الإختبارُ الأوّل لاتفاقيات ابراهيم

يُوِيل غوزانسكي وجيرالد فيرستين*

كانت جولة القتال الأخيرة بين إسرائيل وحركة “حماس”، ولا سيما الأحداث التي سبقتها في القدس، أوّلَ اختبارٍ مُهِمٍّ لاتفاقيات التطبيع العربية – الإسرائيلية المُوَقَّعة في العام 2020. مع ذلك، إضطرّت الحكومات العربية الأربع المُطَبِّعة، التي أنقذها تدخّل “حماس”، إلى معالجة عواقب اتفاقياتها في مواجهة استياء شعبي محلّي وكذلك انتقادات الدول العربية والإسلامية الأخرى بشأن صمتها النسبي. إن كيفية استجابتها للتوتر الإسرائيلي – الفلسطيني المتطور في المستقبل ستكون حاسمة ليس فقط في ما يتعلق بعلاقاتها مع إسرائيل ولكن أيضاً من حيث المسار المستقبلي للتطبيع العربي-الإسرائيلي.

في بداية التصعيد الأخير في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، واجهت الحكومات في الإمارات والبحرين والمغرب والسودان استياءً صريحاً من الوضع بين شعوبها التي انتقدت وهاجمت إسرائيل. وألقت هذه الشعوب باللوم على الدولة العبرية وتعاطفت مع الفلسطينيين بشأن ما يحدث في القدس، عاكسةً تصوّرها “لانتهاك حقوق الفلسطينيين وحرمة المسجد الأقصى”. حقيقة أن المواجهات حول الأعمال الإسرائيلية في حي الشيخ جرّاح والحرم الشريف حدثت خلال شهر رمضان، وبخاصة في أقدس أيامه، ليلة القدر، لم تؤدِّ إلّا إلى تعظيم وزيادة غضب العرب والمسلمين. وهكذا، تعرّضت الدول الأربع لضغوطٍ لإظهار التضامن مع الفلسطينيين بعد اتهامها بإدارة ظهورها لهم عندما وافقت أصلاً على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

تحوّلٌ في التركيز

لقد وفّر تدخّل حركة “حماس” للحكومات الأربع فتحةَ هروب. عندما تحوّل الاهتمام من الوضع في القدس إلى المواجهة بين إسرائيل و”حماس”، خفّ الضغط عن الحكومات الأربع وسمح لها بخفض وتقليص صورتها السياسية. أصبحت التصريحات من جانبها أكثر دقة، وبدأ نقدها يستهدف كلاً من إسرائيل و”حماس”. على الرغم من التعاطف الأساسي مع الفلسطينيين والتغطية المُكثّفة التي سلّطت الضوء على الموت والدمار في غزة، فقد تمت تغطية الاعتداءات على المواطنين الإسرائيليين أيضاً. واتهم بعض كتاب الأعمدة في وسائل الإعلام العربية، الذين غالباً ما يعكسون مواقف الأنظمة، “حماس” ببدء جولة القتال وبالتالي الإضرار بأهل غزة. حتى أنهم أعربوا عن تعاطفهم مع المواطنين الإسرائيليين الذين أُجبروا على البقاء في الملاجئ بسبب إطلاق صواريخ “حماس”. كما امتنعوا عن التعليق على العنف بين اليهود والعرب داخل إسرائيل.

كان هناك شعورٌ واسعٌ في العالم العربي، وبالتأكيد بين الدول التي لديها اتفاقيات مع إسرائيل، بأنها لا تريد أن ترى “حماس”، نظراً إلى ارتباطها بإيران وانتمائها إلى جماعة “الإخوان المسلمين”، تخرج من الصراع بدعمٍ شعبي أكبر. في الواقع، كان البعض يأمل، وإن لم يكن علناً، أن تخرج “حماس” أضعف. من وجهة نظرهم، فإن صمتهم الأوّلي على غزة منح إسرائيل وقتاً إضافياً لإضعاف “حماس”، وإن كان عبثاً. لكن مع استمرار الحملة في غزة، أصبح من الصعب عليهم التمسك بهذا الخط السياسي، على الرغم من تناقضهم مع “حماس”. في ضوء حجم الدمار في قطاع غزة، تحولت التغطية الإقليمية مرة أخرى إلى تعبير أكبر عن الدعم للفلسطينيين وانتقاد لإسرائيل. وقد انتهى القتال على الأرجح  بعدما منع التآكل المُحتمل للاتفاقيات وإلحاق الضرر بالعلاقات المُقامة والمُنشَأة حديثاً.

إلى أين تذهب الأشياء من هنا؟

وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس ما زال صامداً، وأصبح محطّ تركيز ردّ الفعل الدولي، على الأقل في المدى القصير، على الحاجة إلى معالجة الديناميكية الإسرائيلية – الفلسطينية مرة أخرى كنقطة احتكاك أساسية في الشرق الأوسط. إن سفر وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين إلى المنطقة، والتزامه الذي أعرب عنه بإعادة العلاقات الأميركية – الفلسطينية على أساس ما قبل إدارة دونالد ترامب، والتصريحات الأميركية التي تُشير إلى حقوقٍ إسرائيلية وفلسطينية متساوية في العيش بسلام وأمن، فتحت الباب أمام الفجوة بين سياسة الولايات المتحدة والمُطبّعين. وبالتالي، فإن الضغط سيتصاعد مرة أخرى بلا شك على الأنظمة العربية الأربعة المُطبّعة لاستخدام علاقاتها الديبلوماسية، وفي حالة الإمارات العربية المتحدة، علاقاتها المالية مع الإسرائيليين للضغط من أجل تحقيق تحوّلٍ جذري في معاملة إسرائيل للفلسطينيين في كلٍّ من إسرائيل والأراضي الفلسطينية. إن مواطني هذه الدول، الذين كانوا هادئين إلى حدّ كبير في وقت اتفاقيات التطبيع نشيطون الآن أيضاً ويتوقّعون رؤية حكوماتهم تتخذ موقفاً أكثر عدوانية بشأن القضية الفلسطينية، على الرغم من أن المدة التي ستستغرقها هذه الطاقة تبقى غير مرئية.

كما يثير الصراع الأخير الشكوك حول الآفاق المستقبلية لمزيد من اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية – العربية في غيابِ تقدّمٍ ملموس في معالجة القضية الفلسطينية. على الرغم من أنها أعربت عن دعمها لعملية التطبيع، إلا أنه من غير المرجح بالفعل أن تُقدّم إدارة بايدن نوعاً من الحوافز للتطبيع التي استخدمتها إدارة ترامب لإقناع الدول الأربع الأصلية بالتوقيع. وبالتالي، مع كون العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية مرة أخرى قضية خلافية في الساحة العالمية، هناك حافز ضئيل لدول عربية إضافية للقيام بهذه الخطوة في الوقت الحالي. وهذا يترك المبادرة في أيدي الإسرائيليين. إذا كانت اتفاقيات إبراهيم مهمة بالنسبة إليهم، فسوف يحتاجون إلى إيجاد طرق جديدة للتعامل مع الفلسطينيين والإثبات بأن الصراع المستمر منذ عقود هو في طريقه إلى الحل.

  • الدكتور يويل غوزانسكي هو زميل أبحاث أول في معهد دراسات الأمن القومي، متخصص في سياسات الخليج وأمنه. السفير (المتقاعد) جيرالد فيرستين هو نائب أول لرئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن. الآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤهما الخاصة وتُمثّلهما.
  • كُتِب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى