقر هؤلاء الموالون إلى قاعدةِ دعمٍ محلّية، ما يعني أنه من غير المرجّح أن يُقدِموا على انقلاب. لذلك، ليس من قبيل المصادفة أن يُسنِدَ إليهم الشرع قيادة القوات المسلحة في العاصمة السورية.

يتطلّب التكامل الصبر والبراغماتية، بدلًا من اتباعِ نهجٍ واحدٍ يُناسِبُ الجميع. لقد عمل الحزب الإسلامي التركستاني بشكلٍ وثيق مع هيئة تحرير الشام لفترة طويلة، ما جعل اندماجه فوزًا سهلاً نسبيًا. في جنوب سوريا، اضطرت ميليشيا الشرع إلى الموازنة بين سياسة الترغيب والترهيب لدمج اللواء الثامن ذي الطابع المحلي، وهو ميليشيا ذات توجُّهٍ مستقل تنقّلت بين القتال مع نظام الأسد وضده مرات عدة. وما نجح مع الحزب الإسلامي التركستاني واللواء الثامن لن ينجحَ مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد). فبالإضافة إلى تشكيل جيش يفوق، نظريًا على الأقل، عدد هيئة تحرير الشام، حكمت قسد والتنظيمات السابقة لها ذات الغالبية الكردية شبه دولة في شرق سوريا منذ العام 2012، وتلقت لأكثر من عقد الدعم السياسي والعسكري الأميركي.

كلُّ هذا يعني أنَّ التحديات الأكبر بالنسبة إلى الشرع لم تأتِ بعد. فهناكَ أكثر من 130 جماعة مسلحة في سوريا -أجنبية ومحلية على حدٍّ سواء- أجرت محادثات اندماج مع النظام الجديد. لا يزال الكثير منها مُتشكّكًا في حكومة الشرع الجديدة. وقد يسعى آخرون إلى “إعادة النظر” – أي إعلان ولائهم للجيش السوري مع الحفاظ على ولائهم وهياكلهم التنظيمية القائمة. والنتيجة هي أنَّ الحكومة السورية ستدفع رواتب هذه المجموعات من دون أن تمارس عليها سيطرة فعلية وكاملة.

إنَّ حقيقةَ أنَّ نظامَ الأسد سمح للميليشيات المتمرّدة بتغيير أعلامها، فقط لكي تعود المجموعات نفسها إلى صفوف المتمرّدين، يجب أن تجعل الشرع يتوقف ويفكر مليًّا. وعلى الولايات المتحدة، بدورها، أن تطالب بتوزيع مقاتلي الحزب الإسلامي التركستاني على مختلف أرجاء الجيش ليكونوا قدوة يُحتذى بها في دمج الجماعات الأخرى.

ثم هناك الميليشيات التي لا ينبغي دمجها إطلاقًا، وهي تشمل الجهاديين العالميين، والمقاتلين الموالين لإيران، وبقايا نظام الأسد، إلى جانب مهرّبي المخدرات والشبكات الإجرامية. ويتطلّبُ نزعُ سلاح هذه الجماعات دولةً سورية فاعلة ذات جيش متماسك ومنضبط. والسبيل الوحيد لتحقيق ذلك هو أن تعزز الدولة مواردها المحدودة من خلال دمج أقل الجماعات المسلحة السورية إشكالية.

وستكون الميليشيات الموالية للحكومة التي لا تزال خارج سيطرة دمشق، والتي تورَّطَ بعضها في مجزرة آذار (مارس)، هي الأصعب. هنا يجب على الولايات المتحدة أن تكون أكثر نشاطًا: أولًا، بمطالبة الشرع بعدم دمج مَن تلطّخت أيديهم بالدماء، وثانيًا، بضمان مواجهتهم للعدالة على جرائمهم. وهذا يتطلّب ديبلوماسية حذرة وحازمة مع تركيا، التي ترعى وتحمي العديد من هذه الجماعات.

إنَّ السماح للشرع بدمج بعض المقاتلين الأجانب في الجيش السوري ليس سوى جُزءٍ واحد من إصلاح الجيش السوري وممارسة سيادة الدولة. سيبقى هذا الأمر مثيرًا للجدل ويجب التعامل معه بحذر. ولكن باتِّباعِ نهجٍ أكثر واقعية في هذا الشأن، بالإضافة إلى تخفيف العقوبات، ستُعزّزُ واشنطن الأمن الأميركي والسوري.

تعمل إدارة ترامب، وإن تأخّرت، على تحسين الوضع السوري الحالي، بدلًا من انتظار الوضع المثالي الذي لن تحصل عليه. بقبول دمج الحزب الإسلامي التركستاني في الجيش السوري، فقد اختار ترامب الخيار الأقل سوءًا.

  • روب غيست بينفولد هو محاضر في الأمن الدولي في جامعة كينغز كوليدج لندن، وباحث في مركز أبحاث السلام في براغ، وأستاذ مساعد في جامعة جونز هوبكنز. يمكن متابعته عبر منصة (X) على:  @DrRGeistPinfold
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى