الذكاءُ الاصطناعي ليسَ إكسيرَ الإدارة

في حين أنَّ الذكاء الاصطناعي لديه بلا شك القدرة على التأثير بشكل كبير في ممارسات الإدارة، يجب علينا التعامل مع تبنّيه بحذرٍ وتشكّك.

الذكاء الاصطناعي: يجب التعامل معه بحذر وتشكك.

أليخاندرو سبوزاتو*

شهدت أواخر التسعينيات الفائتة تشكيلَ ما أصبح يُعرَفُ لاحقًا باسم فقّاعة الدوت كوم، والتي انفجرت في نهاية المطاف في العام 2000. كانت هذه الظاهرة المالية مدفوعةً بالتفاؤل المُفرِط المُحيط بتكنولوجيا ثورية: الإنترنت. وفي حين أنَّ الإنترنت غيّرت طريقة عيشنا وعملنا، فإنَّ الاندفاعَ الأوّلي للاستفادة من إمكاناتها خلقَ توقّعاتٍ غير واقعية، وخصوصًا في الأسواق المالية العالمية. وهذا له أهمّية مذهلة مُشابهًا للحماس اليوم المُحيط بالذكاء الاصطناعي في الإدارة.

في السنوات الأخيرة، ضجَّ عالمُ الأعمال بالكلام عن إمكانات الذكاء الاصطناعي لإحداث ثورة في ممارسات الإدارة. فمن اتخاذ القرار الآلي إلى التحليلات التنبُّؤية، تبدو وعود الذكاء الاصطناعي بلا حدود. لا شك أنه يحمل إمكانات هائلة لتحويل جوانب مختلفة من العمليات التجارية. ولكنَّ هناك قلقَا متزايدًا من أنَّ الضجة المحيطة بالذكاء الاصطناعي في الإدارة قد تتجاوز الأدلّة على فعاليته. مع دخولنا إلى ما يَطلُقُ عليه كثيرون “ثورة الذكاء الاصطناعي”، من الأهمية بمكان أن نتعاملَ مع هذا التحوُّلِ التكنولوجي بمنظورٍ مدروس. إنَّ جاذبية الذكاء الاصطناعي كحلٍّ سحري لجميع تحدّيات الإدارة قوية، ولكن يتعيّن علينا مقاومة إغراء النظر إليه باعتباره حلًا سحريًا من شأنه أن يحلَّ المشاكل التنظيمية المُعقّدة من دون عناء.

الواقع أنَّ إمكانات الذكاء الاصطناعي في الإدارة كبيرة حقًّا. إذ تستطيعُ خوارزمياتُ التعلّم الآلي مُعالجةَ كمّياتٍ هائلة من البيانات بسرعات لا يستطيع المحلّلون البشريون بلوغها، وهو ما قد يؤدّي إلى اتخاذ قراراتٍ أكثر استنارة. كما تستطيع معالجة اللغة الطبيعية تعزيز الاتصالات وخدمة العملاء. وتستطيع النماذج التنبّؤية التنبُّؤ بالاتجاهات والمساعدة على التخطيط الاستراتيجي. وهذه القدرات ليست مجرّد تكهّنات؛ بل إنها تُنفَّذ بالفعل في صناعاتٍ مختلفة بنتائج واعدة.

مع ذلك، فإنَّ الفجوة بين إمكاناتِ الذكاءِ الاصطناعي وتطبيقاته العملية الحالية في الإدارة كبيرة. إنَّ العديدَ من الفوائد المزعومة للذكاء الاصطناعي في الإدارة ما زالَ نظريًا إلى حدٍّ كبير أو محصورًا في إعداداتٍ تجريبية خاضعة للرقابة. ولا يزالُ التنفيذُ الحقيقي للذكاء الاصطناعي في الهياكل التنظيمية المعقّدة في مهده، ولم يتم فَهمُ التأثيرات الطويلة الأجل بالكامل بعد. ومن بين المخاوف الأساسية هو المَيلُ إلى المُبالغة في تقدير قدرات الذكاء الاصطناعي الحالية.

وفي حين حقّق الذكاءُ الاصطناعي خطواتٍ ملحوظة في مجالاتٍ مُحَدَّدة مثل التعرُّف على الصور ولعب الألعاب، فإنَّ قدرته على التنقُّل في عالم التفاعُلات البشرية واتخاذ القرار في الإدارة لا تزال محدودة. إنَّ الخطرَ لا يكمن فقط في خيبة الأمل عندما يفشل الذكاء الاصطناعي في تلبية التوقّعات المُبالَغ فيها، ولكن أيضًا في سوء تخصيص الموارد واتخاذ قرارات استراتيجية مُضلّلة بناءً على المُبالغة في تقدير قدرات الذكاء الاصطناعي.

علاوةً على ذلك، هناك خطرٌ في النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره حلًّا يناسب الجميع. فلكلِّ منظمة ثقافتها وتحدّياتها وأهدافها الفريدة. وينبغي تصميم تنفيذ الذكاء الاصطناعي في الإدارة بما يتناسب مع هذه الاحتياجات المُحَدَّدة بدلًا من اعتماده بالجملة على أساسِ وعودٍ عامة بالكفاءة والابتكار.

إضافةً، غالبًا ما يتمُّ تجاهل العامل البشري في ضجيج الذكاء الاصطناعي. فالإدارة تدور في الأساس حول قيادة وتنسيق الناس. وفي حين يُمكنُ للذكاء الاصطناعي أن يوفّر رؤى قيِّمة ويدير مهام مُعيَّنة تلقائيًا، فإنه لا يستطيع أن يحلَّ محلَّ العناصر البشرية من التعاطف والإبداع والحكم الأخلاقي التي تُعَدُّ ضرورية في الإدارة الفعّالة. وهناك خطرٌ يتمثّلُ في أنَّ الإفراط في التركيز على الذكاء الاصطناعي قد يؤدّي إلى خفض قيمة هذه المهارات البشرية الحاسمة.

وتستحق الآثار الأخلاقية للذكاء الاصطناعي في الإدارة أيضًا دراسةً متأنّية. فالقضايا مثل خصوصية البيانات والتحيُّز الخوارزمي والتشريد المُحتَمَل للعمّال البشريين ليست مجرد مخاوف نظرية ولكنها تحدّيات حقيقية يجب معالجتها. والتسرُّع في تنفيذ أنظمة الذكاء الاصطناعي من دون فهمٍ كاملٍ وتخفيف هذه المخاطر قد يؤدي إلى عواقب أخلاقية وقانونية كبيرة.

كما إنَّ التركيزَ على الذكاء الاصطناعي باعتباره إكسيرًا للإدارة قد يصرف الانتباه والموارد عن مجالاتٍ أخرى مهمة في التنمية التنظيمية. ولا تزال مبادئ الإدارة التقليدية مثل الاتصال الفعّال، وإشراك الموظفين، والتخطيط الاستراتيجي ذات أهمية كما كانت دائمًا. وينبغي النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره أداةً لتعزيز هذه الجوانب الأساسية للإدارة، وليس كبديلٍ منها.

ولكن ما هو النهج الذي ينبغي لنا أن نتبعه في التعامل مع الذكاء الاصطناعي في الإدارة؟ يكمن المفتاح في البحث القائم على الأدلّة والتنفيذ التدريجي المدروس. فبدلًا من الادِّعاءات الواسعة النطاق حول القوة التحويلية للذكاء الاصطناعي، نحتاج إلى دراساتٍ صارمة تدرس التأثيرات المحدّدة للذكاء الاصطناعي في سياقاتٍ إدارية مختلفة. ولا ينبغي لهذا البحث أن يُركّزَ فقط على الفوائد المحتملة، بل ينبغي له أيضًا أن يُقَيِّمَ بشكلٍ نقدي التحدّيات والقيود التي يفرضها تطبيق الذكاء الاصطناعي.

يتعيّن على المنظمات التي تُفكّرُ في تبنّي الذكاء الاصطناعي في ممارساتها الإدارية أن تبدأ بمشاريع تجريبية صغيرة النطاق ومحدّدة بوضوح. وينبغي لهذه المبادرات أن تكونَ لها أهدافٌ قابلة للقياس وأن تخضعَ لتقييمٍ دقيق. ومن خلال اتباع هذا النهج التدريجي، يمكن للشركات اكتساب رؤى عملية حول كيفية ملاءمة الذكاء الاصطناعي لسياقها التنظيمي المحدد وتوسيع نطاق التطبيقات الناجحة تدريجًا.

ومن الأهمية بمكان أيضًا الاستثمار في تطوير معرفة الذكاء الاصطناعي بين المديرين والموظفين. إنَّ فهمَ أساسيات كيفية عمل الذكاء الاصطناعي وقدراته وحدوده من شأنه أن يُمَكّن من اتخاذ قرارات أكثر استنارة بشأن تنفيذه واستخدامه. كما ستساعد هذه المعرفة في إدارة التوقّعات وتجنُّب المزالق المتمثّلة في النظر إلى الذكاء الاصطناعي باعتباره حلًّا سحريًا. إنَّ التعاونَ بين خبراء الذكاء الاصطناعي ومحترفي الإدارة وخبراء الأخلاقيات أمرٌ ضروري في تشكيل مستقبل الذكاء الاصطناعي في الإدارة. ويمكن لهذا النهج مُتَعَدِّد التخصّصات أن يساعدَ على تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التي لا تتميَّز بالتقدّم التكنولوجي فحسب، بل تتوافق أيضًا مع القِيَمِ التنظيمية والمبادئ الأخلاقية.

في الختام، في حين أنَّ الذكاء الاصطناعي لديه بلا شك القدرة على التأثير بشكلٍ كبير في ممارسات الإدارة، يجب علينا التعامل مع تبنّيه بحذرٍ وتشكّك. لا ينبغي للإثارة المحيطة بالذكاء الاصطناعي أن تعمينا عن الحاجة إلى البحث القائم على الأدلة والتنفيذ الدقيق.

الذكاء الاصطناعي أداةٌ قوية، لكنه ليس بديلًا من مبادئ الإدارة السليمة والحكم البشري. مع تقدّمنا ​​إلى الأمام، دعونا نحتضن إمكانات الذكاء الاصطناعي في الإدارة، ولكن نفعل ذلك مع الالتزام بالبحث الدقيق والاعتبارات الأخلاقية والفهم الواقعي لقدراته الحالية.

من خلال اتباع هذا النهج، يمكننا الاستفادة من فوائد الذكاء الاصطناعي مع تجنُّب مخاطر التوقعات غير الواقعية والإفراط في الاعتماد على التقنيات غير المُثبتة. لا يكمن مستقبل الإدارة في اتباع الذكاء الاصطناعي بشكلٍ أعمى باعتباره أحدث صيحة، بل في دمجه بشكلٍ مدروس في أُطُرنا الحالية للقيادة والتطوير التنظيمي.

  • أليخاندرو مارتن سبوزاتو هو أستاذ مساعد في كلية إدارة الأعمال في جامعة زايد في دبي.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى