المتظاهرون في العراق ولبنان يَتَحَدُّون نفوذ إيران

بقلم كابي طبراني

على مدى الأسبوعين الفائتين إندلعت ثورتان غير مسبوقتين كان لهما وقع الزلزال في المشرق العربي. فقد احتشد عشرات الآلاف من المواطنين اللبنانيين والعراقيين، من جميع الطوائف والملل، في كلٍّ من البلدين، مُطالبين بظروف معيشية أفضل، وسقوط النخبة الحاكمة الفاسدة والطائفية، ووضع حدٍّ للتدخل الأجنبي في شؤون بلديهما المحلية.

في العراق، كان المتظاهرون في البداية يتجمّعون خلال الشهر الفائت بهدف الدعوة إلى إصلاح العيوب الراسخة في الطبقة الحاكمة، ومع ذلك فقد قوبلت مطالبهم المشروعة بالرصاص والغاز المُسيِّل للدموع من جانب السلطات والميليشيات التي تدعمها إيران. ومع ذلك، لم يمنع هذا الرد العنيف الناس من التظاهر والإحتجاج، وفي الجمعة الفائت (1/10/2019)، شهد العراق أكبر احتجاجات له منذ سقوط صدام حسين، حيث تجمع الآلاف في وسط بغداد. وكان قُتل ما لا يقل عن 250 شخصاً في الأشهر القليلة الماضية.

في لبنان، لم تتبدّد حركة الإحتجاجات التي شهدت تدفقَ أكثر من مليون شخص إلى الشارع، حتى بعد تنحي رئيس الوزراء سعد الحريري وحكومته وخطاب الرئيس ميشال عون في الأسبوع الماضي.

في مواجهة الجمود، قبل الرئيس العراقي برهم صالح استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي شرط ألّا يخلق “فراغاً دستورياً”. ولكن مثلما لم تؤدِّ إستقالة الحريري إلى حل مشاكل لبنان، فإن تنحّي عبد المهدي لن يضع حداً لأزمات العراق. هناك حاجة إلى إصلاح شامل للأنظمة السياسية القائمة على الطائفية في العراق ولبنان لإضعاف قبضة إيران على الدولتين، مما ساهم في صعود التعصّب والإنقسامات الداخلية العميقة التي أدّت إلى الجمود الحالي. لكن طهران لن تتخلى عن إندفاعها إلى الهيمنة والتسلّط بهذه السهولة.

في 30 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، سافر رئيس فيلق الحرس الثوري الإسلامي، قاسم سليماني، إلى بغداد في محاولة لوقف استقالة عبد المهدي. ولم تكن هذه هي زيارته الأولى للعراق منذ بدء الإنتفاضة في الأول من تشرين الأول (أكتوبر). ففي اليوم التالي لاندلاع ثورات الإحتجاج، ترأس سليماني اجتماعاً لكبار المسؤولين الأمنيين العراقيين في بغداد، كاسفاً ومُتجاوزاً سلطة رئيس الوزراء. وفي اليوم التالي لزيارته، قُتل أكثر من 100 شخص على أيدي قنّاصة مجهولين وأعضاء الميليشيات التي تدعمها إيران. إن قضية الميليشيات التي أثارت متاعب العراق لسنوات، هي اليوم تحت لواء قوات الحشد الشعبي. وعلى الرغم من أنه كان من المُفترَض أن يتم دمجها في الجيش العراقي بعد مساعدتها ومشاركتها في هزيمة “داعش” وتكون بالتالي مسؤولة أمام رئيس الوزراء وتابعة لمكتبه، فإن الفصائل الأربعين التي تتكوّن منها قوات الحشد الشعبي لها ولاءات سياسية مُتباينة، وغالباً ما تعمل من دون مُحاسَبة أو مسؤولية أو مرجعية رسمية وطنية. في أيلول (سبتمبر) الفائت، أعلنت قوات الحشد أنها ستُطلِق سلاحها الجوي الخاص المُنفصل عن قوات الدفاع الجوي العراقية. إن طهران، كما يرى معظم المراقبين، حريصة على الإستمرار في ممارسة نفوذها عبر مثل هذه الميليشيات – بغض النظر عن التكلفة التي يتكبّدها العراقيون والإنتقاص من سيادة بلادهم.

على الرغم من أن وجود سليماني في بغداد يُشير إلى أن تدخل إيران أصبح وقحاً أكثر من أي وقت مضى، فإن حقيقة أن قائد الحرس الثوري الإيراني شعر بالحاجة إلى زيارة العراق مرات عدة منذ بدء الإحتجاجات تُبيّن أن طهران لم تعد قوية في بلاد الرافدين كما كانت عليه من قبل. إنها تسعى جاهدة إلى إبقاء قبضتها على البلاد فيما تنحسر وتنخفض شعبية وكلاءها في جميع أنحاء المنطقة. لا يوجد دليل أفضل على هذا التراجع من حقيقة أن زعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله، الذي نادراً ما يُدلي بتصريحات عدة علنية في شهر واحد، قد ظهر في ثلاث خطابات متلفزة في أسبوعين منذ بدء الإحتجاجات في لبنان. إن قادة إيران ووكلاءهم قلقون لأن قوّتهم تواجه تحدّياً خطيراً.

في كلٍّ من العراق ولبنان، إستيقظ المواطنون على حقيقة أن الطائفية تُقسّم دولتيهما وشعبيهما، مما يعطي القوى الأجنبية مثل إيران فرصة للتدخل في شؤونهم الداخلية. لقد سعت إيران إلى تصوير نفسها كمدافع عن الشيعة، واستغلت الإنقسامات الطائفية لتمويل وكلاء مُسلّحين يقومون بترويع المدنيين العاديين. لكن الإحتجاجات التي وقعت في العراق إندلعت أولاً في جنوب البلاد ذي الغالبية الشيعية، في إشارة إلى أن الناس في المجتمع قد سئموا من تلاعب النظام الإيراني بهم – وهو نظامٌ يدّعي حمايتهم لكنه لم يحجم عن سفك الدماء العراقية في كربلاء وبغداد والبصرة.

لكن المُحتجّين باتوا يرفضون التعرّض للترهيب ولم يعودوا يأبهون به. على الرغم من ارتفاع عدد القتلى، فإنهم يخرجون إلى شوارع العراق بأعداد أكبر ويهاجمون الميليشيات العميلة لإيران مباشرة. في الأسبوع الفائت، تظاهروا أمام مقر عصائب أهل الحق، وهي ميليشيا تابعة لقوات الحشد الشعبي، في الناصرية واستُقبلوا بوابل من الرصاص. في مدينة الديوانية الجنوبية، قُتل 12 متظاهراً عندما تم إحراق مقر منظمة بدر، وهي ميليشيا أخرى تابعة لقوات الحشد. ويوم الأحد المنصرم (3/10/2019) هاجم متظاهرون مقر القنصلية الإيرانية في كربلاء حيث قاموا بالصعود على جدران القنصلية ورفعوا العلم العراقي.

إن حقيقة أن المتظاهرين مستعدون لبذل حياتهم للقتال ضد الميليشيات تدل على مدى رفضهم لهذه القوات. لقد سرق هؤلاء الوكلاء فعلياً حقهم في تقرير المصير ومنعوا دولة ذات ثروة نفطية وتاريخية ومواقع دينية ذات أهمية للسنّة والشيعة على السواء، من الإزدهار وتوفير حياة كريمة للمواطنين.

إن العراقيين، كما اللبنانيين، يريدون أمّةً ذات سيادة، ودولةً تُعطي الأولوية لحقوقهم واحتياجاتهم ومصالحهم أكثر من مصالح واحتياجات أي دولة أخرى. بعد عقود من المصاعب، حان الوقت لقادة العراق ولبنان للإستجابة لهذه المطالب ووقف التمسّك بالسلطة (في حالة لبنان) وإيقاف عمليات القمع وإراقة الدماء (في حالة العراق).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى