لماذا يجب إرجاء باريس 4؟

بقلم البروفسور غسان الشلوق*

من السذاجة الإعتقاد أن مؤتمر “باريس 4 ” او ما سُمّي “مؤتمر الأرز” المُفترَض إنعقاده في أوائل نيسان (إبريل) المقبل لدعم لبنان سيأتي بالتأكيد وفق ما ينتظره المسؤولون اللبنانيون أو، على الاقل، بالقسم الأكبر مما ينتظرونه. وهذه القناعة لا تنطلق طبعاً من إعتبارات عاطفية او فئوية ضيِّقة بل على العكس فإن الإلتزام المُطلق بالمصلحة الوطنية ربما يفترض موقفاً مختلفاً تماماً يبدأ بطلب إرجاء المؤتمر الى الصيف او الى بداية الخريف المقبلين.
أما لماذا فالاسباب عديدة اهمها:
إن لبنان دخل (مبدئياً) مرحلة إنتخابية عامة قريبة يُتَوَقَّع بأن تأتي بحكومة جديدة قادرة على صياغة برنامج إقتصادي جديد، ومثل هذه الحكومة تكون مؤهّلة، نظرياً دائماً، على التعامل مع الخارج بقوة إقناع افضل. وفي مطلق الاحوال لا يستحسن مقاربة الآخرين بإلتزامات واسعة عشية الإنتخابات وهو ما تقتضيه أخلاقيات الممارسة في الداخل ومع الخارج.
إن لبنان غير جاهز للجلوس على طاولة المؤتمر حتى الآن، ولا يكفي ان نقوم بيوممة دراسات وأوراق عمل سابقة لنقول أننا مُستعدّون فعلاً علماً ان الحكومة وقّعت إتفاقية مليئة بالإشكاليات مع مؤسسة أجنبية لإعداد برنامج عمل للسنوات المقبلة، وذُكر أن هذا البرنامج لن يُنجَز قبل ستة أشهر.
إن من غير مصلحة لبنان طبعاً الظهور بهذا الكم الكبير من الإنقسامات والتناقضات الواضحة اليوم أمام المانحين علماً أن صورة بشعة للغاية رآها بأم العين رئيس أكبر إقتصاد أوروبي مشارك في مؤتمر باريس بالأمس في بيروت (الرئيس الإلماني)، فكيف وبأي منطق نذهب الى هؤلاء المانحين لنطلب منهم غداً مساعدات؟
إن المملكة العربية السعودية ودولاً خليجية أخرى تتردد كما بات معلوماً في الذهاب الى باريس، وإذا نجحت المساعي الفرنسية في إقناع المتحفّظين في تعديل مواقفهم فالأرجح أن لا يُقدِّموا إلتزامات قابلة للتنفيذ إلّا بشروط صعبة للغاية، وينطوي هذا الأمر طبعاً على مضامين سياسية إضافة الى المضامين المالية الكبيرة.
إن الحكومة اللبنانية لم تتخذ حتى الآن، وعلى رغم الوعود المكررة، أي خطوات جدية في إتجاه إصلاحات مطلوبة بإلحاح من المجتمع الدولي والجهات المانحة تحديداً بل على العكس فإن مؤشرات أساسية تتجه في خط معاكس لما يردده مانحون منها على سبيل المثال إستمرار الهدر الكبير في المالية العامة والتوظيف غير المُنتج في القطاع العام وبلوغ الدين العام مستويات قياسية جدية في المطلق كما في خدمته وفي معدلاته الى الناتج القومي، كل ذلك وسط توسع البطالة وتراجع الصادرات وإنخفاض التحويلات من الخارج… ولا نظن ان الحكومة اللبنانية قادرة على إقناع المفاوضين الاجانب بخطوات جدية بشكل سهل.
في المقابل فإن لبنان يستطيع التركيز على ثلاث نقاط أساسية وتعظيم مفاعيل هذه النقاط لمصلحته وهي:
• الإلتزام الفرنسي الأكيد بالعمل للتحضير للمؤتمر ولإنجاحه وبالتالي لتوفير الدعم المطلوب للبنان. ولهذا الإلتزام أسباب مختلفة عدة وهو يعبر عن ذاته بخطوات ملموسة في إتجاه أوروبا وفي إتجاه أميركا كما في إتجاه دول الخليج العربي.
• الإنعكاسات الحادة لأزمة اللجوء السوري المتفاقمة على لبنان، وهي أزمة بل كارثة يشعر المجتمع الدولي بضرورة التصدي لها بمعالجات مالية على الاقل ليس دعماً للبنان فحسب بل تداركاً لامتداداتها السلبية الخطيرة عليه أولاً.
• الحاجة الدولية – وربما العربية ايضاً – الى إنقاذ لبنان ومنع إنهياره لألف سبب وسبب سياسي وأمني وإجتماعي وثقافي …. فإذا صح القول اليوم بأنه ممنوع على هذا البلد أن يعيش فانه ممنوع عليه أيضاً ان يموت.
على رغم ما يمكن ان يبدو من صور مشجعة فان من مصلحة لبنان ان يعد ملفاته بشكل جيد لضمان حد أدنى من النجاح القابل للترجمة عملياً بدلاً من تكرار وعود لا تُتَرجَم فعلياً كما حصل في المرات السابقة.

• خبير إقتصادي، أستاذ في العلوم الإقتصادية والعميد السابق لكلية العلوم الإقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى