جبران أَيضًا وأَيضًا: “عشرون رسمًا” (1 من 2)

الطبعة الإِنكليزية الأَصلية

هنري زغيب*

هذا الجبران… هذا الجبران ! ماتَ يومًا وما زال يولد كلَّ يوم!

حين أَغمضَ عينَيه للمرة الأَخيرة على سرير الغرفة 301 من مستشفى سانت فنسنت – نيويورك (عند الحادية عشْرةَ إِلَّا عشرَ دقائق ليلة الجمعة في العاشر من نيسان/أَبريل 1931)، تراه كان يَحدُسُ أَنه لن ينطفئَ ذكْرًا وذكرًى وذكرياتٍ واستذكارًا لا إِلى حدود؟ فمنذ غاب ليلتئذٍ، وهو يَحْضُر مع كل شروق شمس، هنا، هناك، هنالك، في طبعة جديدة، ترجمة جديدة، كتاب جديد، دراسة جديدة، ولا ينتهي التعداد.

أَحدثُ هذا التعداد يَظهر اليوم أَميركيًّا، لدى دار “منشورات خياط” في واشنطن، وهي أَصدرَت قبل أَيامٍ في طباعة أَنيقةٍ مُتقنَةٍ ترجمةَ الكاتبِ السوري زاهي رستُم كتابَ “عشرون رسمًا” (طبعته الأُولى: نيويورك 1919 لدى منشورات كنوف، ناشرة جميع مؤَلَّفات جبران بالإِنكليزية).

فماذا عنه؟

آلِيس رافاييل

لزاهي رستم في هذا الكتاب (90 صفحة) أَكثرُ من فضل: أَنه عرَّف بالناقدة آليس رافاييل، وأَنه عرَّب مقالها النقدي المطوَّل عن جبران، وأَنه نشر الرسوم العشرين مع عناوينها، وأَنه سرَدَ في القسم الأَول من الكتاب معلوماتٍ ضروريةً للدخول إِلى عالَم الكتاب.

آليس رافاييل ولدَت في براونْزْفيل (ولاية تكساس) في 22 حزيران/يونيو 1887، وتوفِّيَت في منزلها يوم 27 آب/أُغسطس 1975. وهي باحثة ومترجمة أَميركية، درست الموسيقى في أَلمانيا، وتابعت في زوريخ تخصُّص التحليل النفساني مع كارل يونغ. ثم درست أُصول الرسم في واشنطن (كونيتيكت). ترجمت من الأَلمانية رائعة غوته “فاوسْتْ”، وأَصدرتها في جزءين سنة 1932. أَمضَت البقية من حياتها في مانهاتن (نيويورك)، وهناك تعرَّفَت بجبران، ورَسَمَها بالقلم الفحمي. الرسمة غير متداوَلة، ورجَّح لي صباح اليوم مدير متحف جبران في بشرّي جوزف جعجع أَنْ قد تكون بين موجودات جبران لدى “متحف سُميَّة” في المكسيك. تلك الموجودات، عند وفاة جبران، انتقل معظمُها إِلى شقيقته مريانا فأَودَعَتْها لدى نسيبها النحات البوسطني خليل جبران، وهو عاد فسَلَّمها لاحقًا إِلى كارلوس سليم في المكسيك.

“الذات العُظمى” (من رسوم الكتاب العشرين)

قبل النص

قلت إِن لزاهي رستم فضلَ الإِضاءة على عشْر نوافذ، قبل الدخول إِلى نص آليس رافاييل. من هذه النوافذ العشْر ما سرده، بأُسلوب الأَديب المكرَّس ومضمون العارف الخبير، عن دافعه النبيل لترجمة الكتاب: “إِنصافُ جبران الفنان – أَو المصوِّر  كما كان يُطْلَق على الرسَّام حقَبَتَئِذٍ- عربيًّا، مثلما أَنصفتْه المنشورات الإِنكليزية في أَميركا، ومثلما جَلَتْهُ المنشورات العربية من الناحية الأَديبة، فيُفيد منه الدارسون والباحثون، بتسليط الضوء على موهبة جبران الفنية كرسام، وعلى تأْثيره في الفن الأَميركي”.

قلتُ إِنه دافع نبيل. فنادرًا ما صدرَ بالعربية عن جبران كتابٌ درس ريشته حيال مئات ما صدَر عنه ككاتب. ولعلَّ أَكملَ ما صدر في هذا الفضاء التشكيلي كتابُ حافظ متحف جبران سابقًا وهيب كيروز “عالَم جبران الرسام – مدخل إِلى أَبعاده الفنية” (مطبعة الأَرز، بيروت، 255 صفحة، سنة 1982).

معرض الـ”20 رسمًا”

في نبذة عن الكتاب ذاته، وهو على ما يبدو صدَر موازيًا معرضًا لأَعمال جبران، يشرح زاهي رستم: “لم يكن المعرض مجرَّد عرضِ لوحات، بل كان حدَثًا ثقافيًّا مثَلَّثًا جمَع بين الرسم (عرض 20 لوحة أَصلية)، والشعر (قراءَات من نصوص جبران، خصوصًا من كتاب “المجنون” الصادر قبل المعرض بسنة: 1919)، والموسيقى (عزْف موسيقي مرافِق مستوحى من لوحاته). جاء المعرض في ذروة حركة تعبيرية نيويوركية، وكان جبران بين أَوائل فنانين شرقيين قدَّموا فنًّا زاوج بين التصوُّف الشرقي والحداثة الغربية”. وترجيحًا أَن هدف المعرض كان تمويل مشاريع جبران الأَدبية، إِذ كان يعتمد على بيع لوحاته، قبل صدور “النبي” (1923) وما أَتاه لاحقًا من مردود مبيعاته في طبعات متتالية.

بانتقال زاهي رستم إِلى جبران الفنان، لاحقه منذ طفولته في بشرِّي، فمدرسة “كوينسي” في بوسطن، فتخصُّصه بالرسم في باريس. ثم بسَطَ مشاريع جبران الفنية، من “معبد الفن” إِلى مجلة “الفنون السبعة” وسواها، وتوقَّفَ ببعض التفصيل المفيد عند وصف “صومعة جبران” (الطابق الرابع، الشقة 40، من المبنى 51 في الشارع العاشر غربًا، حي غرينتْشْ، أَسفل مانهاتن، نيويورك).

“الأَعمى” (من رسوم الكتاب العشرين)

نص نادر: مقال “الفنون”

ونفع زاهي رستم كثيرًا متتبِّعي جبران الرسام، بنشْره مقالًا عن أَحد معارض جبران، صدَر في مجلة “الفنون” (السنة الثانية، العدد العاشر، آذار/مارس 1917).

بعد هذه المقدمات المضيئة التي استغرقَت من الكتاب 36 صفحة زاخرة بالمعلومات الموثَّقة التي تدُلُّ على تحقيق أَكاديمي ممتاز جاء به زاهي رستم، أَدرج في 12 صفحة نصَّ آليس رافاييل النقدي عن الــ”عشرين رسمًا”.

الجزء الآخر من هذا المقال: نص أَليس رافاييل بترجمة زاهي رستم.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت – دُبَي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى