“الجدار الحديدي” يعزل إسرائيل عن السلام

بقلم مايكل يونغ*

بعثت نتيجة الإنتخابات الإسرائيلية الأخيرة رسالة صارمة إلى المواطنين العرب في الدولة العبرية وكذلك إلى العرب بشكل عام. لم يسعَ أيٌّ من الحزبين الرئيسيين، الليكود أو تحالف الأزرق والأبيض الذي يتزعمه بيني غانتس، إلى تشكيل تحالف مع القائمة العربية المشتركة للمساعدة على تأمين الغالبية في الكنيست لأنهما لم يكونا على استعداد لذلك.

إذا كان تشكيل ائتلاف مع الأحزاب السياسية العربية الإسرائيلية أمراً مُثيراً للجدل إلى هذا الحد، وإذا كان الإندماج مع العرب في إسرائيل محفوفاً بالمخاطر، فيجب على المرء أن يتساءل كيف ستنجح إسرائيل في مسعاها للإندماج بشكل أفضل في المنطقة، وهو أمر لطالما كان هدفاً استراتيجياً لدولة إسرائيل؟ والسبب في ذلك هو أن القادة الإسرائيليين تصرّفوا منذ فترة طويلة على أساس الإعتقاد بأنه فقط عندما يتقبّل أعداؤهم أن هزيمة إسرائيل عسكرياً تكاد تكون مستحيلة سيوافقون على صنع السلام معها.

يُمكن العثور على جذور هذا التفكير في مقال مشهور كتبه في العام 1923 الزعيم الصهيوني التعديلي زئيف جابوتنسكي. وغالباً ما يُشار إليه بمقال الحائط الحديدي. لقد جادل جابوتنسكي فيه بأن الإستيطان اليهودي في فلسطين “يُمكن أن يتطور بالتالي تحت حماية قوة لا تعتمد على السكان المحليين، خلف جدار حديدي سيكونون عاجزين عن تفكيكه”. في مواجهة مثل هذا “الجدار الحديدي”، كتب جابوتنسكي، سيفسح القادة العرب المُتطرّفين المجال في الوقت المناسب للمُعتدلين الأكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية.

لقد هَيمَنت عقيدة الجدار الحديدي على الاستراتيجية الأمنية الإسرائيلية في وقت مبكر إلى حد ما. حتى عدو جابوتنسكي الكبير، ديفيد بن غوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلي المؤسس، تبنّى مبدأه الأساس خلال طفولة الدولة.

اليوم، مع حكم إسرائيل من قبل المُتحدّرين المُثقفين من الصهيونية التعديلية أكثر من أي وقت مضى، يبقى الجدار الحديدي في قلب نهج إسرائيل تجاه الأمن. وقد أثار ذلك الكثير من الرضا لدى بعض أصدقاء إسرائيل والمُعجبين بها، الذين يُشيدون باستعداد الدولة لضرب أعدائها بقوة.

لكن السمة الثابتة – والمُهينة – لهذا النهج هي الافتراض بأن العرب، أو الإيرانيين اليوم، لا يفهمون سوى العنف حقاً. في حين أن هناك حالات قد يكون فيها اللجوء إلى العمل العسكري ضرورياً لردع التهديدات، كما هو الحال في جهود إسرائيل لمنع إيران من إحاطة البلاد بقوى مُعادية، يُمكن للجدار الحديدي أيضاً أن يهزم غرض تسهيل قبول إسرائيل في المنطقة.

لقد أدّى الإسرائيليون، من خلال قدرتهم على التغلب على أعدائهم في المنطقة، إلى ثلاثة ردود فعل واسعة النطاق، وكلها تجعل السلام أقل احتمالاً.

الأول هو أن استخدام إسرائيل المُتكرّر للقوة الطاغية أثار استياءً عميقاً واتهامات مضادة، بل وحتى كراهية، في الدول العربية. وهذا الأمر جعل الأنظمة تتردّد وتُفكّر مرتين بالنسبة إلى التوصل إلى تسوية مع الإسرائيليين، لأن ذلك يُمكن أن يقوّض شرعيتها مع سكانها.

ردّ الفعل الثاني هو أنه بينما فرضت إسرائيل تفوّقها العسكري على مدى عقود بنجاح كبير، فقد دفع هذا أعداءها إلى ترقية قدراتهم العسكرية الخاصة والعثور على نقاط ضعف في الدفاعات الإسرائيلية. إن تطوير إيران لتكنولوجيا الصواريخ والطائرات بدون طيار، وتسليح وكلائها بهذه الأسلحة هو مثال على ذلك. اليوم، يُمكن ضرب أجزاء كبيرة من إسرائيل في حرب مستقبلية، لم تكن كذلك قبل عقدين.

والأهم من ذلك، إن نجاح عقيدة الجدار الحديدي سهّل على إسرائيل لفترة طويلة تجنّب اتخاذ خطوات قد تُسهّل السلام. في السنوات التي أعقبت انتصار إسرائيل في حرب حزيران (يونيو) 1967، على سبيل المثال، رفضت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك غولدا مئير إقتراحاً مصرياً بالتوصل إلى تسوية حول شبه جزيرة سيناء. وقد ساعد ذلك على تعزيز قرار الرئيس المصري أنور السادات بالذهاب إلى الحرب في العام 1973 لاستعادة الأراضي.

وبالمثل، عندما وافقت الدول العربية على مبادرة سلام في قمة العام 2002، تجاهلتها إسرائيل فعلياً. وقد عرض الإقتراح السلام بين جميع الدول العربية وإسرائيل مقابل السماح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين. حتى لو كانت هناك جوانب مثيرة للجدل في الخطة، كان بإمكان إسرائيل التفاوض. ولكن لم يكن هناك دافع للقيام بذلك، أو إرادة للتخلّي عن الأراضي المحتلة.

يسود هذا المنطق حتى يومنا هذا. تشعر حكومة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بوضوح أن إسرائيل قوية بما فيه الكفاية بحيث لا تحتاج إلى التنازل عن الأراضي العربية التي استولت عليها في العام 1967. واليوم تدعم الولايات المتحدة هذا الموقف، وقد اعترفت، أو من المحتمل أن تعترف، بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان والقدس الشرقية وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية. ويُمكن لنتنياهو أن يشكر الجدار الحديدي على ذلك.

بعبارة أخرى، أصبح الجدار الحديدي على هذا النحو: جدارٌ بين إسرائيل والدول المحيطة به، مما يُقلّل من احتمال اندماج إسرائيل في المنطقة. يجب على أولئك الذين يُشيدون بإعطاء إسرائيل الأولوية لأمنها أن يُدركوا أنهم في الواقع يُشيدون بالسبب الرئيس لتعنّتها. وهذه ليست صيغة جيدة لحصول إسرائيل على قبول طويل الأمد من دول الشرق الأوسط الأخرى.

  • مايكل يونغ مدير تحرير في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، ومحرّر مدوّنة “ديوان” في كارنيغي المعنيّة بشؤون الشرق الأوسط.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى