لماذا لن تتشكّل حكومة في لبنان في وقت قريب

بقلم مايكل يونغ*

منذ تشرين الأول (أكتوبر)، غرق لبنان في عملية تشكيل حكومة لا تسير إلى أيِّ مكان. في حين أن البلاد تُعاني وتُقاسي إقتصادياً وصحّياً، لا يزال الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المُكَلَّف سعد الحريري مُنقَسِمَين ومُختَلِفين حول مَن هو السلطة النهائية في تسمية الوزراء، الأمر الذي خلق أزمة دستورية.

قبل أسابيع عدة، قدّم الحريري مُسودّة اقتراح بأسماء أعضاء الحكومة التي يُريدها إلى عون للموافقة عليها. رفض الرئيس القائمة التي عُرِضَت عليه. وقالت رئاسة الجمهورية إن رئيس الوزراء المُكَلَّف فشل في احترام “معايير التمثيل العادل وفق أحكام الدستور”.

من الغريب أن نسمع عون يتحدث عن “التمثيل العادل” حيث قضى هو وصهره جبران باسيل سنوات في المحاولة والعمل للقضاء على جميع ممثلي منافسيهما المسيحيين في الحكومات المتعاقبة. في الواقع، إن رغبتهما في القيام بذلك مرة أخرى هي لبّ المشكلة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكَلَّف.

يُريد عون تعيين جميع الوزراء المسيحيين، واتَّهَمَ الحريري بحرمانه مما تنازل عنه للثنائي الشيعي، “حزب الله” و”حركة أمل”. لقد سمح رئيس الوزراء المُكَلَّف بالفعل للطرفين بتسمية جميع الوزراء الشيعة، لكنه أصرّ على أن كتلته البرلمانية هي كتلة عابرة للطوائف، لذا يحق له تسمية عددٍ مُعَيَّن من المسيحيين.

بغض النظر عن موقف الحريري، هناك قضايا أخرى أُثيرت في عملية تشكيل الحكومة انعكست بشكلٍ سيّىء على رئيس الجمهورية. الأولى هي أن مقاربته كانت مدفوعة بالرغبة في رؤية باسيل يخلفه كرئيس للجمهورية. والثانية هو أنه من خلال عرقلة الحكومة، فإنه ينجرف إلى منطقة دستورية مشكوك فيها.

يبدو أن رغبة عون في تسمية جميع الوزراء المسيحيين – مثل مطالبته بتعيين وزراء للحقائب الوزارية الرئيسة مثل الداخلية والعدل والدفاع – هدفها السيطرة المُحكَمة على الحكومة عندما تنتهي ولاية عون في العام 2022. وكان باسيل طالب في البداية بما يسمى الثلث المعطل في الحكومة. وبهذه الطريقة يُمكنه إسقاطها قبل مغادرة عون إذا استقال جميع وزرائه، واستخدام الفراغ لابتزاز السياسيين الآخرين للتصويت له كرئيس للجمهورية.

ليس من الواضح ما إذا كان عون وباسيل قد تخلّيا عن هذا الشرط. وذكر بيان صدر في الأسبوع الفائت عن القصر الرئاسي أن الرئيس لم يطالب بثلث معطل. ومع ذلك، فمن غير الواضح تماماً ما إذا كان باسيل يوافق على هذا البيان. مهما كانت الحقيقة، من خلال المطالبة بالوزارات المعنية بقضايا الأمن الداخلي والعدالة، يسعى عون وباسيل إلى فتح ملفاتِ فساد ضد خصومهم السياسيين والاستفادة من ذلك في دعم رئاسة باسيل.

المشكلة الثانية هي أن عون يبدو أنه تجاوز دوره الدستوري في عملية تشكيل الحكومة. الدستورُ غامض، ولا يذكر إلّا أنه بمجرد ترشيح رئيس وزراء من قبل البرلمان وتكليفه من قبل رئيس الجمهورية، “يجب أن يجري مشاورات برلمانية مُتعلّقة بتشكيل الحكومة”. ومع ذلك، يجب عليه توقيع مرسوم تشكيل مجلس الوزراء بالإشتراك مع رئيس الجمهورية.

وقد فسّر عون دوره في التوقيع على أنه حق النقض على أي حكومة لا يوافق عليها. ومع ذلك، فإن مثل هذه السلطة تعني فعلياً أن رئيس الجمهورة يُشكّل الحكومة. كان الدستور المُعدَّل لعام 1990 ملحوظاً في تقليص السلطة الرئاسية لصالح مجلس الوزراء، لذلك سيكون من الغريب أن يسمح لرئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة، وإن كان ذلك بشكلٍ غير مباشر.

إن نهجَ عون، إذا تم تطبيعه، يعني ضمناً تآكل صلاحيات رئيس الوزراء السنّي. وقد ولّد هذا إجماعاً سنّياً حول الحريري. من الواضح أنه إذا لم يُشكّل الحريري حكومة، فلن يكون هناك سنّي على استعداد للقيام بذلك بدلاً منه. وهذا ما يجعل موقف عون مُتَهوِّراً للغاية، في وقت يواجه فيه لبنان خراباً اقتصادياً بالإضافة إلى أزمة كوفيد-19 الخطيرة. وبعيداً من مصالح باسيل، يبدو أنه غير مُبالٍ برفاهية ومصير شعبه.

ما هو السبيل للخروج من هذا المأزق؟ في الوقت الحالي، يبدو أنه لا يوجد حلّ، ولا يبدو أن “حزب الله”، الوسيط القوي الرئيس في البلاد، يُريد تنفير عون من خلال دفعه لتقديم تنازلات. ومع ذلك  فمن غير المؤكد إلى متى يُمكن للحزب السماح للوضع بالتدهور، حيث أن القاعدة الشيعية ل”حزب الله” تُعاني مثل أي شخص آخر في لبنان.

إذا وصل المأزق إلى النقطة التي تتعرّض فيها مصالح “حزب الله” المحلّية والإقليمية للتهديد، فقد يحاول الحزب فرض حلٍّ وسط. ومع ذلك، فقد تغيّر السياق. في البداية، عندما وافق الحريري على رئاسة الحكومة، قال إنه سيُشكّل “حكومة مُهمة” لتنفيذ الإصلاحات التي طلبتها فرنسا والمجتمع الدولي، لفتح التمويل الأجنبي للبنان. اليوم، تخلّى الفرنسيون تقريباً عن الطبقة السياسية اللبنانية.

عندما حدثت الأزمة الاقتصادية في لبنان قبل عام، أدرك الكثير من اللبنانيين أن السياسيين الفاسدين في السلطة سيُعرقلون أي إصلاحٍ حقيقي في البلاد لحماية مصالحهم. لكنهم لم يتخيّلوا، مع ذلك، أن الوضع سيكون أسوأ من ذلك. بعد خمسة أشهر من الإنفجار المُرَوِّع في مرفأ بيروت، لا يزال السياسيون الدنيئون لا يُبالون يعبثون بمصير الناس بينما لبنان يحترق.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى