نوّاف سلام قادرٌ على تحقيقِ هدفِهِ وتشكيلِ الحكومةِ التي يُريد

مايكل يونغ*

ليس من المُستغرَب أن يتورَّط نوّاف سلام، رئيس الحكومة اللبنانية المُكلَّف، الآن مع حثالة السياسة التي تعتمد على تقاسم الكعكة في البلاد. وهذه الصورة تُخَيِّبُ آمالَ اللبنانيين الذين رحّبوا بانتخاب الرئيس العماد جوزيف عون باعتبار أنه نزيهٌ ولا دخلَ له بالممارسات القذرة التي كانت سائدة في الماضي. مع ذلك، فإنَّ عون وسلام يتمتّعان بالكثير من المزايا، والآن حانَ وقتهما للقتال من أجل التغيير الذي يقولان إنهما يُريدان تحقيقه.

ما زلنا في مرحلةٍ يُناقشُ فيها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المُكلَّف شكلَ الحكومة. ويبدو أنه لم يتم اقتراحُ أيّ أسماء، على الرُغم من أنَّ هذه العملية قد تكون في بدايتها. ويوم الثلاثاء، ردَّ سلام بقوة على الثنائي الشيعي، “حزب الله” و”حركة أمل”، الذي سعى إلى فرضِ شروطٍ في ما يتصل بتعيين الوزراء الشيعة. وأعلن “أنا لستُ ليبان بوست”، شركة البريد الوطنية، مُوَضِّحًا أنه ينوي تشكيل حكومة وفقاً لقناعاته ووعوده.

إنَّ سلام مُحقٌّ في رفع نبرته مع الحزبين، ولكن له الحق أيضًا في القيام بذلك مع كل الأحزاب والكتل البرلمانية. إنَّ دستور ما بعد الطائف يفرضُ التشاور بين رئيس الوزراء المُكلّف وأعضاء مجلس النواب، ولكن سلام ليس مُلزَمًا بأخذ ما يقولونه بعين الاعتبار. إنَّ الكلمة الأخيرة للبرلمان بشأن الحكومة هي تصويت الثقة، وينبغي لسلام أن يستغلَّ هذه المعايير للحصول على ما يريد، بالاتفاق مع عون. والأمر الأكثر أهمية هو أنه يحتاج إلى وضع خطوط حمراء وتجنُّب ما لا يريده هو ورئيس الجمهورية، وهنا يكمن التحدّي.

كان أحد تصريحات سلام الأولى أنه لن يلجأ إلى الحصص في الحكومة، وهو التقليد الذي حوَّلَ كل الحكومات اللبنانية إلى هيئاتٍ غير مُنتِجة ومتعثِّرة ومُقسَّمة بين الأحزاب السياسية الطائفية. مع ذلك، استمر الثنائي الشيعي (وليس الوحيد) في التعامل مع عملية تشكيل الحكومة الحالية بردود الفعل عينها التي كانت سائدة في الماضي كأنَّ لا شيء حدث أو تغيّر. إنَّ “حزب الله” و”أمل” يصرّان على أن يكون وزير المالية شيعيًا، وأن يُعَيِّن “حزب الله” و”أمل” جميع الوزراء الشيعة، بل وحتى أن يظلَّ حاكم مصرف لبنان المركزي بالوكالة وسيم منصوري ويصبح حاكمًا أصيلًا، على الرُغم من أنَّ المنصبَ كان يشغله تقليديًا ماروني.

هناك أسبابٌ تكتيكية وراء مطالب “حزب الله” و”أمل”. فهما مُعاديان للبرامج السياسية المُعلَنة لعون وسلام، ويسعيان إلى زعزعة استقرار الرجلَين في بداية العهد الجديد. ولكن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلَّف لديهما عددٌ لا بأس به من الأسلحة الخاصة بهما، وينبغي لهما أن يبدأا استخدامها على الفور.

في الواقع هناك ثلاثة خطوط حمراء ينبغي لعون وسلام أن يصرّا عليها. الأول هو حرمان “حزب الله” و”أمل” من الثلث المعطل في مجلس الوزراء ـأي ثلث المقاعد زائد واحد ـ الذي من شأنه أن يسمح لهما بإسقاط مجلس الوزراء إذا استقال وزراؤهما، ومنع اجتماعات مجلس الوزراء، وفرض تفضيلاتهما في بيان السياسة العامة لمجلس الوزراء. ولا ينبغي لعون وسلام أن يقبلا بشكلٍ مُقَنَّعٍ للثلث المعطل، حيث لن يكون ل”حزب الله” و”أمل” رسميًا أكثر من ثلث الوزراء، ولكنهما سيسيطران سرًّا على قرارات وزير إضافي يبدو أنه ينتمي إلى حصة حزب آخر في مجلس الوزراء.

والخط الأحمر الثاني هو أن يرفضَ الرجلان أي ذكر للثُلاثية التي تضمّنتها كل البيانات الوزارية الأخيرة، وهي “الجيش والشعب والمقاومة”. فقد وضعت هذه الصيغة “حزب الله” فعليًّا على مستوى الجيش نفسه من حيث امتلاك الأسلحة والشرعية. وهذا لم يَعُد مقبولًا الآن لأن أغلبية كبيرة من السكان تعارض ترسانة الحزب المستقلة. إنَّ عون، كما أعلن في خطاب تنصيبه، وسط تصفيق حار، سوف يعمل على “ضمان حق الدولة في احتكار الأسلحة”، الأمر الذي يجعل قبول صيغة “الجيش والشعب والمقاومة” مستحيلًا.

النقطة الثالثة التي ينبغي لعون وسلام أن يجعلاها غير قابلة للتفاوض هي حق رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء في تسمية الوزراء الشيعة، بغض النظر عمّا يفضله “حزب الله” و”أمل”. فلا شيءَ في الدستور يمنح الأحزاب السياسية الطائفية الحق في تعيين جميع الوزراء من طائفتها. وسوف يردُّ الثنائي الشيعي بأنَّ أيَّ رفضٍ لمنحهم رغبتهم يتعارض مع الميثاق الوطني، ولكن هذا هراء. فالتمثيل الطائفي ليس مُرتَبطًا بالأحزاب السياسية؛ بل هو مُرتبطٌ بالطوائف. وسلام لن يحرم الطائفة الشيعية بأيِّ حال من الأحوال من نصيبها العادل من الوزراء.

إذا مضى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المُكلَّف قدمًا بهذه الشروط، فما الذي يُخاطران به؟ ​​أن يرفض الثنائي الشيعي المشاركة في الحكومة أو معارضتها؟ فكّر مرة أخرى. لا يمكن ل”حزب الله” و”أمل” فعل ذلك، وذلك لسببين: أوّلًا، لا يريدان التنازل عن مساحة المناورة لعون وسلام لاتخاذ خطواتٍ قد تُضعفُ الثنائي الشيعي أكثر. وثانيًا، إذا خرجا من الحكومة، فمن المرجح أن يحصل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المُكلّف على تمويلٍ أجنبي، وخصوصًا التمويل العربي، لإعادة بناء المناطق الشيعية في لبنان. بعبارة أخرى، ستكون الحكومة التي يغيب عنها “حزب الله” و”أمل” هي المسؤولة عن إحياء المناطق الشيعية، وهو ما من شأنه أن يُبرِزَ فقط أوجه القصور لدى “حزب الله” وإيران في هذا الصدد. ومن غير المعقول أن يضع “حزب الله” و”أمل” نفسيهما في مثل هذا الموقف، وهو الموقف الذي من شأنه أن يُعزّز مصداقية الدولة بين العديد من الشيعة.

وقد يلجأ “حزب الله” و”أمل” إلى خدعةٍ أخرى ويرفضان التصويت على الثقة بالحكومة. فماذا إذن بعد ذلك؟ من المؤكد تقريبًا أنَّ حكومة سلام، إذا ما نُظِرَ إليها باعتبارها حكومة إصلاحية حقيقية، سوف تفوز بسهولة بتصويت الثقة في البرلمان. وهذا كل ما يحتاج إليه سلام، وإذا كان الحزبان الشيعيان غير راضيين، فما الذي قد يجعل هذا الأمر مهمًا؟ إنَّ لبنان قادرٌ على العمل بشكلٍ مشروع حتى في غياب الإجماع المطلق على كل القرارات في الدولة، وقد حان الوقت لإثبات ذلك.

لكن ماذا لو خسرت حكومة سلام بطريقة أو بأخرى تصويت الثقة؟ يتعيّن على عون ورئيس الوزراء المُكلّف أن يُقدّما حكومتهما من خلال تسليط الضوء على نواياهما الإصلاحية، وتأكيد اعتقادهما بأنَّ لبنان لم يعد قادرًا على الاستمرار كما كان طيلة العقد ونصف العقد الماضيين، وتوضيح أنه إذا لم تفز الحكومة بتصويت الثقة، فإنَّ احتمالات المساعدات العربية لإعادة بناء المناطق المدمَّرة من البلاد سوف تختفي على الأرجح. ويمكنهما تذكير الجميع بأنَّ خطوطهما الحمراء تهدف إلى تحقيق الأهداف التي أعلنها الرجلان علنًا والتي رحّب بها معظم اللبنانيين، وبالتالي فإنَّ الأمرَ متروك للبرلمان لتحمّل المسؤولية عن نتيجة تصويته. ويمكن لسلام أن يختتم حديثه بتصريح مفاده أنه ليست لديه مصلحة في تشكيل حكومة محكوم عليها بالفشل، وبالتالي إذا حُرم من الثقة، فسوف يعود إلى منزله ويستمتع بالحياة بسعادة.

في هذه المرحلة، لا يوجد أمام سلام سوى واجب واحد: تشكيل حكومة تُلبّي تفضيلاته وتفضيلات جوزيف عون، ويمكنها تأمين تصويت الثقة في البرلمان. هذا ما ينص عليه الدستور، انتهت القصة. يتعيّن على “حزب الله” و”أمل” أن يُدركا أنَّ أيَّ تأخيرٍ في القيام بذلك من شأنه أن يضرَّ بمصالحهما، لأنه يعني إهدار المزيد من الوقت للحصول على التمويل لإعادة بناء المناطق الشيعية، في حين يتزايد الاستياء في المجتمع بسبب عواقب حرب “حزب الله”. والأمر الأكثر ضررًا هو أنَّ أيَّ تباطؤ في عملية تشكيل الحكومة من شأنه أن يعطي إسرائيل ذريعة للبقاء في الجنوب، ولن تكون إدارة دونالد ترامب  هذه هي التي ستدفعها قريبًا إلى الخروج.

وأخيرًا، يتعيّن على سلام، وهو علماني إلى حد ما، أن ينظرَ إلى وضعه وأين يقف. سواء لعب الورقة الطائفية أم لا، فإنَّ موقفه لا بُدَّ وأن يتحدّدَ بالحقيقة البسيطة المتمثّلة في أنه يقف في طليعة المجتمع السنّي المُتجدّد والمُنتعش في لبنان وسوريا. وعلى هذا فهو في وضعٍ يسمح له بتشكيل حكومته في ظل الثقة المُصاحبة لمثل هذا الموقف. وليس من الضروري أن ينحني أمام ترهيب خصومه السياسيين إذا كانت الشروط التي يسعون إلى فرضها لن تؤدي إلّا إلى إحباط جهوده.

إنَّ سلام يحملُ الأوراقَ القوية في مواجهته مع الثُنائي الشيعي. فهو مدعومٌ من قِبَل رئيس الجمهورية، ومعظم اللبنانيين، ومجتمعه، والدول العربية والدولية. وهو مدعومٌ أيضًا بالدستور. وببساطة ليس هناك من سبب يدعوه إلى التنازل عن طموحاته إذا لم يكُن مُضطرًّا إلى ذلك. وقد يتطلّب الأمرُ شجارًا سياسيًا لكي يفوز، ولكن يتعيّن عليه أن يُدرِك أنَّ الظروف لن تكون أبدًا مواتية كما هي الآن.

  • مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى