شكرًا ريما كرامي

هنري زغيب*

لم أَكن أَعرف الدكتورة ريما كرامي حتى اختارَها الرئيس نواف سلام لحقيبة التربية، فعرفتُ أَنها ابنةُ طرابلسنا الغالية، وخريجةُ “روضةِ الفيحاء” فيها (دورة 1984)، والجامعةِ الأَميركية في بيروت (ماسترز في التربية 1990) وجامعةِ بورتلِند (ولاية أُوريغن الأَميركية – دكتوراه في التربية 1997)، وأَنها عادت إِلى جامعتها الأُم في بيروت رئيسةَ دائرة التربية فيها، وأَنها مؤَلفةٌ وباحثةٌ في التربية والمنهجيات المدرسية، فإِذا بالحقيبة في صُلب اختصاصها، تدير فيها وزارةً صعبةَ المراس، متشعِّبةَ الفروع، ذاتَ مشاكل عانى منها وزيرُها السابق الصديق الدكتور عباس الحلبي ونجح في تخطِّيها وحلِّها.

قبل أَيامٍ صدر عن الوزيرة كرامي ما يشي بانطلاقةٍ تتجاوز بها الوزارةُ لبنانَ الدولة إِداريًّا، فتكون نبراسًا للبنان الوطن. من هنا صدورُ تعميمِها الأَخير “تعزيزًا ثقافةَ الانتماء الوطني، وترسيخًا القيَمَ الوطنيةَ لدى التلامذة والطلَّاب”، وهو أَوصى بفضائلَ ثلاث: رفْع العلم اللبناني باستمرار فوق المباني التربوية، افتتاح الأُسبوع المدرسي بإِنشاد النشيد الوطني اللبناني قبل الدخول إِلى الصفوف، وإِزالة الأَعلام والمظاهر الحزبية داخل حرَم المدارس.

“فضائل” قُلتُها؟ أَكيدًا، وليست بأَقلّ. فبين أَخطر المثالب في صفوف أَولادنا: تجاذُبُ الانتماءَات إِلى جهاتٍ (وتاليًا أَعلامٍ) فئوية أَو مذهبية أَو غير لبنانية، وهذا على المدى البعيد غسْلُ أَدمغةٍ أَشرسُ من غسْل الأَموال. واعتيادُ ترديد “كلُّنا للوطن” يغذِّي وعيَ أَولادنا ولاوعيَهُم معًا، وحبَّذا لو يَطلب أَولياءُ المدارس أَن يضَعَ التلامذةُ كفَّهم اليمنى على جهة صدرهم اليُسرى حيثُ القلب، كي يرتقي النشيدُ العلماني إِلى رتبة للصلاة. أَما إِزالة الأَعلام والمظاهر الحزبية، فخطوةٌ أُولى صوب التنشئة على المواطَنَة، ليُخاصِرَ ابنُ عكار (ولو من بعيدٍ) ابنَ النبطية، ويُكاتفَ ابنُ بعلبك (ولو من بعيدٍ) ابنَ جونيه، وتُعانقَ ابنةُ بشَرِّي (ولو من بعيدٍ) ابنةَ صور فيتصالحَ لبنان الوطن مع ذاته عبر ذاته الأَنضر: أَجيال لبنان الجديدة.

فضائل؟ أَكيدًا. ما عمَّمتْهُ ريما كرامي تاجُ فضائلَ وطنيةٍ أَعَمُّ من فضائلَ دينية وأَخلاقية خاصة وشخصية. إِنها بُذُورٌ في قلوب أَولادنا اليوم، نَحصدُها غدًا لدى بيادر الوطن، سنابلَ خيِّرةً على أَرضه ووسْعَ الـمَهاجر اللبنانية في العالَم.

وإِن كان لي أَن أَختصر هدفَ هذا التعميم بكلمة واحدة لقُلْتُه: “الانتماء”. وما أَحوجَنا إِلى توعية أَجيالنا الجديدة على  الانتماء إِلى لبنان اللبناني، لا صفةَ إِلَّاها، لا هويةَ إِلَّاها، لا إِيمانَ إِلَّا به، لا انتسابَ إِلَّا لشعبه، كلِّ شعبه، ولأَرضه وحضارته وأَعلامه، مع انفتاح مدروس على العالم من دون الانزلاق إِلى إِيديولوجيات السوى أَيًّا يكُن هذا السوى.

لن يحبَّ أَولادُنا وطنَهم، وينتموا إِليه عاطفيًّا وإِيمانيًّا، إِن لم يعرفوا حقيقةَ دوره في العالم، وعطاءات مبدعيه إِلى العالم. من هنا ضرورةُ وعيهم رمزيةَ العلَم اللبناني: ليس شعارًا نظريًّا، ولا الأَرزةُ في قلبه مجرَّد رسْم على بطاقة الهوية أَو جواز السفر، بل هي وديعةُ أَجيالٍ وصلَتْ إِلينا، كي نحفَظَها ونحافظَ عليها أَمانةً كيانية. وتلاوةُ النشيد الوطني في صباحات المدرسة يعادلُ أَيَّ صلاةٍ دينيةٍ يَنشأُون عليها في البيت. فهل بهذا تَشفي شعبَنا فُسحةُ أَملٍ مُشْرقَةٌ من المساحة البيضاء في عَلَمنا؟

تعميمُ الوزيرةِ المسؤُولُ: خطوةٌ مبارَكةٌ لتلامذتنا في ترقِّيهم إِلى احترام الدولة والانتماء إِلى الوطن.

شكرًا ريما كرامي.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر منصة إكس على:  @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى