الأردن يُواجِهُ أزمةَ مياهٍ حرجة وعلى حلفائه التدخّل

أسامة الشريف*

دقّ الأردن ناقوص الخطر وحذّر مواطنيه من توقّعِ حدوثِ نقصٍ حاد في المياه هذا الصيف، وذلك، إلى حدٍّ كبير، بسبب ضعف موسم الأمطار الذي وصل إلى 60 في المئة فقط من متوسط ​​هطول الأمطار السنوي. تحدثت وزارة المياه والري عن خططٍ للتقنين التي ستحدّ من كمية المياه التي يتم ضخّها للأُسَر بمعدل 5 أمتار مكعبة أسبوعياً. تحتل المملكة المرتبة الخامسة عالمياً كدولةٍ تُعاني من الإجهاد المائي حيث يقل متوسط ​​نصيب الفرد عن 1 في المئة من المتوسط ​​العالمي، ويبلغ 100 متر مكعب سنوياً بينما يصل إلى 1,300 متر مكعب سنوياً في الدول المجاورة.

يحصل الأردن على حوالي 60 في المئة من إمداداته من المياه العذبة من طبقات المياه الجوفية التي تتجدّد بفعل هطول الأمطار. سيكون هذا العام صعباً للغاية بالنسبة إلى الأردنيين بسبب قلّة موسم الأمطار. وتأتي باقي احتياجاته من المياه السطحية من بحيرة طبريا وحوض نهر الأردن واليرموك الخاضعة لسيطرة إسرائيل. بموجب معاهدة السلام الأردنية-الإسرائيلية، يتلقّى الأردن حصة ثابتة من المياه من إسرائيل بينما يُعوّض العجز بشرائه — إذا وافق الإسرائيليون على البيع. لقد اشترت المملكة هذا العام 8 ملايين متر مكعب إضافية من المياه من إسرائيل. واستغرق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقتاً طويلاً قبل الموافقة على البيع وبعد أن نصحته الولايات المتحدة بالقيام بذلك.

نقص المياه في الأردن ليس بالأمر الجديد، لكنه تفاقم في السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع عدد السكان، الذي يبلغ الآن 10 ملايين نسمة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنه يستضيف 1.3 مليون لاجئ سوري. تلعب العوامل الحاسمة الأخرى دوراً مثل تغيّر المناخ، وضعف البنية التحتية، حيث يوجد 50 في المئة من الهدر بشكل عام، والإفراط في الضخّ. تفتقر المملكة الصحراوية إلى حدٍّ كبير إلى رواسب النفط والغاز القابلة للتطبيق تجارياً التي يمتلكها بعض جيرانها، ما يحدّ من قدرتها على تبنّي حلول باهظة الثمن مثل تحلية مياه البحر.

مع متوسط ​​هطول الأمطار أقل من 50 ملم كل عام، لم يعد بإمكان البلاد الاعتماد على موسم الأمطار الذي لا يمكن التنبّؤ به لتجديد طبقات المياه الجوفية. وفي الوقت عينه، يذهب 45 في المئة من استخدام المياه للزراعة، بينما تفقد شبكات المياه البلدية ما يقرب من نصف مياهها بسبب السرقة والتسرّب، وفقاً للدراسات. تمّ حلّ جزء من المشكلة من طريق ضخ المياه من حوض المياه القديم في الديسي في جنوب الأردن، لكنها طبقة مياه جوفية غير مُتجدّدة وسوف تجف في نهاية المطاف. حالياً يتم ضخ 90 مليون متر مكعب من الديسي لتوفير مياه الشرب إلى عمّان والعقبة.

كان الأردن يتحدّث عن بناء محطة لتحلية المياه في العقبة منذ سنوات ولكن لم يتم تحقيق الكثير بسبب نقص التمويل. وينطبق الشيء نفسه على قناة نقل مياه الأحمر-الميت الاستراتيجية، وهو المشروع الذي وافق الأردن وإسرائيل على تنفيذه في العام 2013 لكنه توقف.

ويُحمّل الأردن إسرائيل مسؤولية عدم الوفاء بالتزاماتها. سيضخ المشروع المياه من البحر الأحمر إلى البحر الميت، لتوليد الكهرباء التي سيتم استخدامها لتحلية المياه مع إلقاء المحلول الملحي في البحر الميت، ما سيساعد على استقرار البحيرة المُتقلّصة. ولكن حتى ذلك الحين، وإذا تم الانتهاء من القناة بحلول العام 2025، فسوف تساهم بنحو 10 في المئة من احتياجات المياه في البلاد.

هذا الوضع المؤلم يستدعي تدخّلاً إقليمياً ودولياً لنجدة الأردن. تواجه المملكة عدداً لا يُحصى من التحديات بما في ذلك الوباء والاقتصاد المُتعثّر الذي دفع معدل البطالة إلى 24 في المئة وحتى أكثر بين الشباب. من الواضح أن إسرائيل في عهد نتنياهو ستشتري وقتها قبل أن تمنح الأردن حصته العادلة من المياه من نهرَي الأردن واليرموك. ببساطة، تستخدم إسرائيل احتياجات الأردن المائية كأداةٍ لتقديم تنازلاتٍ سياسية.

يتفق الخبراء على أن الحل الوحيد القابل للتطبيق هو بناء محطة تحلية رئيسة على البحر الأحمر. لقد طال انتظار هذا المشروع ويجب على جيران الأردن التفكير في الاستثمار في هذا المشروع جنباً إلى جنب مع القطاع الخاص. ويعتقدون أيضاً أنه في الوقت الذي يكافح الأردن لتحويل موارده المائية لتلبية احتياجات الشرب، سيُعاني القطاع الزراعي ويُمكن أن يؤدي ذلك إلى نقصٍ في إنتاج الخضروات والفواكه الأساسية أيضاً.

الأمن المائي شيءٌ لا يمكن تجاهله أو تركه لأهواء السياسيين. يجب على جيران وحلفاء الأردن أن يحشدوا جهودهم لمساعدة المملكة على التعامل مع نقص المياه من خلال الاستثمار في مجموعة من المشاريع مثل تحديث شبكة المياه المهترئة والفقيرة وتمويل محطة لتحلية المياه في العقبة. يجب على الولايات المتحدة، الحليف الاستراتيجي للأردن، الضغط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها تجاه مشروع نقل مياه الأحمر- الميت في أسرع وقت ممكن. يجب على حلفاء الأردن الأثرياء الدعوة إلى مؤتمر طارئ لجمع الأموال لتخصيص الموارد لتنفيذ المشاريع التي تشتد الحاجة إليها. يجب أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن.

إن استقرار الأردن له أهمية قصوى في السلام الإقليمي. تجلى ذلك من خلال رسائل التضامن الإقليمية والدولية مع المملكة في أعقاب الأزمة السياسية الأخيرة، والتي تضمّنت مؤامرة لزعزعة استقرار البلاد. يجب أن يمتد التضامن لمساعدة البلاد على مواجهة ما ثبت أنه تحدٍ وجودي خطير.

  • أسامة الشريف هو صحافي ومٌعلّق سياسي مُقيم في عمّان، الأردن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @OsamaAlSharif3

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى