ما هو دور ووظائف المصرف المركزي؟ 

يدور في لبنان نقاشٌ حاد حول دور ووظيفة مصرف لبنان المركزي وحاكمه رياض سلامة في تأزيم الوضع الإقتصادي والمالي وانهيار سعر صرف الليرة اللبنانية في البلاد، فإلى أي حد يصح هذا الكلام.
التقرير التالي يسلط الضوء على دور المصرف المركزي ووظائفه: 

بنك إنكلترا المركزي: كان أول مصرف إصدار في العالم

 

بقلم الدكتور هيكل الراعي*

نشأت المصارفُ المركزيّة في مرحلةٍ مُتأخّرة عن نشأة المصارف التجارية. وإذا كان مصرف السويد الذي تأسّس في العام 1656 يُعتبَر أول المصارف المركزية وجوداً، فإن مصرف إنكلترا الذي تأسس في العام 1694 كان أول مصرف إصدار يقوم بدور المصرف المركزي، ولكنه لم يمارس سلطاته كاملةً إلّا في العام 1844. وفي فرنسا أُنشىء المصرف المركزي في العام 1800، وفي هولندا في العام 1814، وفي النمسا في العام 1817، وفي اليابان في العام 1882، وفي الولايات المتحدة في العام 1918. وبين العامين 1930 و1940 بادرت غالبية دول العالم الى إنشاء مصارف مركزية. ومن النادر أن تخلو دولة ذات أهمية من وجود مصرف مركزي.

ما هو المصرف المركزي؟

المصرف المركزي هو المؤسسة التي تشغل مكاناً رئيساً في سوق النقد والذي يقف على قمة النظام المصرفي. وعلى عكس المصارف التجارية، من المُسلَّم به أن الهدف الرئيس للمصارف المركزية، حتى في البلدان الرأسمالية، ليس تحقيق أقصى الأرباح المُمكنة، بل خدمة الصالح الإقتصادي العام.

ويُبيّن تاريخ المصارف المركزية أن الغاية من تأسيسها كانت تختلف باختلاف البلدان وظروفها والأنظمة السياسية السائدة فيها. وقد نمَت وتطورت وظائف المصرف المركزي وفقاً لظروف وعوامل اقتصادية وسياسية. غير أن المصارف المركزية العريقة نشأت في بادئ الأمر كمصارف تجارية بحتة ثم أضافت إلى وظائفها الأولى أو الأساسية تلك التي أصبحت معروفة للمصارف المركزية. فمصرف إنكلترا المركزي نشأ أساساً كمصرف تجاري عادي، ولكن الحكومة مَيّزته منذ البداية حيث أودعت لديه حساباتها، وفوق هذا منحته امتياز إصدار أوراق البنكنوت (النقود المتداولة بين الجمهور)، ومع مرور الزمن إكتسب هذا المصرف إحترام وثقة المصارف الأخرى التي أودعت لديه أرصدة نقدية لاستخدامها في تسوية حساباتها.

واللافت في هذا المجال أن المصارف المركزية تأسست في القرن التاسع عشر وما قبله كشركات خاصة. وبما أن هذه الشركات كانت معنية بإصدار النقد، فقد دبّت الفوضى، مما دفع الحكومات إلى اتباع طُرُقٍ لضبط إصدار النقود ومن بينها تأميم هذه الشركات. ونظراً إلى تناقض هذا الإجراء، الذي رفضه كثيرون، مع مبادئ الليبرالية الإقتصادية، بقيت عملية إصدار النقود تتأرجح بين شركات خاصة وأخرى مملوكة كلياً أو جزئياً للدولة حتى الثلاثينات من القرن العشرين، حيث بدأت الدول تُؤمّم مصارفها المركزية تباعاً نظراً إلى رغبتها في الاضطلاع بدورٍ أكبر في مواجهة الإنهيارات النقدية التي شهدها العالم في تلك الحقبة من تاريخه. ومما ساعد الحكومات على سلوك هذا النهج، سيطرة واتساع الأفكار الداعية إلى تدخل الدولة في العملية الإقتصادية.

وبعد الحرب العالمية الثانية، أصبح تأميم المصارف المركزية ظاهرة أكثر شيوعاً في العالم، وقد شمل التأميم وقتذاك مؤسسات إصدار مهمة مثل المصارف المركزية في بريطانيا وفرنسا وهولندا. (تأسس المصرف المركزي في لبنان في العام 1964 وقبل ذلك كان بنك سوريا ولبنان وهو مصرف تجاري يتولى إصدار النقود).

وظائف المصرف المركزي

في البداية قامت وظائف المصارف المركزية على إصدار النقد وتأمين الإحتياجات المالية للدولة والسيولة للمصارف. ثم تطوّرت هذه الوظائف لتشمل أيضاً مُراقبة الإئتمان (التسليف) وتوجيهه، بمعنى مراقبة الكتلة النقدية والتأثير في حجمها تحقيقاً لأهداف إقتصادية مُهمّة منها مُحاربة التضخّم وتأمين إستقرار الأسعار.

ويُمكن حصر وظائف المصارف المركزية بالأمور الأساسية التالية:

1- المصرف المركزي هو مصرف الإصدار للبنكنوت: بما أنه يتعيّن على الدولة أن تُمارِس رقابةً صارمة على إصدار أوراق البنكنوت، فقد بدأ يرتبط حق هذا الإصدار تدريجاً بالمصارف المركزية وذلك في معظم الدول. ويحتكر المصرف المركزي الآن حق إصدار أوراق البنكنوت مما يعطي وحدةً لنظام الإصدار.
2- يُدعى المصرف المركزي في غالب الأحيان: “مصرف المصــــارف” لأن المصارف تُجري بواسطته المقاصّة (تبادل الشيكات…) في ما بينها. وتلجأ إليه لمدّها بالسيولة عند الضرورة. كما أن المصارف تُودِع لديه فائض أموالها. وتَمنح عند الضرورة قروضاً مؤمّنة بضمانات من المصرف المركزي. كان احتفاظ المصارف التجارية باحتياطاتها النقدية لدى المصرف المركزي إختيارياً في البداية ثم أصبح في ما بعد إلتزاماً قانونياً في معظم البلاد. أما بالنسبة إلى الإقراض، فالمصرف هو الملجأ الأخير للمصارف التجارية. فعندما تستنفد هذه الأخيرة مواردها الذاتية وتفشل في تكملة أموالها من الموارد الخارجية العادية، فإنها تعتمد على المصرف المركزي ليقرضها. هذا ما يمكّن المصارف التجارية من أن تؤدي عملها اليومي على أساس إحتياط نقدي أصغر، طالما أنها تستطيع دائماً الإعتماد على المصرف المركزي في أوقات الأزمات . وإذا كان من واجب المصرف المركزي أن يكون مُستعداً للمساعدة في أوقات الضيق، فإنه يجب أن يكون أقل تساهلاً في الأوقات العادية للحفاظ على قوته للطوارئ. هذا وتجدر الإشارة إلى أنه بمجرد المعرفة بأن المصارف التجارية قادرة على أن تحصل على المساعدة من المصرف المركزي في أوقات الطوارئ فذلك يكون كافياً للإبقاء على ثقة الجمهور فيها.
3- يلعب المصرف المركزي دور المصرفي بالنسبة إلى الدولة وينشط لصالحها عبر جمع وإعداد وتحليل الإحصاءات والمعلومات المُتعلقة بالأسواق المالية وبالإقتصاد، بالإضافة إلى تحصيل ما يستحق للدولة من قبل الغير وسداد ما هو مستحق عليها للغير، وكذلك توفير القروض لأجهزة الدولة وهيئاتها.
4-  يقوم المصرف المركزي بوظيفة ضبط ومراقبة عرض النقد وهي من أهم وظائف المصارف المركزية على الإطلاق. حيث يُزاول المصرف المركزي الأعمال المُتّصلة بالنقد والإئتمان ( التسليفات ) مُتوخياً تحقيق مصلحة الإقتصاد الوطني، ومُتلافياً حدوث أي اضطرابات إقتصادية أو مالية عامّة أو محلية من طريق اتخاذ كافة التدابير لمكافحتها ومُعالجة نتائجها والتخفيف من آثارها في حالة حدوثها . ففي ما يتعلق بالإئتمان يعمل المصرف المركزي على التأثير في توجيهه من حيث كميته ونوعه وسعره بما يكفل الحاجات الحقيقية لنواحي النشاط التجاري والصناعي والزراعي. ومراقبة الإئتمان تعني تنظيم ومراقبة تسليفات المصارف. ففي الأوقات التي تحتاج فيها التجارة والصناعة إلى تمويل يتعيّن على المصرف المركزي أن يتقدم لإنعاش تسليفات المصارف. وفي أوقات أخرى، يكون إقراض المصارف زائداً عن الحدود المرغوبة أو يتدفق إلى قنوات غير مرغوبة. هنا يكون من واجب المصرف المركزي أن يكبح هذه الميول غير المرغوبة من طريق تنظيم ومراقبة خلق الإئتمان بواسطة المصارف.

*د. هيكل الراعي: مدخل إلى علم الاقتصاد، معهد العلوم الاجتماعية، الجامعة اللبنانية 2014 (محاضرات غير منشورة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى