الحكومةُ العِراقيّةُ الجديدة تَضَعُ الميليشيات المَدعومة من إيران في مَقعَدِ القيادة

إلى أين يتجه العراق في ظل الحكومة الجديدة التي يترأسها محمد شياع السوداني؟ وهل يستطيع رئيس الوزراء الجديد التصرّف باستقلالية والعمل بعيدًا من مصالح إيران؟

وزير التعليم والبحث العلمي نعيم العبودي: عضو في “عصائب أهل الحق”، وهي جماعة صنّفتها واشنطن منظمة إرهابية.

لينا الخطيب*

وافق البرلمان العراقي في الأسبوع الفائت على تشكيل حكومة جديدة، ليُنهي الجمود السياسي المستمر منذ عام والذي أعقب الانتخابات البرلمانية في البلاد التي جرت في العام 2021. وسيرأس محمد شياع السوداني، الذي شغل سابقًا منصب وزير حقوق الإنسان والعمل والشؤون الاجتماعية في العراق، الحكومة الجديدة التي ستحل محل الحكومة المؤقتة برئاسة مصطفى الكاظمي. كان السوداني مدعومًا من قبل “الإطار التنسيقي”، وهو تحالفٌ سياسي يُهيمن عليه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، فضلًا عن الأحزاب التي تُمثّلُ الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران.

ومع ذلك، تم الترحيب بالحكومة الجديدة في بغداد من قبل شركاء العراق الدوليين، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة والمملكة العربية السعودية. ولكن على الرغم من الاختراق الذي تم إحرازه في الأسبوع الماضي، والذي وضع حدًّا لأشهرٍ من الاقتتال السياسي الذي أدّى إلى شلِّ الحكم في البلاد، فإن تكوين الحكومة العراقية الجديدة والسياق الأوسع الذي ستُجبر فيه على العمل يشيران إلى أن التحدّيات العميقة في العراق لم تنحسر أو تخف.

على عكس الحكومة السابقة، لا يوجد وزراءٌ من التيار الصدري في الحكومة الجديدة. بعد فوزه بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام الماضي، ورغم عدم حصوله على الأغلبية، سعى تيار مقتدى الصدر إلى تنصيب حكومة يهيمن عليها أعضاؤه وحلفاؤه. لكن جهوده في القيام بذلك عُرقِلَت من قبل خصومه السياسيين، الذين سعوا إلى الحفاظ على ممارسة تقاسم السلطة على أسس طائفية، المعروفة بنظام المحاصصة.

في أعقاب ذلك دعا الصدر أنصاره إلى النزول إلى الشوارع احتجاجًا، وبعدها أعلن انسحابه من السياسة وسحب نوابه من المجلس التشريعي، ثم تراجع عن تقاعده بعد ذلك بوقت قصير. كان الصدر يأمل في أن تُعزّزَ هذه التكتيكات نفوذه السياسي، لكنها جاءت بنتائج عكسية عندما انقلب ضده حلفاؤه الذين لم يستقيلوا من البرلمان، وانضم بعضهم إلى الإطار التنسيقي، ما مهّد الطريق أمام بروز السوداني كرئيس للوزراء.

الحكومة الجديدة خالية أيضًا من البرلمانيين المستقلين الذين يمثلون حركة الإصلاح التي نشأت على أثر إحتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019. في الواقع، إثنان منهم -علاء الركابي وفلاح الهلالي- تعرّضا لاعتداءٍ جسدي من قبل أعضاء الإطار التنسييقي بعد أن رفضوا الاقتراع لحكومة السوداني في التصويت على الثقة.

سارع بعض هؤلاء المشرعين المستقلين، فضلًا عن وسائل الإعلام السعودية مثل قناة العربية وصحيفة الشرق الأوسط، إلى الإشارة إلى أن وزيرين بارزين في مجلس الوزراء الجديد مُرتبطان مباشرةً بميليشياتٍ مدعومة من إيران. أحمد الأسدي، وزير العمل والشؤون الاجتماعية، هو أيضًا الأمين العام لمنظمة “جند الإمام”، وهي جزء من وحدات الحشد الشعبي، الميليشيات الشيعية التي أقرّتها الدولة والتي كان الأسدي يشغل منصب المتحدث الرسمي  فيها سابقًا. ونعيم العبودي وزير التعليم والبحث العلمي، هو عضو في كتلة “الصادقون” النيابية، التي تمثل “عصائب أهل الحق”، وهي جماعة يقودها قيس الخزعلي صنّفتها واشنطن منظمة إرهابية. وينتمي الوزيران أيضًا إلى تحالف “فتح” السياسي بقيادة هادي العامري، الأمين العام لمنظمة بدر، وهي حزب سياسي إسلامي شيعي وتنظيم عسكري تدعمه طهران.

من جهته، حاول السوداني تهدئة المخاوف الأميركية والسعودية بشأن علاقاته بإيران من خلال التعهّد باتّباع سياسة “صداقة وتعاون مع الجميع”. لكن هذه التأكيدات فشلت في إقناع العديد من إصلاحيي تشرين الأول/أكتوبر 2019، الذين خرجوا إلى الشوارع في بغداد للاحتجاج على حكومة السوداني بسبب ميلها المؤيد لإيران واستبعادهم. على الرغم من أن الاحتجاجات كانت محدودة من حيث الحجم والمدة، إلّا أنها تشير إلى انفصالٍ بين الحكومة الجديدة في بغداد وشرائح كبيرة من الشعب العراقي.

كما وعد السوداني بأنه لن “يسمح للعراق بأن يكون قاعدة لشن هجمات على دول أخرى”. ولكن مع هيمنة النخب السياسية نفسها المدعومة من إيران على مجلس الوزراء الجديد، والذين لعبوا أدوارًا بارزة في السياسة العراقية منذ الغزو العسكري الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح صدام حسين في العام 2003، فمن غير المرجح أن تسعى الحكومة إلى الحدِّ من نفوذ إيران وانخراطها في الشأن العراقي – أو تكون قادرة على ذلك.

تواجه الحكومة الجديدة المعضلة عينها التي عجزت الحكومة السابقة عن تجاوزها، وهي أن نظام المحاصصة في العراق نادرًا ما يمثل طيفًا كاملًا من الأصوات السياسية في البلاد. بعد فترة وجيزة من حصوله على موافقة البرلمان على حكومته، أعلن السوداني عن تعهّدٍ بتعديل قانون الانتخابات، بما في ذلك إتخاذ إجراءات للحدّ من التزوير في فرز الأصوات، في غضون ثلاثة أشهر من توليه المنصب وإجراء انتخابات برلمانية في العام المقبل، مُحاولًا بذلك مدّ غصن الزيتون إلى كلٍّ من الصدريين و حركة المستقلين المنبثقة عن احتجاجات 2019. لكن كلا الوعدين يبدو أنهما طموحان.

في غضون ذلك، ليس من الواضح كيف ستكون بغداد قادرة على معالجة عدد لا يحصى من التحديات الاقتصادية والبيئية والإدارية التي تواجهها الدولة العراقية، لا سيما معدل البطالة المرتفع بين الشباب والفساد المنهجي الذي ابتُلِيَت به الحكومة. قبل أقل من أسبوعين من موافقة البرلمان على مجلس الوزراء الجديد، كشف وزير المالية السابق عادل عبد الجبار أنه اكتشف، أثناء وجوده في منصبه، عن مُخطط اختلاس لنهب 2.5 ملياري دولار من الهيئة العامة للضرائب.

تعهدت الحكومة الجديدة بالتصدّي للفساد، قائلةً إن إصلاحات مكافحة الكسب غير المشروع تتصدّر جدول أعمالها. ولكن هناك خطرًا من أن التحقيقات ذات الصلة يمكن أن تُستَخدَم أيضًا كوسيلةٍ لاضطهاد المعارضين السياسيين للدولة تحت ستار مكافحة الفساد.

في الوقت الذي تتجه الحكومة الجديدة إلى التعامل مع التحديات الهائلة التي تنتظرها، فمن المحتمل أن يكون تشكيل الحكومة أشبه بلعبة الكراسي الموسيقية، حيث يُغيِّرُ وزراء الحكومة مقاعدهم بشكل متكرر، ما يعكس المنافسة المستمرة بين النخب السياسية في العراق على السلطة والموارد داخل وخارج هيكل السياسة الرسمية.

  • لينا الخطيب هي مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس. يشمل عملها في الشرق الأوسط الجغرافيا السياسية، والصراع، والتحولات السياسية، والسياسة الخارجية تجاه المنطقة. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @LinaKhatibUK

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى