خليفة عباس: صراعُ الظلالِ في رام الله

ناثان براون*

أصدر محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، في 27 تشرين الأول (أكتوبر)، “الإعلان الدستوري رقم 1 لعام 2025”. وهي وثيقةٌ مُوجَزة تُوضّحُ بشكلٍ صريح أنه عند مغادرة عباس منصبه، سيتولّى حسين الشيخ، بصفته نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الرئاسة لفترة انتقالية قصيرة قابلة للتجديد مرة واحدة. ورُغمَ أنَّ الشيخ لم يُذكر بالاسم في النص، إلّا أنَّ منصبه يُحدّدُ هويته بوضوح.

ورُغمَ وضوح الصياغة وبساطة مضمونها، فإنَّ شكلَ الوثيقة وسياقها وصمتها عن بعض التفاصيل (إضافةً إلى ما يبدو من إهمال مُتعَمَّد) توحي بمعانٍ مختلفة. فربما جاء هذا الإعلان استجابةً لضغوطٍ دولية، أو محاولةً لإرضاءِ أطرافٍ خارجية مُعَيَّنة، أو لتسوية صراعاتِ الخلافة قبل وقوعها. ومع ذلك، يبدو أنَّ عباس قد اختار زعيمًا للفلسطينيين قد يستمرُّ في موقعه إلى أجلٍ غير مُحَدَّد. ومن المرجّح أنَّ كثيرين من الفلسطينيين في الضفة الغربية وخارجها ينظرون بسلبيةٍ إلى هذا القرار وإلى الشخص الذي اختيرَ لتنفيذه، مما يجعل “الإعلان الدستوري” الجديد يزيد من غموضِ مُصطلح “رئيس السلطة الفلسطينية” أكثر مما كان عليه من قبل.

أوّلًا، ما هو “الإعلان الدستوري”؟ في الممارسة الدستورية العربية، تُشيرُ هذه الوثائق إلى أنَّ السلطة السياسية القائمة تصدرُ أمرًا يحملُ طبيعة دستورية، ما يجعله خارج إطار الإجراءات المُعتادة لتعديل الدستور. في جوهره، يزعَمُ الحاكمُ امتلاكَ سلطةِ التحدُّث “بصوتٍ دستوري” لمجرّد كونه الحاكم، وهي صلاحيةٌ نادرًا ما تُستَخدَم. وقد لجأ محمود عباس إلى هذه الأداة في العام 2024 لإصدارِ أمرٍ مُشابه في الصياغة، عيّن فيه روحي فتوح خلفًا له. أما الاختلافُ الوحيد في الإعلان الجديد فكانَ استبدال الاسم وإلغاء إعلان العام 2024 السابق.

لكن إذا كان الشكلُ يُثيرُ الرَيبة، فماذا عن السياق؟ فالأحكامُ الجوهرية في الإطار الدستوري للسلطة الفلسطينية، أي “القانون الأساسي”، مُعلَّقة منذ ما يقارب العقدين. وينصُّ بندُ الخلافة فيه على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي (الذي قام عباس بحلّه) الرئاسة مؤقتًا. ورُغمَ أنَّ هذا القانون قد أصبحَ شبه معطَّل، يبقى السؤال: لماذا لم يتم تعديله بدلًا من إصدارِ مرسومٍ مستقل؟ ولماذا تمَّ اتخاذُ هذه الخطوة الآن، رُغمَ أنَّ الفراغَ نفسه كان قد عُولِجَ قبل عامٍ بإعلان 2024؟ ولماذا لم يُنتَظَر “الدستور المؤقت” الذي تعملُ لجنةٌ على صياغته حاليًا والمُقرَّر صدوره في وقتٍ لاحق من هذا العام؟

من المرجّح أنَّ هناكَ عواملَ دولية ومحلية دفعت إلى ذلك. فعلى الصعيد الدولي، كان الرئيس دونالد ترامب قد لمّح أخيرًا إلى أنه سيُعبّرُ عن رأيه بشأن مدى مُلاءمة عباس للاستمرار في منصبه — إذ قال في البداية إنه “ربما” غير مناسب، قبل أن يُذكِّرَ بأنه تلقّى مديحًا من عباس نفسه. وعندما سُئلَ عن مروان البرغوثي، الزعيم الفلسطيني المسجون، أجابَ بأنه “سيُقرّرُ قريبًا” ما إذا كان ينبغي لإسرائيل إطلاق سراحه. إقليميًا، يعملُ بعضُ الدول العربية البارزة على تسوية الخلافات داخل حركة “فتح”. وقد أُعيدَ ناصر القدوة، وزير الخارجية الفلسطيني الأسبق وابن شقيق ياسر عرفات، إلى صفوف الحركة بعد أن طُرِدَ في العام 2021 بسبب مشاركته في قائمةٍ انتخابية مستقلة إلى جانب البرغوثي. في الوقت نفسه، أوضحت دولٌ أخرى تفضيلها لشخصياتٍ مُعينة، من بينها محمد دحلان، الذي فُصِلَ من “فتح” في حزيران (يونيو) 2011، ويحظى اليوم بدعمٍ قوي من الإمارات العربية المتحدة.

قد يكونُ تعيينُ حسين الشيخ مُرتَبطًا بتفاهُماتٍ مع بعض القوى الدولية المؤثّرة، أو محاولة لإحباط جهود ترشيح مروان البرغوثي، أو لتهميش العائدين إلى حركة “فتح” ومنعهم من لعبِ أيِّ دورٍ في قيادة السلطة الفلسطينية. وإذا كان الأمرُ كذلك، فمن الصعب على الفلسطينيين تقبّل خليفة يُنظَرُ إليه كنتاجٍ لمناورات دولية وصراعات داخلية. ومع دخول الإعلان حيّز التنفيذ، قد يستعيدُ الطامحون الآخرون للمنصب الذين التزموا الصمت مؤقتًا أصواتهم مع غياب عباس.

ما لم تذكره الوثيقة وصياغتها الغامضة يُثيرُ بدوره بعض القلق. فالرئيس المؤقت مُقرَّرٌ أن يتولى المنصب لمدة “90 يومًا” إلى حين إجراء الانتخابات. لكن إذا تعذّر ذلك، فسيُمدَّد له لفترة “أخرى” واحدة فقط، بناءً على قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهي هيئة يهيمن عليها مؤيّدو عباس. غير أنَّ طولَ هذه الفترة الثانية لم يُحدَّد بوضوح، كما إنَّ الانتقالَ في النص من كلمة “مدة” إلى “فترة” يثيرُ تساؤلات حول مدى دقة الصياغة، وإن كان مجرّد سَهوٍ أو غموضٍ مقصود. وفي كلِّ الأحوال، يبدو أنَّ الرئيس نفسه غير واثقٍ من إمكانية انتهاء هذه الفترة الثانية بإجراءِ انتخاباتٍ فعلية، وهو احتمالٌ ضعيف في ظل الفوضى السياسية السائدة في الساحة الفلسطينية.

وباختصار، إذا تنحّى محمود عباس عن منصبه لأيِّ سبب، فقد أصبح اسم خليفته معروفًا. غير أنَّ الطريقة التي جرى بها هذا التحديد تُقوّضُ بشدة أيَّ شرعيةٍ محلّية قد يسعى هذا الخليفة إلى اكتسابها.

  • ناثان براون هو أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، وهو باحث متميز ومؤلف لتسعة كتب عن السياسة والحكم العربي.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى