ماذا يعني اتصال الشرع برئيس الإمارات؟

محمّد قوّاص*

في 17 كانون الثاني (يناير) الجاري، أجرى، أحمد الشرع، القائد العام للإدارة الانتقالية في سوريا اتصالًا هاتفيًا مع رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. بدا الخبر لافتًا لجهة أنه الاتّصال العلني الأوّل الذي يُجريهِ الشرع مع زعيم دولة في العام، ولجهة أنَّ ذلك الاتصال يجري مع رئيس دولة الإمارات بالذات، ولجهة أنَّ رئيس الدولة قَبِلَ تلقّي ذلك الاتصال ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية مضمون ما جرى فيه.
يعبّر الحدث عن براغماتية إماراتية في التعامل مع التطوّرات السورية، وعن حنكة الشرع في فَهمِ أهمية علاقات بلاده مع الإمارات والإنصات إلى ما صدر ويصدر عنها. ولئن لم تخفِ الإمارات منذ اليوم الأول لسقوط نظام بشّار الأسد، في 8 كانون الأول (يناير) 2024، قلقها من أن يصبح البلد مصدر تطرّف وإرهاب، وفق تصريح أنور قرقاش، المستشار الديبلوماسي لرئيس الدولة، فإن اتصال دمشق بأبوظبي يكشف مسارًا متطوّرًا قد تحقق مذاك.
لم يكن مُستَغرَبًا أن تُبدي الإمارات مواقف حذرة من المُستَجِدّ السوري. تتّسق تلك المواقف بدقّة مع نهج الإمارات الدائم في مكافحة الإرهاب والتصدّي لجماعاته ودعم مفهوم الدولة ضد منطق الدويلات. ولطالما عملت الإمارات على تشجيع نهج التسامح الديني واحترام الثقافات على منوال ما هو معمول به داخل بلد يستضيف مئات الجنسيات بتقاليدها وكنائسها ومعابدها ومراكزها الدينية.
ومن يتفحّص كل كلمة صدرت عن الإمارات بشأن تطوّرات سوريا، سيجد في طيّاتها قلقًا من مغبّة انتعاش جماعات إرهابية عانت منها المنطقة والعالم. لكنه سيجد أيضًا رسائلَ حرصٍ على سوريا ووحدة شعبها وسلامة حدودها. ولئن حضر النهج الإماراتي في البيان الصادر عن اجتماع لجنة الاتصال العربي بشأن سوريا في مدينة العقبة في الأردن في 14 كانون الأول (يناير)، أي بعد أسبوع على سقوط النظام في دمشق، فإنَّ الشرع في سوريا أصغى لرسائل العرب من هناك وقرأ جيدًا رسائل الإمارات قبل ذلك.
كان سهلًا استنتاج تحوّلات متأنية تجري بشكٍل متدرّج في نظرة الإمارات إلى الحدث السوري. بدا الإعلام الإماراتي شفّافًا في التعبير عن هذا التدرّج وصولًا إلى انتقال أحد منابره الأساسية لبث رسائل وبرامج حوارية من دمشق نفسها. بدا أيضا أنَّ الإمارات تنقل رسائلها إلى سوريا وكأنها دفتر وصايا لحسن علاقة سوريا بالعالم عامة، والإمارات خصوصًا. بدا واضحا أنَّ البراغماتية التي دفعت الإمارات للتعامل مع أفغانستان في ظل طالبان ضمن قواعد وشروط، تنشط باتجاه سوريا وفق القواعد والشروط.
لم تُحِد الإمارات عن إجماعٍ دولي عربي يدفع الإدارة الجديدة في سوريا إلى التقيّد بمعايير العصر لجهة بناء دولة تمثًل مكوّنات الشعب السوري ولا تُمثّل خطرًا على دول المنطقة والعالم. بمعنى آخر لم تكن للإمارات أي شروط خاصة تختلف عما عبّرت عنه بيانات العقبة في الأردن، والاتحاد الاوروبي في بروكسل، والولايات المتحدة في واشنطن، والأمم المتحدة في نيويورك. ولئن تواصل وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، مع وزير الخارجية في الحكومة السورية الانتقالية، أسعد الشيباني، بعد أسبوعين على سقوط النظام السابق، ويستقبله والوفد المرافق له في أبوظبي في السادس من الشهر الجاري، فإنَّ الإمارات بدت مصغية لمواقف دمشق مبدية الاستعداد بحذر للثقة بخطابها.
في التوصيف الرسمي لاتصال الشرع مع رئيس الإمارات، أوضحت وكالة أنباء الإماراتً أنَّ رئيس البلاد جدد موقف دولة الإمارات الثابت تجاه دعم استقلال سوريا وسيادتها على كامل أراضيها ووقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق، ودعمها المساعي كافة التي تهدف إلى تحقيق تطلعاته إلى الأمن والسلام والاستقرار والحياة الكريمة. بالمقابل تحدثت وكالة “سانا” السورية الرسمية عن أنَّ الاتصال تناول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين بما يخدم المصالح المشتركة، وشدد على أهمية التنسيق المستمر وتكثيف الجهود لدعم الشعب السوري وحماية وحدة أراضيه والتزامهما بالعمل المشترك لتحقيق الاستقرار والتنمية في المنطقة. وفي كلا “الروايتين” تقاطع من تفاهمات على ثوابت وأصول.
يُدركُ الشرع أهمية احتضان العرب للتطوّر السوري الكبير. يُدرك أيضًا ما تملكه الإمارات من مكانةٍ داخل الدائرتين، العربية والدولية. وفيما اجتهد في بعث الرسائل الصحيحة إلى العالم ويعدُّ بحوار وطني وانتقال تدريجي نحو منطق الدستور والدولة، فإنه في اتصاله برئيس دولة الإمارات يكشف عن قدرةٍ على حسن قراءة التوصيات وفهم رسائل القلق وإدراك ما حملته مواقف الإمارات بنسخاتها الرسمية المباشرة وغير المباشرة من إشارات. وبدا في ذلك الاتصال أنَّ اللبيبَ من الإشارةِ يفهم.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى