الذكاء الاصطناعي للجميع
عمّار الحلّاق*
“مُفرِطُ الإدراك”، “مُتَّقدُ الذهن”، “يسهلُ عليه جمع ومراجعة العديد من مصادر المعلومات”، وقادرٌ على “دمج التجارب الافتراضية وغير المتّصلة بالإنترنت”. هذه ليست سوى بعض الألقاب التي تُطلَقُ على المواطنين الرقميين من الجيل “Z” – أولئك الذين وُلِدوا بين العامَين 1996 و2010 والذين أصبحوا أوّلَ جيلٍ نشأ مع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية.
يُمكنُ العثورُ على هذه الأوصاف في تقريرٍ صادرٍ عن شركة الاستشارات الأميركية “ماكينزي آند كومباني” في العام 2018، قبل فترة طويلة من التبنّي المتزايد للذكاء الاصطناعي المُوَجَّه نحو المستهلك والذي يُغيّرُ الطريقة التي تُديرُ بها الشركات أعمالها، وتَحكُم الحكومات، ويُحقّقُ العلماء اكتشافات جديدة. إنَّ المجتمعات تتعامل مع المواقف المتغيِّرة والطلب ومجموعات المهارات للجيل الأول -والمتنامي- من البشر على الإنترنت، وهي تواجه الآن التغييرات والفرص القوية التي يُقدّمها الذكاء الاصطناعي الذي ترك مختبر الكمبيوتر خلفه، وأصبح الآن جُزءًا من حياتنا اليومية.
الواقع أنَّ الذكاءَ الاصطناعي مُثيرٌ للإعجاب ومُعَقَّد ومتطوِّر. لكنه لم يَعُد من الخيال العلمي. في العام الفائت، أعلنت الشركة العملاقة الأميركية في مجال التكنولوجيا “مايكروسوفت” عن عزمها استثمار 1.5 مليار دولار في شركة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية في أبوظبي “G42″، وإطلاق “Falcon LLM” ــ نموذج اللغة الكبير الخاص بأبوظبي. وأخبار الأسبوعين الفائتين تُعلمنا عن انخراط صندوق التكنولوجيا الإماراتي “MGX” في خطةٍ بقيمة 500 مليار دولار لتطوير البنية الأساسية الرقمية في الولايات المتحدة. كلُّ هذا يشيرُ إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي لن يختفي. وإذا كانَ الأمرُ كذلك، فسوف يحتاج عددٌ أكبر من الناس من أيِّ وقتٍ مضى إلى فهمه واستخدامه ــ وبالتالي الاستفادة منه.
في الأسبوع الفائت، أطلقت حكومة أبو ظبي استراتيجيتها الرقمية 2025-2027 ــ والتي تهدف إلى تحويل الإمارة إلى أول حكومة في العالم تعمل بالكامل بالذكاء الاصطناعي بحلول العام 2027. وسيُخصِّصُ البرنامج 13 مليار درهم (3.5 مليارات دولار) على مدى العامين المقبلين لتعزيز البنية الأساسية الرقمية، وأتمتة العمليات الحكومية، ودمج الحوسبة السحابية السيادية في جميع العمليات. ومن المتوقع أيضًا أن تخلق هذه الاستراتيجية أكثر من 5000 فرصة عمل. ويعني هذا الاحتضان الشامل للذكاء الاصطناعي أنَّ حياةَ كلّ مَن يعيش في الإمارة سوف تتأثر بهذه الثورة الرقمية. والسؤال الآن هو كيف نضمن أن يكون أكبر عدد ممكن من الناس على دراية بهذه التكنولوجيا سريعة التطوّر؟
لقد أدّى صعود الإنترنت والتكنولوجيا المُتقدِّمة على مدى العقدين الماضيين إلى تأجيج المخاوف بشأن “محو الأمية الرقمية” – قدرة الأشخاص العاديين على الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر والأنظمة عبر الإنترنت وفهمها واستخدامها في حياتهم اليومية. ووصفَ تقريرٌ صادر عن الأمم المتحدة في العام 2023 محو الأمية الرقمية بأنه مُشَوَّهٌ بـ”فجوةٍ كبيرة”. وعلى الرُغم من أنَّ سرعة التحوّل الرقمي في العقدين الماضيين قد حسّنت مستويات المعيشة والظروف في بعض أجزاءٍ من العالم، إلّا أنَّ الأمم المتحدة تقول إن “مجموعاتٍ من الناس تُرِكَت خارج الموجة الحالية من الابتكارات”.
وكما تقول منظمة اليونيسيف، المنظمة المهتمة بالطفولة والتابعة للأمم المتحدة، فإنَّ هذه الفجوة الرقمية لا تتعلّق فقط بمَن لديه القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا ومَن لا يملكها – “تشمل الفجوة أيضًا العديد من التناقضات الأخرى، بما في ذلك جودة البنية التحتية الرقمية في المجتمعات الريفية، وسرعة الاتصال في المناطق النائية، والتدريب والمهارات اللازمة للتنقل في مثل هذه التكنولوجيا”.
ومن الجدير بالذكر أنَّ نهجَ أبوظبي في التعامل مع الذكاء الاصطناعي، والذي استغرقَ أكثر من عشر سنين لجمع الحكومة والمستثمرين والجامعات، يتضمّن خطواتٍ لجعل التكنولوجيا مألوفة وسهلة الوصول قدر الإمكان. وتؤكّدُ الاستراتيجية الجديدة على تمكين المواطنين من خلال التدريب على الذكاء الاصطناعي في إطارِ برنامج الذكاء الاصطناعي للجميع في الإمارة – وهو التزامٌ للجمهور بأنه سيكون جُزءًا من التغييرات التكنولوجية التي تحدث.
إنَّ مثلَ هذه الخطوات لتجنُّب “فجوة الذكاء الاصطناعي” المُتنامية مهمّة. وهذا يعني إدراج مفاهيم الذكاء الاصطناعي الأساسية في التعليم المدرسي. ومن الممكن رؤيةُ مثالٍ جيد على ذلك في أخبار الأسبوع الفائت التي تُفيدُ بأنَّ البرنامج الوطني للمبرمجين وشركة “سامسونغ الخليج للإلكترونيات” قد أعلنا عن توسيع برنامج “Galaxy AI Pioneers”. ويهدف هذا إلى جلب تعليم الذكاء الاصطناعي مباشرة إلى الفصول الدراسية في جميع أنحاء البلاد من خلال تدريبِ أكثر من 4,000 طالب في أبو ظبي ودبي على المهارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي مثل الترميز وإنشاء المحتوى والسلامة عبر الإنترنت.
لكن الاستراتيجية الشاملة تعني أيضًا جعل الذكاء الاصطناعي سهلَ الاستخدام وفعّالًا. قد يكون لدى الجيل “Z” القدرة على التعامل مع مثل هذه التكنولوجيا، ولكن لا ينبغي أن نعتبرَ أن الجميع يعرفون ومرتاحون للتعامل مع عالم الإنترنت. إنَّ جعل الذكاء الاصطناعي “للجميع” حقًا سيكون أمرًا بالغ الأهمية لنجاحه.
- عمّار الحلّاق هو مراسل “أسواق العرب” في أبو ظبي.