من قَلبِ مارانا إِلى حُبِّ الجمال
هنري زغيب*
لأَنَّ القداسةَ طريقٌ إِلى الله، ففي وجهِ الله نورٌ يَحكي حبَّ الجمال.
ولأَن “الجمالَ” عنوانٌ مضيْءٌ من نِعَم الله، حين أَسَّست الأُخت مارانا سعد جمعيَّةً سنة 2019، اختارَت لها الاسم الـمُضيء: “فيلوكاليَّا”، وتعني باليونانية القديمة: “حُبّ الجمال”.
من يومها، والأُخت مارانا سعد تَنشُر حب الجمال، جمعيةً دينيةً، ومعهدًا يضم أَجنحةَ الموسيقى والرسم والحرَف اليدوية، وأُمسياتٍ غنائيةً مع جوقتَيْها: “عشتار” و”فيلوكاليَّا”، على عدد كبير من المسارح والصالات والكنائس وواحات الصلاة في لبنان… ولأَنها طامحةٌ إِلى مدِّ رسالتها الروحانية والموسيقية، لم تكتَفِ بلبنان، بل اتجهَت إِلى العالم تنشر فيه ملامح من حب الجمال.
لن أُعدِّد تلك الأَماكن خارج لبنان، فهي أَوسع من وقت هذه الحلقة، بل أَكتفي بالجولة الأَخيرة، قبل أَيام، عادت منها بثمار روحية مشبعة بالتراتيل والموسيقى المقدسة، سعيدةً أَن تكون، مع جوقتها الموسيقية الغنائية، دُعيَت إِلى تمثيل تراث لبنان الحضاري خارج حدود البلاد. فبعد مشاركتها مرة أُولى في ليون، ومرةً ثانية في مرسيليا لم تتم بسبب الحرب في لبنان، دُعيَتْ مجددًا إِلى فرنسا ضمن “مهرجان الموسيقى المقدسة” في جولة شملت ليون، لوريول، سيسيل، وسانت أَنطوان دو لابايي، تقود جوقة “فيلوكاليا”، بمرافقة فادي خليل على الأُرغن، مؤَديةً تراتيلَ وأُغنياتٍ ردَّدَت صداها أَرجاءُ كنائسِ تلك الجولة، بأَصوات الجوقة المحمَّلة رسالةَ رجاءٍ وإِيمانٍ بصُمودِ الشعب اللبناني وجمالِ لبنان وعُمقِ روحانيته والتعلُّق بثقافته وحضارته.
تشكَّل البرنامج من تراتيلَ سريانيةٍ ومارونية، وموسيقى مقدسة قديمة، وأَناشيدَ منسوبةٍ للقديس أَفرام، وأَعمالٍ من التراث الماروني بإِعداد الأَب فادي طوق ونديم روحانا، ونصوصٍ من تريزيا الطفل يسوع، وكلاسيكياتٍ من موزار وبروخنر وغبريال فوريه، ومؤَلَّفات حديثة للأُخت مارانا سعد وإِياد كنعان، وتراتيلَ مريميةٍ بالعربية والفرنسية لإِياد كنعان وجورج باز، وأَعمال لبنانية من مرسيل خليفة وإِيلي شويري والياس الرحباني. وكانت في كتيِّبٍ مع الحاضرين ترجمةُ النصوص إِلى الفرنسية، فتعمَّق التأْثير فيهم.
حارًّا كان الاستقبال في أَمكنة الغناء، وفي بيوت مستضيفين فرنسيين هناك، لبنانيي القلب والحنان، فعاش أَعضاء الجوقة تبادلًا إِنسانيًّا وروحيًّا نادرَ العمق، نَاسجًا روابطَ متينةً ودائمة.
وإِلى الكنائس، قدَّمَت الجوقة عرضًا دينيًّا في بلدية ليون حيث تجري الزواجات المدنية، حضره ممثلون عن البلدية وجمهورِ تأَثر بهذه النخبة من صبايا وشباب لبنان. ثم كانت زيارة موسيقية إِلى دار مسنِّين، عبَّرَت دموعُهم عن تأَثُّرهم بما عاينوا وسمعوا…
لافتةً كانت أَصداءُ جميع الأُمسيات في القلوب، بينها: “أُمسية رائعة ومؤَثِّرة”، أَو “سعِدنا بأَن كنيسة لوريول عادت تنبض بالحياة”، أَو “بكَيت هذا المساء من وفرة الجمال”، أَو “هذه الأُمسية جعلَتْنا نرغب بالعودة إِلى الكنيسة” أَو “أَعضاء الكورال غنَّوا بأَرواحهم قبل أَصواتهم فاهتزَّت بنا رعشة الحياة”.
مشاعرُ ولا أَنضَر، عادت بها الأُخت مارانا سعد وجوقتُها من هذه الجولة التي تجاوزَتْ العرضَ الفني إِلى عُمق رسالةٍ تُحيي التراث، وتَنقُل التاريخ، وتَفتح في المدى طريقَ قيامةٍ وطريقةَ انبثاقِ الحياة من قلب الإِله الذي لا حُبَّ لديه يعلو على حُب الجمال، أَي “فيلوكاليَّا”.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر منصة إكس على: @HenriZoghaib