“عُطرُ امرأة” يفوحُ على الجامعات الأميركية

البروفِسور بيار الخوري*

في الفيلمِ الكلاسيكي الشهير “عُطرُ امرأة ” (Scent of a Woman) الذي نال عن دوره فيه جائزة الأوسكار، يُقَدِّم آل باتشينو أداءً مُمَيَّزًا مُثيرًا للإعجاب في شخصيّة العقيد فرانك سلايد، الذي يُجَسِّدُ التزامًا لا يتزعزَعُ بالنزاهة والعدالة والذي لا زالَ يتردَّدُ في ذاكرةِ كلِّ مَن شاهَدَ هذا الفيلم حتى اليوم. يُجَسِّدُ خطابُ سلايد المُتَحَمِّس للقِيَمِ الإنسانية الكُبرى ولمبادئ تتجاوزُ الشاشة وتُرَدَّدُ في نضالاتِ العالم الحقيقي من أجلِ العدلِ والمساواة. وبشكلٍ ليس مُفاجئًا، هناكَ تشابهٌ ملحوظٌ بين القِيَمِ الأساسية المُصَوَّرة في “عُطرِ امرأة” والاحتجاجاتِ الحامية التي اندلعت في الجامعات الأميركية ضد المَقتَلة الرهيبة في قطاع غزة.

“عُطرُ امرأة” هو فيلمٌ درامي أميركي عُرِضَ في العام 1992، من إنتاج وإخراج مارتن بريست، وبطولة آل باتشينو وكريس أدونيل. يروي الفيلمُ قصّةَ شابٍ يُدعى تشارلي سيمز، الذي يقبلُ وظيفةَ مُرافِق في العطلة لفرانك سلايد، الذي فَقَدَ بصره وهو عقيدٌ متقاعد من الجيش. خلالَ عطلة نهاية الأسبوع في مدينة نيويورك، تتطوّرُ علاقةٌ فريدة بين سيمز وسلايد، حيث يعيش سيمز تجارب حياة مليئة بالمغامرات والدروس القَيِّمة، بينما يُعلِّمه سلايد أهمّية الشجاعة والنزاهة وقِيَمِ الحياة. تُتَوَّجُ القصة بخطابٍ مؤثّر من سلايد أمام هيئة المُحلِفين في المدرسة، حيث يدافع عن سيمز ويحارب من أجل العدالة والكرامة.

تتمحوَرُ الأحداث حول لحظةِ تَحَوُّلٍ حاسمة عندما يجدُ تشارلي سيمز نفسه في وسطِ مواجهةٍ قانونية غير مُتَوَقَّعة ومُتَّهمًا بانتهاكاتٍ قانونية خطيرة في المدرسة. تتفاقَمُ الأمور عندما يواجه تشارلي لجنةَ تحقيقٍ داخلية في المدرسة، تتّهمهُ بسلوكٍ غير مُلائمٍ وتُحاوِلُ إثباتَ تورّطِهِ في أفعالٍ غير قانونية، اتهامات مدفوعة بهدف حماية ابن رجلٍ ثري ومُمَوِّلٍ للمدرسة.

يكون سلايد عنصرًا داعمًا أساسيًا لتشارلي خلال هذه التجربة الصعبة، حيثُ يُقدّمُ له النصحَ والدَعمَ ويُعزّزُ ثقته في النفس. ومن خلال توجيهاته ونصائحه، يتمكّن سيمز من التصدّي لاتهاماتِ اللجنة والتعبير عن أخلاقه الراقية.

في اللحظة الحاسمة في المحكمة، يتدخّل سلايد لينطلق في انتقادٍ مَريرٍ ضدّ الانحلالِ الأخلاقي وتدهورِ النزاهة في ذلك الصرح الأميركي الذي تقومُ رسالته على إنتاجِ القادة. تلك الكلمات تُذكّرنا بأهمّيةِ رَفعِ الصوت ضد الظلم بلا تردّد، بغَضِّ النظر عن العواقب. بالمثل، تعتمدُ الاحتجاجات في الجامعات الأميركية حاليًا ضدّ الوضعِ في غزة على إيمانٍ عميقٍ بحقوقِ المظلومين، ورَفضِ الصمت أمام معاناتهم الإنسانية.

في خضمِّ هذه الاحتجاجات، تتصاعدُ الأصواتُ انضمامًا إلى أصواتِ الفلسطينيين المُضطَهَدين، والتي تعكُسُ شعاراتها مضمونَ القضايا العالمية الكبرى، خصوصًا مع عبارةِ المتظاهرين: “أرفضُ أن أغُضَّ الطرفَ عن الظُلم!” التي تتردّد عبر الأحرام الجامعية، حيثُ يَتَّحِدُ الطلاب والناشطون على حدٍّ سواء للمُطالبة بالمُساءلة والدعوة إلى التغيير.

علاوةً على ذلك، يجدُ فيلم “عطر امرأة” والاحتجاجات في الجامعات الأميركية دعمًا للشبكات التي تنشأ ضمن المجتمعات الجامعية. تمامًا كما يُوَجّهُ سلايد ويُشَجّعُ الشاب تشارلي سيمز، يَتَّحِدُ الطلاب من خلفياتٍ متنوِّعة لدعمِ وتعزيزِ الأصواتِ المهمَّشة. إنَّ أفعالَ الطلاب تُجَسّدُ روحَ التضامن والعمل الجماعي، تمامًا كما كلمات سلايد: “لا يوجَدُ طغيانٌ أعظمَ من ذلك الذي يَختَبِئُ تحتَ درعِ القانون وباسم العدالة.”

تُمثّلُ القِيَمُ الأساسية المُصَوَّرة في “عطر امرأة” تذكيرًا مؤثّرًا بأهمّية النزاهة والعدالة والقيادة الرشيدة والدعوة إلى النضال من أجلِ “الصَحّ”، بينما تستمرُّ الاحتجاجاتُ في الجامعات الأميركية، كرَجعِ الصدى لنداءاتِ سلايد للخفاظِ على القِيَمِ ضدّ الظلم والسعي إلى عالمٍ أكثر عدالة.

“عُطرُ امرأة” هو فيلمٌ روائي، والاحتجاجاتُ في الجامعات الأميركية هي حقيقةٌ ملموسةٌ تتمحوَرُ حولَ قضايا حيوية للعدالة والحقوق الإنسانية. فهل تُنتِجُ الاحتجاجاتُ الاميركية مُرَشَّحًا كفرانك سلايد حريصًاعلى القِيَمِ الانسانية الكبرى بما يتجاوَزُ الحِزبَين الغارِقَين في وحولِ المَقتَلة. مَن سيَفوزُ بعُطرِ المرأة الأخّاذ؟

  • البروفسور بيار الخوري هو باحث أكاديمي لبناني وكاتب في الاقتصاد السياسي. يُمكِنُ متابعته عبر موقعه الإلكتروني: pierrekhoury.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى