يجب على بايدن دعم خطة ماكرون للبنان

بقلم مايكل يونغ*

في 22 كانون الأول (ديسمبر) الفائت، يُسافر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان للمرة الثالثة خلال خمسة أشهر. في حين أن خطته تهدف إلى زيارة قوات حفظ السلام الفرنسية التابعة للأمم المتحدة، فإنه سيكون حريصاً أيضاً على معرفة موقف السياسيين اللبنانيين بالنسبة إلى تشكيل حكومة جديدة. مثل هذه الحكومة ضرورية وملحّة لإجراء إصلاحاتٍ إقتصادية، والتي وعد على أساسها الرئيس الفرنسي في أيلول (سبتمبر) الماضي بحشد مساعدات مالية دولية للبنان.

تعرّض ماكرون لانتقادات لإهداره مصداقيته من خلال دفع السياسيين اللبنانيين الفاسدين إلى سنّ وإجراء إصلاحات. كان هناك مَن قال إن الرئيس الفرنسي محكومٌ عليه بالفشل في المراهنة على هؤلاء المسؤولين، بينما أدان آخرون حواره مع “حزب الله”. لقد اتّخذ الرئيس الفرنسي وجهة نظر أكثر تفاؤلاً، قائلاً: بما أن الحزب عنصرٌ أساسي في الحياة السياسية اللبنانية، فإن محاولة الإلتفاف عليه لن يكون لها معنى.

لكن منذ بعض الوقت، أعاد الفرنسيون مقاربتهم للوضع في لبنان بالقول إن الأمر متروك للمسؤولين اللبنانيين لإنقاذ بلدهم. وبهذه الطريقة، قلّلوا من شأن مبادرة ماكرون المُتوقِّفة لتشجيع لبنان على تشكيل حكومة من المتخصصين غير السياسيين وتنفيذ خطة إصلاح من شأنها أن تُطلقَ العَون والمساعدة من صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى.

لكن ماكرون لا يزال حريصاً على مساعدة لبنان بمجرد أن يتمكّن السياسيون من تجاوز انقساماتهم العميقة وتشكيل حكومة. والسبب هو أنه إذا لم يتم فعل أي شيء في القريب العاجل، فإن لبنان يُخاطر بالوصول إلى مرحلة الإنهيار الكامل، من دون احتياطات كافية من العملات الأجنبية لتمويل استيراد الضروريات الحيوية مثل الغذاء والدواء والوقود. في غضون أسابيع، من المتوقع أن تزيل الحكومة الدعم عن مجموعة واسعة من المُنتجات، الأمر الذي سيُسرّع وتيرة التضخّم المُفرِط.

في هذا السياق، من المُحتمل حدوث اضطراباتٍ إجتماعية. لا تزال فرنسا ترغب في توفير شبكة أمان إذا حدث ذلك، لأن عدم الإستقرار في لبنان قد يكون له تأثير سلبي على أوروبا. بشكل أكثر واقعية، ربما يفترض الفرنسيون أنه بمجرد انهيار كل شيء، فإن حرية السياسيين اللبنانيين لمقاومة الإصلاح سوف تتضاءل، وبالتالي فإن التدخل الفرنسي سيكون ضرورياً لمساعدة البلاد على الخروج من الفوضى.

من جهتها، إتخذت إدارة دونالد ترامب موقفاً أكثر تشدّداً تجاه لبنان ومبادرة ماكرون. في أيلول (سبتمبر) الفائت، لم يخفِ مسؤولٌ أميركي قام بزيارة خاصة إلى بيروت عدم ثقته باتصالات فرنسا مع “حزب الله”. وبينما صرّح المسؤول بأن واشنطن لا تُريد تقويض الخطة الفرنسية، فقد أشار إلى أن الإدارة ستفرض قريباً عقوبات على أشخاصٍ غير مُرتبطين ب”حزب الله”، وهو ما يُمثّل تصعيداً للعقوبات السابقة.

وهذا بالضبط ما حدث بعد أسبوع عندما عاقبت واشنطن علي حسن خليل ويوسف فنيانوس – وزير المالية اللبناني السابق ووزير الأشغال العامة السابق. خليل هو معاون وثيق لرئيس مجلس النواب نبيه بري، بينما فنيانوس هو حليف للسياسي المسيحي الموالي لسوريا سليمان فرنجية. كان من المُفترَض أن لا تهدف العقوبات إلى عرقلة المبادرة الفرنسية، لكن هذا بالضبط ما فعلته.

توقّفت المفاوضات بشأن الحكومة، حيث على ما يبدو خلص بري، الهدف غير المباشر للعقوبات، إلى أنه ليس لديه ما يكسبه من خلال التحلّي بالمرونة بشأن الحكومة التي يتم تشكيلها، ولا شيء يخسره من خلال اللعب الصارم. كان توقيت التحرّك الأميركي موضع تساؤل. وبينما ساعدت عوامل أخرى على عرقلة العملية السياسية لتأليف الحكومة، كانت العقوبات الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

حدث الشيء نفسه عندما بدأ سعد الحريري تشكيل حكومته في تشرين الأول (أكتوبر). كانت هناك عقبات مُتأصّلة في عملية تشكيل الحكومة، ليس أقلها انعدام الثقة بين الرئيس المُكَلَّف وجبران باسيل، رئيس “التيار الوطني الحر” وصهر الرئيس ميشال عون. ومع ذلك، عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على باسيل في تشرين الثاني (نوفمبر)، تعثّر تشكيل الحكومة مرة أخرى، حيث شعر باسيل بالتهديد ولم يرَ أي سبب لتسهيل الأمور.

إستخدمت واشنطن دائماً العقوبات كما لو كانت رصاصة فضّية يُمكن أن تحلّ المشاكل المُستعصية. لكن الحقيقة أنها نادراً ما تفعل ذلك. في حالة لبنان، كان لها تأثيرٌ في عرقلة الإقتراح الجدّي الوحيد المُتاح للمساعدة على تحفيز الإنتعاش الإقتصادي للبلاد.

قد يُرضي الخط المُتشدد للإدارة الأميركية بعض الناس – وقليلون زعلوا أو تأسّفوا على استهداف باسيل. ولكن عندما تكون البلاد بحاجة ماسة إلى حكومة، فإن العقوبات لم تفعل أي شيء سوى زيادة الطين بلّة.

الواقع أن السياسيين اللبنانيين يُشكّلون “كارتلأ” فاسداً، لذلك من السهل الإستمتاع بأنهم في ضائقة أو محنة. لكن التأخير في تشكيل الحكومة، التي يُمكن أن تُمارَس عليها ضغوطٌ دولية لإدخال إجراءات إصلاحية، يتسبّب بشكل أساس في معاناة سكان لبنان، حيث تفيد التقديرات أن حوالي 50 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر. بينما يُمكن للولايات المتحدة أن تشعر بالرضا من رفض التحدّث إلى “حزب الله” وتعثّر خطة ماكرون، فإنها لا تُقدّم شيئاً ملموساً لمساعدة لبنان.

لذلك من الضروري أن يضع المجتمع الدولي وإدارة جو بايدن الجديدة ثقلهما الكامل وراء المبادرة الفرنسية ويستخدماها لكسر مقاومة الإصلاح من قبل السياسيين اللبنانيين الذين يستحقون اللوم والتوبيخ. نعم، قد يعني ذلك الإنخراط بشكل غير مباشر مع “حزب الله”، ولكن لا يُمكن أن يحدث تغييرٌ واقعي إذا تم استبعاد الحزب. إن لبنان يقترب من نقطة اللاعودة، وقد تكون النتيجة إنفجاراً إجتماعياً وحتى مجاعة. إن تجنّب هذا الأمر يجب أن يكون أولوّية ملحّة.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كَتَبَ الكاتب هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى