هَيمَنةُ الصين على سلسلةِ تَوريدِ الطائرات المُسَيَّرة تُقلقُ الغرب

أولريكه فرانكي*

أصبحت الطائرات المُسَيَّرة السلاح الأيقوني للحرب بين روسيا وأوكرانيا، ولا غنى عنها في هذه الحرب. فعندما غزت روسيا أوكرانيا قبل ثلاث سنوات تقريبًا، كان لديها ما يقدر بنحو 2,000 طائرة مُسَيَّرة في ترسانتها. وسرعان ما ثبت أنَّ هذا العدد غير كافٍ على الإطلاق،  لذا لجأت روسيا إلى إيران وزادت الإنتاج المحلي لتوسيع نطاقه. وارتفع عدد الطائرات المُسَيَّرة المُستخدَمة في الحرب من قبل الجانبين الآن إلى الملايين، من أنواع وأحجام لا حصرَ لها.

بدأت القوّات المسلّحة الغربية ملاحظة ذلك. فهناك حديثٌ عن إنشاء ألمانيا ل”جيش الطائرات المُسَيَّرة”، وتستثمر المملكة المتحدة مليارات الدولارات في الطائرات المُسيّرة، ووقعت الحكومة الفرنسية “اتفاقية طائرات مُسَيَّرة” مع صناعة الدفاع في البلاد.

مع ذلك، يميلُ عنصرٌ حاسمٌ في حرب الطائرات المُسَيَّرة في أوكرانيا إلى الحصول على قدرٍ أقل من الاهتمام: الدور المركزي للشركات الصينية والتصنيع الصيني في سلسلة توريد الطائرات المُسيَّرة العالمية. وبصراحة، إنَّ بقية العالم تعتمد بشكلٍ كامل على الصين بالنسبة إلى الطائرات المُسَيَّرة وأجزائها.

لعقود، كانت الطائرات المُسَيَّرة تقنيةً عسكرية حصرية، وكانت صناعتها في البداية تُهيمن عليها الولايات المتحدة وإسرائيل. وعندما انطلقت سوق الطائرات المسيَّرة المدنية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، سرعان ما هيمنت الشركات الصينية عليها. في البداية، كان هذا الأمر يرجع في المقام الأول إلى انخفاض الأسعار، ما دفع المنافسين الغربيين إلى الخروج من السوق. وبمرور الوقت، سيطرت الشركات الصينية، وأهمها شركة صناعة الطائرات المسيَّرة الصينية “DJI” ومقرها شنتشن، على السوق. وبحلول العام 2016، أنتجت “DJI” ثُلثَي الطائرات المُسيّرة للمستهلكين في جميع أنحاء العالم. واليوم، تحتكر الشركات الصينية سوق الطائرات المسيَّرة للمستهلكين إلى الحد الذي أصبح من المستحيل على الهواة العثور على طائراتٍ مُسيَّرة غير صينية. لم تَعُد هذه الأنظمة رخيصة الثمن ببساطة – فهي ذات قدرات عالية، في حين لا تزال بأسعارٍ معقولة جدًا. لفترةٍ طويلة، لم يُسبّب هذا قلقًا في الغرب – بعد كل شيء، تنتج الصين الكثير من كل ما يشتريه المستهلكون الغربيون.

لكنَّ الحربَ في أوكرانيا أظهرت أهمّية الطائرات المُسَيَّرة المدنية للتطبيقات العسكرية. ومن الصعب تقدير العدد الدقيق، ولكن جُزءًا كبيرًا من الطائرات المسيَّرة المستخدمة في أوكرانيا على مدى السنوات الثلاث الماضية لم تكُن مُصَمَّمة للاستخدام العسكري. والواقع أنَّ الطائرات المُسَيَّرة المدنية مُتاحة بحرِّية، وبكمياتٍ كبيرة. وهي سهلة التعامل مع القليل من التدريب. ولا يمكن استخدام الطائرات المُسيَّرة المدنية بدون تعديل في ساحة المعركة، لأنها قد تكشفُ عن معلومات خطيرة للعدو، مثل موقع طياريها. ولكن مع بعض التعديلات، يُمكن للطائرات المسيَّرة المدنية الوفاء بمهامٍ عسكرية ذات صلة. وعلى الخطوط الأمامية الأوكرانية، استُخدِمت الطائرات المُسيّرة المدنية للمراقبة والاستطلاع، لتوجيه الضربات المدفعية وغيرها من الهجمات، كما تمَّ تعديلها لتصبح أنظمة مسلّحة في حدِّ ذاتها. وبطبيعة الحال، فإنَّ طائرةً رباعية المراوح مدنية معدلة تم شراؤها مقابل بضع مئات من الدولارات لا تشبه إلى حدٍّ كبير طائرة حربية غير مأهولة متطوّرة بملايين الدولارات. ولأنها ليست مصمّمة للحرب، فإنَّ الطائرات المسيَّرة المدنية تميلُ إلى عدم البقاء لفترة طويلة في ساحة المعركة. ولكن الأنظمة المدنية لها بالتأكيد فائدة عسكرية، والحجم والتكلفة المنخفضة هما مزايا يمكن أن تعوض ما تفتقر إليه من قدرة.

لقد أدرك كلا الجانبين في الحرب في أوكرانيا هذا بسرعة، مما أدّى إلى ظهور مئات الآلاف من الطائرات المسيَّرة المدنية في ساحة المعركة – وهذا على الرُغم من تعليق “DJI” رسميًا لعملياتها في أوكرانيا وروسيا بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب. وقد تبرّع أفراد كثيرون بطائرات مسيّرة، كما أدت جهود التمويل الجماعي من قبل الجمهور إلى الاستحواذ على العديد من الأنظمة.

لا يزال معظم أنظمة الطائرات المسيّرة هذه مصنوعة في الصين. والاعتماد يذهب إلى أبعد من ذلك. لا تنتج الصين جميع الطائرات المسيّرة التجارية تقريبًا فحسب، بل تصنع أيضًا معظم المكوّنات اللازمة لبنائها. في السنوات القليلة الماضية، أصبحت أوكرانيا موطنًا لصناعة قادرة على إنتاج الطائرات المسيَّرة بوتيرةٍ سريعة وبأعدادٍ كبيرة. ومن المرجح أن تخرج البلاد من الحرب كقوة أوروبية في مجال صناعة الطائرات المسيّرة. لكن صناعتها تعتمد أيضًا على الأجزاء المصنوعة في الصين، من الأجزاء البلاستيكية الرخيصة إلى المكوّنات الأكثر تطورًا مثل المحرّكات وأجهزة إرسال الفيديو.

إنَّ هذا الاعتماد مُثيرٌ للقلق بشكلٍ خاص في ضوءِ المنافسة الجيوسياسية المُتنامية بين الغرب والصين، والتقارير التي تتحدث عن تعاون صيني-روسي أوثق من أيِّ وقت مضى. كانت هناك شكاوى لأشهرٍعدة  في أوكرانيا حول وجود عيب في المكوّنات الصينية، ما أدّى إلى شائعاتٍ عن عملية تخريب. وفي خضم الحرب التجارية الناشئة بين الولايات المتحدة والصين، تعمل بكين الآن على قطع صادراتها من المكوّنات والمواد الحيوية لبناء الطائرات المسيّرة، وهو ما بدأ بالفعل يؤثّر على أوكرانيا. وردًّا على ذلك، بدأت كييف أخيرًا إنتاجَ المزيد من المكوّنات وبناء المزيد من الطائرات المسيّرة داخل أوكرانيا، لكن هذه الجهود ستستغرق وقتًا طويلًا حتى تؤتي ثمارها، وأي محاولة جادة للتنافس مع تصنيع الطائرات المسيّرة الصينية ستحتاج إلى أن تكون أوروبية في نطاقها، وليس وطنية.

إنها مسألةٌ تثير قلقًا معروفًا بين صنّاع السياسات بأنَّ صناعة الدفاع في الصين تنمو بشكلٍ أسرع بكثير من صناعة أوروبا أو حتى الولايات المتحدة. لكن عواقب الهيمنة الصينية في تصنيع الطائرات المسيّرة، والتصنيع بشكلٍ عام، أقل فهمًا. إنَّ العواقبَ على أوكرانيا إشكالية أصلًا، لكن الوضع سوف يتفاقم بشكلٍ كبير إذا شملت المواجهة العسكرية الصين بشكل مباشر. ومن ثم، يتعيّن على أوروبا والغرب أن يهدفا إلى إعادة تصنيع بعض الأنظمة العسكرية الأساسية إلى الداخل.

لقد بدأت صناعات الدفاع الأميركية والغربية الاستجابة. فبعض شركات الدفاع، وخصوصًا الشركات الناشئة الصغيرة، تُعلنُ بشكلٍ متزايد عن منتجاتها باعتبارها أقل اعتمادًا على الأجزاء الصينية أو مستقلة عنها تمامًا. ولكن تصحيح مثل هذا الخلل الأساسي سوف يستغرق وقتًا وجهدًا. وبينما تسعى أوروبا إلى تقليل اعتمادها على الولايات المتحدة في أمنها، فإنه يتعيّن عليها أن تهدف إلى إيجاد حلٍّ أوروبي للمشكلة.

  • أولريكه فرانك هي زميلة سياسية بارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ومقرها باريس. وهي تركز على الأمن والدفاع في ألمانيا وأوروبا، ومستقبل الحرب وتأثير التقنيات الجديدة مثل الطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى