إعادة تحديد العلاقات الأميركية – الخليجية

واشنطن – سمير صفير

تستعد الطبقة السياسية في واشنطن للتوجه الى العطلة الصيفية الأخيرة قبل أن تبدأ الحملة الإنتخابية لإختيار الرئيس ال45 للولايات المتحدة بشكل جدي. إن احتمال معركة أخرى (جيب) بوش – (هيلاري) كلينتون تقدم إلى صناع القرار في الخليج العربي قدراً أكبر من الثقة في الرئاسة المقبلة، إذ أن كلا المرشَّحين يتمتعان بعلاقات أسرية وثيقة مع العائلات الحاكمة في دول مجلس التعاون الخليجي. وهذا يبدو في تناقض ملحوظ مع الرئيس أوباما، الذي دخل البيت الأبيض كرجل غير معروف خليجياً تقريباً في العام 2009 والذي يُنظر إلى رئاسته بخيبة أمل من قبل الكثيرين في المنطقة.
في السنوات الأربع منذ إجتاحت الإضطرابات الكثير من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد وضعت دول الخليج سياسات أكثر إستباقية للقيادة الإقليمية، في جزء منها لمواجهة الشعور بالانجراف الصادر عن البيت الأبيض. الواقع إن الخلفية وراء مشاركة أكبر للدول الخليجية في مجال الشؤون الدولية هي إعادة توجيه تدريجي للسياسة الخارجية الأميركية، بعيداً من منطقة الشرق الأوسط للتوجه إلى آسيا والمحيط الهادئ. في حين أن سياسة “محور لآسيا” التي روّج لها كثيراً ليست دلالة على وشك إنسحاب الولايات المتحدة من الخليج أو المنطقة على نطاق أوسع، فإنها مع ذلك تسلط الضوء على مسار صنع القرار داخل البيت الأبيض في عهد أوباما.
تجري حالياً إعادة توازن إستراتيجي كبير تعكس الطريقة التي برزت فيها منطقة آسيا والمحيط الهادئ كمركز جاذبية جيوسياسي جديد. إن دراسة عن “المحور” من قبل المكتب الوطني للبحوث الآسيوية في أميركا لخصت في العام 2013 كيف “فيما موازين القوى الإقليمية تحوّلت فإن الأولويات العالمية بالنسبة إلى الولايات المتحدة قد تغيرت، إن إستراتيجية واشنطن تجاه المنطقة تطوّرت بالمثل”. وقد شملت هذه الإستراتيجية أبعاداً متعددة، بما فيها إتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وتستمر المفاوضات لتوسيع وتعزيز الشراكة عبر المحيط الهادئ، والمشاركة في قمة شرق آسيا، وتعاون عسكري أوثق مع الفليبين ونشر قوات أميركية إضافية في أوستراليا وسنغافورة.
على الرغم من أن لا علاقة لذلك بالتقويم الإستراتيجي الأوسع، فإن علاقات واشنطن مع شركائها في الخليج مع ذلك واجهت ضغوطاً لم يسبق لها مثيل خلال فترة رئاسة أوباما. بدءاً من سحب دعم الولايات المتحدة للرئيس المصري حسني مبارك في بداية “الربيع العربي” وإستمرار الإنتقادات الأميركية على الإستجابة الخليجية في البحرين، بدأ المسؤولون في دول مجلس التعاون الخليجي بالتساؤل حول دوافع الولايات المتحدة كما لم يحدث من قبل. في أوائل أيار (مايو) 2011، كتب المعلق المؤثر في السياسة الخارجية السعودية نواف عبيد عن تحوّل “جذري” في العلاقة بين أميركا والسعودية وعبّر عن أسفه بأن “واشنطن أظهرت نفسها في الأشهر الأخيرة عن أنها شريك غير موثوق به ضد التهديد الإقليمي من إيران.
للذهاب إلى الأمام، سيكون التحدي للإدارة الأميركية المقبلة (مهما كان لونها) هو الضمان أن العلاقات السياسية والأمنية الطويلة الأمد مع دول الخليج باقية على قيد الحياة رغم النكسات المؤقتة المذكورة أعلاه، فضلاً عن إعادة التوازن إلى القوة الجغرافية الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. من جهتها تحافظ الولايات المتحدة على إحتياطات كبيرة من ‘القوة الناعمة’ مع شركائها في منطقة الخليج. إن العديد من صناع القرار في دول مجلس التعاون الخليجي ينفقون سنوات تكوينهم في الجامعات الأميركية ويحتفظون بمشاعر عميقة للثقافة الأميركية، وإن خططاً مثل برنامج مِنَح الملك عبد الله سوف يجدد هذه العلاقة مع جيل جديد من الطلاب. لا ينبغي التقليل من قيمة هذه العلاقات في السياق الاجتماعي والثقافي حيث أن الشبكات والعلاقات المبنية على الثقة الشخصية لا تزال تلعب دوراً محورياً في بلدان الخليج.
كما يجب أن يعترف المسؤولون الأميركيون أن تغيير تصميم السياسة العالمية يعني أن السلطة والنفوذ المعاصرين متفرقان بين عدد أكبر من المشاركين النشيطين المنتشرين عبر الطيف السياسي والاقتصادي على نطاق أوسع. هذا الأمر يتعلق بشكل خاص بالمهمة الحساسة لإعادة بناء مناطق ما بعد الصراع وضمان حل توافقي لعمليات التحول في منطقة الشرق الأوسط. كما لوحظ، فقد قادت دول الخليج الإستجابة الإقليمية للضغوط الناجمة عن “الربيع العربي”. لذا، فيما أصبحت دول مجلس التعاون أكثر حزماً في الساحة الدولية، فمن المهم تحديد وسد أي ثغرات قد تفتح بين اللاعبين الإقليميين المؤكدين والناشئين. إن سوريا تقدّم مثالاً مفيداً للصعوبات التي يمكن أن تنشأ عندما ينقسم المجتمع الدولي وتنتهج الجهات الفاعلة الخارجية سياسات أحادية الجانب التي تتبع خطوط المنافسة أو حتى المواجهة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى