في لبنان، الحُكمُ العسكري ليس حلاً لكن الجيش هو الضامن الوحيد لبقاء وشرعية الدولة

مايكل يونغ*

قد يشهد لبنان حكومة في المستقبل القريب، بعد تأخير دام ثمانية أشهر. ومع ذلك، نادراً ما يكون انتظار الكارتل السياسي الحاكم لاتخاذ قرارات مفيدة للبلاد أمراً مُستَحسَناً أو مرغوباً. لذلك يجب على الدول الأجنبية التي تريد تجنّب الإنهيار الكامل للبنان أن تبحث في سبل تعزيز القوات المسلحة اللبنانية ودمجها في جهودها.

الجيش هو مؤسسةٌ نادرة ما زالت تحتفظ بجاذبيتها في جميع أنحاء لبنان، وتُجسّد الوحدة الوطنية وتعمل بمثابة تذكير بمشروع الدولة – ضد الأحزاب والقادة الطائفيين الذين يضمنون خراب البلاد. إذا لم يتم تشكيل حكومة قريباً، فقد يتسارع التفكك والتجزئة.

لا يوجد مُذنبٌ في هذا الوضع أكثر من “حزب الله”. في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، عندما بدأت الاحتجاجات المُناهضة للحكومة، سعى “حزب الله” إلى تقويض دعوات التغيير لأن النظام الفاسد المعمول به يحمي مصالحه. اليوم يواجه الحزب انهيار النظام. إن دعوة زعيمه السيد حسن نصر الله في الأسبوع الفائت لتشكيل حكومة جديدة قد تُظهِرُ أنه يُدرك المخاطر.

ثم مرة أخرى، كثيراً ما يدلي نصرالله بتصريحات تخفي نواياه. ومع ذلك، فإن الأزمة الاقتصادية لها تأثيرٌ ضارٌ في الشيعة أيضاً، لا سيما على وحدة الطائفة. يتقاضى قسم من أتباع “حزب الله” رواتبهم بالدولار الأميركي، الأمر الذي يُثير استياء أنصار حركة “أمل”، الحزب الشيعي الآخر، الذين يعمل العديد منهم لصالح الدولة. لقد ذاب دخلهم بالليرة اللبنانية وتآكلَ وسط تضخّمٍ مُفرِط.

إن استمرار الفراغ الحكومي الذي يؤدّي إلى انعدامِ الأمن والمزيد من التفكّك الاقتصادي قد يعني انهيار الدولة. ويُمكن أن يخلق هذا الواقع ديناميكيات تُشجّع الأحزاب الطائفية على إدارة المناطق الخاضعة لسيطرتها، ما يُعيد البلاد إلى سنوات الحرب الأهلية. حتى لو تمّ تجنّب الصراع، فإن ما تكسبه الأحزاب الطائفية ستخسره الدولة، على نحو يضرّ بنظامٍ وظيفي فعّال.

في المقابل، يُمكن للقوات المسلحة، مهما كانت عيوبها، أن تُحافظ على مستوى مُعَيَّن من الأمن وتُمثّل بديلاً وطنياً من السياسيين والأحزاب التي عرقلت التقدّم. طبعاً، هذا ليس نداءً لحكمٍ عسكري، الذي سيكون كارثة على لبنان والجيش نفسه.

مع ذلك، لطالما كانت القوات المسلحة مصدر قلق للكارتل السياسي في لبنان، خصوصاً أنها تحظى بدعمٍ شعبي. الواقع أن الجيش هو المفارقة حيث يُجسّد كل تناقضات المجتمع الطائفي في لبنان، ولكن لديه أيضاً نظاماً عقائدياً مؤسّسيّاً بديلاً، ما يسمح له بامتلاك موقفٍ مُستقل في ما يتعلق بالقادة والأحزاب الطائفية.

لهذا السبب يجب أن يُركّز تعزيز الجيش على دفع الطبقة السياسية كي تكون أكثر مرونة تجاه التسوية والإصلاح، خوفاً من أن تستفيد القوات المسلحة من أي ردِّ فعلٍ شعبي ضد سلوك القيادة.

إن كيفية تعامل الجيش مع هذا الوضع يبدو أمراً مُعقّداً. الفكرة ليست التعجيل بحربٍ بين الجيش و”حزب الله”. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الجمود وتدمير لبنان وإغضاب وتنفير الكثير من اللبنانيين الشيعة.

ولا ينبغي مُطالبة القوات المسلحة بمعارضة الحكومة علانية. وهذا من شأنه أن يُقوّض فكرة السيطرة المدنية على الجيش ويُشجّع الأحزاب السياسية على مُفاقَمة التناقضات الطائفية في المؤسسة.

الدور الأكثر قابلية للتحقيق هو تشجيع الجيش على تأكيد خلافاته مع الأحزاب السياسية، وعلى رأسها “حزب الله”. يُمكنه أن يفعل ذلك من خلال فَرضِ نفسه على أنه عامل التوازن الرئيس في لبنان، على غرار ما فعله الجيش خلال الحرب الأهلية في العام 1958، وتعزيز مصداقيته. يُحافظ الجيش على النظام ويحمي الممتلكات العامة لكنه لن يتدخّل لفض الاحتجاجات المشروعة.

كما يُمكن للقوات المسلحة أن تُسلِّط الضوء على العلاقات مع شركاء لبنان في الغرب والعالم العربي. في خطابٍ ألقاه أخيراً، أشار قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى أن الدول الأجنبية -التي قصد بها الولايات المتحدة، من بين دول أخرى- قدّمت مساعدةً حيوية للقوات المسلحة اللبنانية عندما فشلت الدولة في القيام بذلك.

وبشكلٍ أكثر دقة، يُمكن للجيش أن يبدأ بجرأة تعريف نفسه على أنه محور الرؤية الوطنية في بياناته العامة، وهو ما يتناقض مع عدم وجود رؤية من القيادة السياسية. هذا لا يعني أن الجيش يجب أن يسعى جاهداً إلى الاستيلاء على السلطة، ولكن كمؤسسة وطنية يجب أن يكون أكثر صراحة في ما يتعلق بما يعتبره المُثُل العليا اللازمة لحماية البلاد في وقت الأزمات.

البعض سيرى في ذلك برنامجاً انتخابياً لقائد الجيش، لكن يجب أن تكون المبادرة مؤسّسية وليست شخصية. والهدف من ذلك هو الإظهار بأنه وسط أجندات لبنان الضيّقة والإقليمية العديدة، لا يزال هناك منبرٌ يستطيع اتخاذ خطواتٍ يُمكن أن تجذب جميع اللبنانيين.

سيكون هناك مَن يُجادل بتهوّر أنه يجب حرمان الجيش من المساعدة لأنه واجهة ل”حزب الله”. هذا هو الخط الذي يتم دفعه في الولايات المتحدة، المُورّد الرئيس للقوات المسلحة، من قبل لجنة الدراسة في الحزب الجمهوري، وهي مجموعة من الجمهوريين المحافظين في الكونغرس التي قامت بتحريضها مراكز الفكر والأبحاث اليمينية الأميركية.

ومع ذلك، فإن هذا النهج لا يرى أنه في الوقت الذي يُركّز “حزب الله” على تجاوز عاصفة من الإستياء الإجتماعي، هناك مجالٌ للجيش لاستغلالِ الوضع. إن فكرة أن الجيش هو أداة ل”حزب الله” هي تحريفٌ للواقع والحقيقة. في الوقت الذي يتعرّض لبنان للتهديد، ما زال بإمكان الجيش مع ذلك أن يكون الطرف الجامع للبنانيين بمختلف مشاربهم ومنقذ شرعية الدولة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى