على إيران أن تختارَ ضَبط النفس

بقلم كابي طبراني*

في الأسبوع الفائت تم اغتيال العالم النووي الإيراني البارز مُحسن فخري زاده على يد جماعة مُسلّحة يُشتَبه في صلتها بإسرائيل.

فخري زاده، الذي لم يكن شخصية معروفة، كان أستاذاً للفيزياء في جامعة الإمام الحسين، ونائب وزير الدفاع ورئيس قسم البحث والابتكار في الوزارة. ويُنظر إلى وفاته في بعض الأوساط على أنها مُرتبطة بفوز جو بايدن في الإنتخابات الرئاسية الأميركية. لقد وعد بايدن بإعادة أميركا إلى الإتفاق النووي المُبرَم في العام 2015 مع إيران، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل والسياسيين المؤيدين لها في الولايات المتحدة.

قال مسؤول إيراني سابق، شرط عدم الكشف عن هويته، ل”أسواق العرب”: “من الواضح أن [رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين] نتنياهو يسعى إلى قتل عصفورين بحجر واحد. فمن ناحية، يريد أن يخلق ذريعة لهجوم أميركي على المواقع النووية الإيرانية، ومن ناحية أخرى يريد أن يضع عقبة لا يمكن إزالتها في طريق وقف التصعيد الإيراني-الأميركي وعودة بايدن إلى [الإتفاق النووي].

العقبة ستتمثّل على الأقل في زيادة الضغوط على إدارة (الرئيس الإيراني حسن) روحاني من قبل المُتشَدّدين وعلى النظام لتقليص مستوى التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وعدم تبنّي موقف جديد تجاه الإدارة المقبلة في الولايات المتحدة من أجل الإنفراج”.

على الرغم من أن هذه العملية، كما هو ظاهر، قد تُشكّل ضربة للسياسة الخارجية لإدارة بايدن المُقبلة في الشرق الأوسط، لكنها بلا شك تُشكل أيضاً صفعة للمهمة الخبيثة التي اتُّهم فخري زاده بلعب دورٍ مركزي فيها: برنامج إيران النووي العسكري المُشتَبَه به. لكن التداعيات، إذا تمت إدارتها بشكل سيّىء، يُمكنها أن تلحق الضرر بالمنطقة ككل.

واجَهت إيران نكساتٍ مُماثلة من قبل. لقد اغتيل أربعة علماء نوويين إيرانيين بين العامين 2010 و2012. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، قُتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي الجنرال قاسم سليماني في غارة أميركية. في حين لا يزال من غير الواضح مَن هي الجهة الداخلية التي تُنفّذ عمليات القتل، رُغم اتهام طهران الدائم لتل أبيب وواشنطن بأنهما وراؤها، فإن مثل هذه الهجمات تُغذّي الخوف والقلق لدى الحكومة الإيرانية.

على الرغم من التهديدات بردٍّ قاسٍ في كل مرة، إلا أن انتقام طهران الفوري يميل إلى أن يكون أكثر صمتاً. إن حقيقةَ أنه لم يكن هناك ردٌّ عسكري مباشر واضح بعد مقتل سليماني، الذي كانت وفاته أكثر أهمية ورمزية بكثير من فخري زاده، فإن ذلك يُشير إلى عدم احتمال حدوث مثل هذا الردّ هذه المرة.

هناك فروقٌ مُهمّة بين الرجلين. سليماني هو ضابطٌ خطّط لكثيرٍ من المهمات العسكرية الخارجية وأمَرَ بالعديد من الإغتيالات. أما فخري زاده فكان اغتياله أكثر إثارة للدهشة لأنه لم يكن يُعتَبَر، أو يُنظَر إليه، أنه هدفٌ عسكري فوري. وعلى الرغم من أنه ينبغي ألّا يُسمَح لإيران بالحصول على سلاحٍ نووي، فإن النقاد يتساءلون عمّا إذا كان السلام والعدالة في المدى الطويل سيتحققان فعلياً إذا أصبحت عمليات القتل خارج نطاق القانون عنصراً أساسياً في الاستراتيجيات لاحتواء تلك الطموحات.

علاوة على ذلك، فإن اغتيال فخري زاده يخلق مخاطر جديدة. لدى إيران العديد من الجماعات العنيفة بالوكالة في المنطقة، والتي تُعرِّض للخطر حياة أولئك الذين يعيشون في بلدانٍ يكون فيها النفوذ الإيراني قوياً. يُمكن أن يؤدي تصاعد التوترات إلى زلّات وأخطاء مأسوية، مثل إسقاط إيران من طريق الخطأ لطائرة ركاب أوكرانية، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب البالغ عددهم 176 راكباً، في الأجواء المُتوَتّرة بعد اغتيال سليماني.

هناك مخاطر سياسية أيضاً. إن مقتل فخري زاده وردّ الفعل الداخلي الإنفعالي عليه يُمكن أن يُقوّي ويُعزّز أولئك الذين يتبنّون ردود فعل عدوانية في طهران. ربما هذا ما كان القتلة يريدونه ويهدفون إاليه. يتمتّع الفصيل المُتشدّد في إيران بالقوة والزخم أصلاً، فيما تُكافح البلاد وتُعاني في ظل العقوبات وفيروس كوفيد-19 واقتصادٍ مُتدَهور. يمكن للبارانويا داخل الحكومة أن تدفع إيران إلى نقل أنشطتها إلى مزيد من السرية، الأمر الذي يُعقّد المفاوضات المستقبلية للتوصّل إلى اتفاقٍ نووي جديد لكبح برنامجها العسكري.

يُظهر لنا التاريخ أن إيران الواقعة تحت الضغط يُمكن أن تكون مُتقَلِّبة بشكل خاص. بالنسبة إلى المُتشدّدين في طهران، فإن الظهور كضحية ضعيفة غير فعّالة هو أمرٌ غير معقول أو مقبول. في المقابل، فإن الخطر الحقيقي على إيران وشعبها والشرق الأوسط الأوسع يكمن في الأفعال المُتهوِّرة التي تدعو إليها أطرافٌ طائشة لا تُعير اهتماماً للآخرين. يجب على الجمهورية الإسلامية أن تنظر إلى ضعفها الحالي كدليل على أنها لا تستطيع تبرير وضعها كدولة منبوذة بعد الآن.

في أقل من شهرين، سيدخل جو بايدن إلى البيت الأبيض، ومن المتوقع أن تسعى إدارته إلى إيجادِ مسار أكثر تأكيداً ووضوحاً يُمكن من خلاله أن تَخرُجَ طهران من الصقيع. ومع ذلك، لا يُمكن أن يحدث هذا إلّا إذا تمكّن قادة إيران من التحّلي بضبط النفس والحكمة والإبتعاد من أنشطتهم المُزَعزعة للإستقرار داخل حدودهم وحول المنطقة.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى