“داعش” على حافةِ الانهيار في سوريا، أيُّ انتقالٍ ناجحٍ في دمشق قد يُوجِّهُ له ضربةً قاضية

في هذه المرحلة المبكرة من العملية الانتقالية في سوريا، تتاح للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها فرصة ثمينة لتشكيل ملامح المرحلة المقبلة، بما في ذلك على المستوى الأمني. إنَّ توجيه ضربة قاضية ل”داعش” أصبح الآن هدفًا ممكنًا، لكن الأمر يتطلّب المزيد من التكيُّف، ومزيدًا من الديبلوماسية العسكرية، ومضاعفة الجهود على الأرض لضرب “داعش” بينما لا يزال ضعيفًا – وقبل أن يستعيدَ زخمه مرّة أخرى.

مخيمات معتقلي “داعش” لدى الأكراد: قنبلة موقوتة إذا لم يكن هناك حلٌّ قريب.

تشارلز ليستر*

على مدارِ معظم العقدَين الماضيين، حظي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بظروفٍ مواتية في سوريا، ولكن منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، تغيّرت ديناميكيات الأمور. مع رحيل الأسد، خسر “داعش” ملاذه الآمن الراسخ والحيوي في صحراء وسط سوريا، ومُحَرِّكهُ الأهم في التجنيد. وكانت النتائج -حتى الآن- دراماتيكية.

في العام 2024، عاد “داعش” إلى الظهور في سوريا، مُنفّذًا 59 هجومًا في المتوسّط ​​شهريًا، ولكن منذ رحيل الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، انخفضَ معدّل عملياته بنسبة 80% – إلى 12 هجومًا فقط شهريًا في المتوسّط. والأهم من ذلك، انخفَضَ معدّل فتك هجمات “داعش” بنسبة 97% – من 63 قتيلًا شهريًا في عهد الأسد في العام 2024 إلى قتيلين فقط شهريًا منذ ذلك الحين.

هناكَ أسبابٌ عديدة لهذا التغيير الجذري، ترتبطُ جميعها بديناميكياتٍ جديدة برزت مع سقوط نظام الأسد. ومع ذلك، ستُثبتُ هذه التغييرات أنها عابرة إذا لم يُدَر الواقع السوري الجديد بشكلٍ جيد. في نهاية المطاف، لن تتحقّقَ الهزيمة الدائمة ل”داعش” إلّا بنجاح المرحلة الانتقالية في سوريا – بتشكيل حكومة تُمثل التنوُّع الغني للبلاد؛ واقتصاد مُنِحَ هواءً للتنفُّس من خلال تخفيف العقوبات، والاستثمارات الكبيرة، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وإعادة الإعمار؛ وبالتسريح التدريجي لمجتمعٍ مُثقلٍ بالسلاح نتيجة ما يقرب من 14 عامًا من الصراع الأهلي الوحشي.

إذا لم تتطوَّر هذه الجوانب الرئيسة لتعافي سوريا بعد الحرب، فستعود مقوّمات عودة “داعش” من جديد. بعد أربعة أشهر من المرحلة الانتقالية الهشّة للغاية في سوريا، هناك بالفعل دلائل على أنَّ “داعش” قد يكون على طريق التعافي مرةً أخرى.

الديناميكيات المتغيّرة تعيد تشكيل الشراكة بين الولايات المتحدة و”قسد”

مع فرار الأسد إلى موسكو في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2024، حلّقت الطائرات الأميركية في الأجواء وشنّت ما لا يقل عن 75 غارة على البنية التحتية لمعسكر تدريب “داعش” الواسع في الصحراء الوسطى السورية. وعلى الرُغم من مسؤوليته عن هذه المساحة الشاسعة من الأراضي منذ أوائل العام 2017، فقد أثبت نظام الأسد عجزه وعدم رغبته في ممارسة سيطرة حقيقية ومستدامة. بالنسبة إلى الأسد وداعميه الروس والإيرانيين، كانت الحرب مع المعارضة السورية الرئيسة أولوية أكبر بكثير. بعد أن هزم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تنظيم “داعش” على أرضه في أوائل العام 2019، اضطرَّ إلى مشاهدة فلول التنظيم يتعافى تدريجًا ويُعيدُ بناء نفسه عبر نهر الفرات – محميًا باتفاقية ثُنائية أميركية-روسية لفضِّ النزاع، والتي منعت أيَّ تدخُّل أميركي في المناطق الخاضعة لإدارة الأسد.

مع هذه الديناميكية الإشكالية، بدأت مساوئ الشراكة الأميركية مع قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بالظهور في السنوات الأخيرة. فبينما أثبتت “قسد” أنها شريكٌ حازمٌ وقادرٌ ومخلصٌ في الحرب ضد “داعش”، إلّا أنَّ الدورَ المُهَيمِن الذي تلعبه مكوّناتها الكردية قد انتقصَ من قدرتها على تحويل المكاسب العسكرية التكتيكية إلى نصرٍ استراتيجي. في المناطق العربية السنّية الأساسية في شمال شرق سوريا (جنوب الحسكة، وجنوب الرقة، ودير الزور)، أدت الإيديولوجية الاجتماعية والسياسية لحزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، التي تُشكّلُ سياسات الحكم في “الإدارة الذاتية” التابعة لقوات سوريا الديموقراطية، إلى تأجيجِ استياءٍ متزايد. وقد أدّى ذلك إلى خلقِ فُرَصٍ لنظام الأسد وإيران لإثارة الانتفاضات القبلية، ولكنه ساهم أيضًا في تنشيط السرديات المحلّية ل”داعش” وتعزيز التجنيد.

عندما سقَطَ نظام الأسد، تلقّت الأجندة السياسية ل”قسد” ضربةً موجعة، فتحوّلت بين ليلة وضحاها من بديلٍ لحُكمِ نظامٍ وحشي إلى مشكلةٍ يُنظر إليها على نطاقٍ واسع بأنها قوة “احتلال” تُسيطر على ثلث سوريا ومعظم مواردها الطبيعية القيّمة. ورُغمَ التعقيدات الكبيرة العديدة التي طرحتها مرحلة ما بعد الأسد التي تديرها “هيئة تحرير الشام،” فإنَّ السوريين في جميع أنحاء البلاد يتوقعون الآن بغالبيةٍ ساحقة إعادة توحيد سوريا خلف حكومةٍ انتقالية في دمشق.إنَّ مطالب “قسد” باللامركزية والفيدرالية تُثيرُ مخاوفَ حادة لدى معظم السوريين، الذين طالما خشوا تفكُّك البلاد أكثر من أيِّ قلقٍ هيكلي آخر تقريبًا.

بعدما أمضى الجيش الأميركي العقد الماضي مخلصًا بشكلٍ ساحق -وأحيانًا بشكلٍ أعمى تقريبًا- لأجندة “قسد”، كان سريعًا بشكلٍ مثيرٍ للإعجاب في التكيُّفِ مع الظروف السورية الجديدة. وقد لعب قائد التحالف ضد “داعش”، الجنرال كيفن ليهي، دورًا محوريًا في التواصل مع السلطات السورية الجديدة، وبناء علاقة عمل معها، وإجبار “قسد” على الجلوس على طاولة التفاوض مع دمشق. وقد تمَّ التوصُّلُ إلى الاتفاق الإطاري الذي وقعه الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع وزعيم “قسد” مظلوم عبدي في 10 آذار (مارس) بفضلِ زيارةٍ شخصية قام بها قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا في 7 آذار (مارس) ودفعةٍ قوية في اللحظة الأخيرة من قبل الجنرال ليهي.

وفقًا لاجتماعاتٍ رفيعة المستوى عُقدت في البنتاغون والقيادة المركزية الأميركية، فإنَّ الأولوية القصوى لأميركا في سوريا حاليًا هي ضمان استقرار العملية الانتقالية الجارية في دمشق، واحتكار الحكومة الجديدة استخدام القوة. وهذا يُلقي بعبء إبرام اتفاق على عاتق “قسد” وإظهار مرونة أكبر بكثير مما اعتادت عليه في المحادثات مع المعارضة السورية أو أي حكومة في دمشق.

وبدأ هذا الأمر يُؤتي ثماره بالفعل. فإلى جانب اتفاق الإطار الموقَّع في آذار (مارس)، سحبت “قسد” قواتها العسكرية من مدينة حلب، ومن خطِّ المواجهة ذي الأهمية الاستراتيجية عند سد تشرين – حيث لعبت القيادة المركزية الأميركية مرة أخرى دورًا رئيسًا في الوساطة. وتجتمع لجانٌ من الحكومة السورية و”قسد” للتخطيط للمراحل التالية من المصالحة والتكامل، بما في ذلك انسحاب “قسد” من مناطق إضافية في شرق حلب، مثل دير حافر، ومركة، وجسر قره قوزاق على نهر الفرات. استأنفت “قسد” أيضًا نقل النفط إلى دمشق، وتجري محادثات لتولي الحكومة الانتقالية السورية السيطرة على شبكة حقول النفط المنتشرة في أنحاء أراضيها. تُعَدُّ هذه خطوات بالغة الأهمية في الاتجاه الصحيح، إذ تُسهم في تخفيف التوترات بين “قسد” ودمشق، وبناء الثقة للتوصُّل إلى اتفاقٍ أكثر جوهرية يُعيد دمج مناطق “قسد” في الدولة السورية.

إقامةُ علاقاتٍ مع دمشق

في الوقت الذي يدفع الجيش الأميركي قوات سوريا الديموقراطية نحو دمشق، أقامت دوائر الاستخبارات والجيش الأميركي علاقات عسكرية واسنخباراتية مثمرة مع الحكومة السورية الجديدة في مجال مكافحة الإرهاب. فبالإضافة إلى أول لقاء للجنرال ليهي مع الشرع في كانون الأول (ديسمبر) 2024، سعى الجيش الأميركي أيضًا إلى انضمام شريكه السوري الآخر، “الجيش السوري الحر” (المتمركز في قاعدة التنف)، رسميًا إلى وزارة الدفاع السورية الجديدة في كانون الثاني (يناير) 2025. ويواصل مقاتلوه تلقي التدريب العسكري الأميركي، بينما يقومون بدوريات في عمق الصحراء السورية الوسطى، حول مناطق مثل تدمر والسخنة. بعبارة أخرى، أصبح لدى الولايات المتحدة الآن قوة شريكة تعمل ضمن الحكومة السورية الانتقالية.

يتواصلُ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة حاليًا بشكل شبه يومي مع وزارة الدفاع السورية، لفضِّ الاشتباك وتنسيق الدوريات والطلعات الجوية وعمليات مكافحة “داعش”. كما تمَّ تأسيسُ علاقةٍ لتبادُل المعلومات الاستخباراتية، والتي أثمرت نتائج مهمة. لقد أحبطت وزارة الداخلية السورية ما لا يقل عن تسعة مخطّطات ل”داعش” لشنِّ هجماتٍ جماعية في دمشق منذ كانون الثاني (يناير)، ويعود الفضل في ذلك في الغالب إلى معلومات استخباراتية قدمتها الولايات المتحدة. وشهد شهر شباط (فبراير) سلسلةً من الغارات الأميركية بطائراتٍ مُسَيَّرة استهدفت عناصر من تنظيم “القاعدة” في إدلب، وذلك بفضل معلومات استخباراتية قدمتها دمشق. وعندما ألقت قوات الحكومة السورية القبض على القيادي البارز في “داعش”، أبو الحارث العراقي، في منتصف شباط (فبراير)، أدت المعلومات الاستخباراتية المستقاة من استجوابه مباشرةً إلى مقتل الرجل الثاني في “داعش”، عبد الله مكي الرفاعي (أبو خديجة)، على أيدي قوات أميركية وعراقية مشتركة، بعد شهر.

في هذا السياق، تراجعت قدرة “داعش” على فَرضِ وجودها كما فعلت في العام 2024 تراجُعًا حادًا. ومع ذلك، فإنَّ “داعش” الذي يستعيدُ نشاطه بإصرار لا يتلاشى بين عشية وضحاها ويتعرّض للهزيمة. فقد شنّ التنظيم هجومين في سوريا في كانون الثاني (يناير)، وتسعة في شباط (فبراير)، و19 في آذار (مارس). وفي الأسبوعين الأولين من نيسان (أبريل)، نفّذ “داعش” ما لا يقل عن 14 هجومًا، مما يضعه على مسار زيادة رابعة في عملياته على أساس شهري. ولمنع التنظيم من التعافي إلى ما كان عليه قبل ستة أشهر، تحتفظ الولايات المتحدة بمسؤوليات وفرص كبيرة.

مع تعزيز انتشار القوات الأميركية البالغ عددها 2000 جندي، والانخفاض الملحوظ في الأعمال العدائية والتوترات بين تركيا ووكلائها السوريين من جهة، و”قسد” من جهة أخرى، فقد حان الوقت لرفع مستوى الاستعدادات واستئصال ما تبقّى من البنية التحتية السرية ل”داعش”. ويبدو أنَّ غالبية هذه العمليات تقع داخل الأراضي التي تسيطر عليها “قسد”، حيث إنَّ هجومًا واحدًا فقط من أصل 40 هجومًا شنّها “داعش” حتى الآن في العام 2025 كان في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، غرب نهر الفرات. ينبغي تكثيف العمليات الأحادية والشراكة مع “قسد”، ومنح الأصول الجوية صلاحية ضرب أهداف “داعش” المُكتشفة على المستوى التكتيكي. كما ينبغي على الولايات المتحدة تعزيز المحادثات الناشئة مع دمشق لإنشاء آلية تنسيق عبر نهر الفرات لضمان عدم قدرة “داعش” على استغلال مناطق سيطرتها المختلفة للتخطيط للهجمات وشنّها والتعافي منها.

أزمة المعتقلين في شمال شرق سوريا

لم يُخفِ الرئيس دونالد ترامب رغبته في الانسحاب من سوريا، لذا قد يكون الوقت يمرُّ بسرعة في ما يتعلق بالقدرة على الضغط عسكريًا بشكلٍ فعّال على “داعش”، الذي أصبح أخيرًا ضعيفًا بشكلٍ مؤقت. مع احتمال انسحاب الولايات المتحدة في الأفق، ينبغي على واشنطن أيضًا مضاعفة دعمها لتحالف أمني إقليمي ناشئ يجمع العراق والأردن ولبنان وتركيا وسوريا. ستكون هيئة متعددة الأطراف كهذه هي التي تتمتع بأفضل فرصة لتنسيق تحدٍّ فعّال طويل الأمد ل”داعش”، مع دعم سوريا قوية ومستقرة وذات قدرات عسكرية في الوقت نفسه. وسوف يُثبتُ ذلك أيضًا أنه آلية ذات أهمية حيوية لإدارة أزمة المعتقلين المستمرة في شمال شرق سوريا – حيث لا يزال حوالي 9,500 مقاتل من “داعش” و40 ألف امرأة وطفل مرتبطين بالتنظيم يعانون في السجون والمعسكرات الآمنة.

في خضم المرحلة الانتقالية في سوريا، وما يُحيطُ بها من غموضٍ عميق وتحوّلات ديناميكية، نادرًا ما كانت الأوضاع داخل هذه السجون والمخيّمات أكثر حساسية وهشاشة مما هي عليه الآن. ووفقًا لمصدرٍ رفيع المستوى في قوات سوريا الديمقراطية، فقد أُحبطت بالفعل ثلاثة مخططات كبيرة ل”داعش” لمهاجمة السجون. لا يزال مخيم الهول يُشكل مصدر قلق أمني بالغ، ولكن بعد سنوات من الاستقرار، تدهورت الأوضاع في مخيم روج في الأشهر الأخيرة. قُتلت فتاة مغربية بوحشية على أيدي عناصر من “داعش” في 25 آذار (مارس)؛ وخلال الفترة من 5 إلى 7 نيسان (أبريل)، شنت “قسد” حملة أمنية في المخيم، واعتقلت 16 عنصرًا من “داعش”، وصادرت أسلحة، واكتشفت العديد من “مدارس داعش”.

مع تركيز الاهتمام الدولي على مناطق أخرى، يُعد الآن الوقت الأمثل ل”داعش” لشنِّ هجومٍ كبير على مراكز الاحتجاز في سوريا. في حين أنَّ تجميد إدارة ترامب للمساعدات قد خلق حالةً من عدم اليقين بشأن التمويل والموارد، يجب تسريع عمليات الإعادة إلى الوطن. ويُشكّلُ العراق مثالًا يُحتذى به، إذ أعاد ما يقرب من 4,500 مواطن حتى الآن في العام 2025 – أي أكثر من إجمالي العام 2024. إلّا أنَّ عمليات الإعادة إلى بلدان ثالثة شهدت انخفاضًا حادًا، حيث لم يعد سوى خمسة أشخاص حتى الآن في العام 2025 (إلى النمسا) – مقارنةً بنحو 380 عملية إعادة إلى بلدان ثالثة في العام 2024، و750 في العام 2023، و600 في العام 2022، و520 في العام 2021. ينبغي على إدارة ترامب تكثيف الضغط على الحكومات في جميع أنحاء العالم لإعادة مواطنيها، خصوصًاً إذا كان الانسحاب العسكري من سوريا مطروحًا. كما ينبغي أن يكون توفير مصادر إضافية أو بديلة للأمن وتمويل السجون والمخيمات أولويةً قصوى.

بعيدًا من الديناميكيات الدولية لأزمة المعتقلين، يُتيحُ رحيلُ نظام الأسد واحتمال تولي حكومة مركزية شرعية في دمشق إدارة السجون والمخيمات فرصًا حقيقية. فبينما سعت “قسد” طويلًا إلى استغلال هذه القضية للحفاظ على مكانتها الدولية أو توسيعها -من خلال فرض شروط ديبلوماسية، وأحيانًا مالية، على الحكومات الأجنبية للوصول إلى مواطنيها، مما يُبطئ عملية الإعادة إلى الوطن بشكلٍ كبير- ستتعامل الحكومة الجديدة في دمشق مع القضية بعقلية معاكسة. ستكون عازمة على إظهار الانفتاح والمرونة وحسن السلوك.

كما يفتح سقوط الأسد آفاقًا لعودة السوريين على نطاق واسع. فجميع السوريين المحتجزين حاليًا، والبالغ عددهم 8,500 تقريبًا، ينحدرون من مناطق كانت خاضعة سابقًا لسيطرة نظام الأسد، وبالتالي لم يتمكنوا من العودة إلّا آخيرًا. ومع ذلك، يجب تنسيق عملية العودة المحلية هذه بشكل وثيق مع الحكومة الانتقالية. منذ كانون الثاني (يناير)، فتحت “قسد” أبواب مخيم الهول أمام السوريين الراغبين في العودة إلى بقية أنحاء سوريا، ولكن من دون تشاور مسبق مع دمشق. هذه السياسة غير مسؤولة وخطيرة للغاية.

التطلّع إلى المستقبل

بينما تُركّز الولايات المتحدة وحلفاؤها على المرحلة الانتقالية في سوريا بكل تفاصيلها، مُلقين مطالب وتوقعات على الحكومة الانتقالية، يجب ألّا يغيب عن بالهم حقيقة أنَّ “داعش” هي أكثر الجهات إصرارًا على زعزعة الاستقرار في سوريا ما بعد الأسد. وحقيقة وقوفها وراء تسع مؤامرات على الأقل لقتل أعداد كبيرة في دمشق منذ كانون الثاني (يناير) تُوضّح ذلك جليًا. ورُغمَ تعقيدها الكبير ونقائصها، يجب إشراك المرحلة الانتقالية في سوريا ودعمها وتشجيعها في مساراتٍ إيجابية أخرى. فإذا نجحت سوريا، فإنَّ ذلك سيُوجه إلى “داعش” وجميع الجهات الخبيثة الأخرى ضربات قاضية.

مع رحيل الأسد وتحرّك الدول الإقليمية لدعم المرحلة الانتقالية في سوريا وطريق التعافي الطويل، تضاءل بشكل كبير دافع الوجود العسكري الأميركي المستدام على الأرض لمواجهة “داعش”. لكن الانسحاب المبكر سيكون خطأً فادحًا، وهناك حاجة ماسة إلى المشاركة الديبلوماسية والفرص الاقتصادية. في هذه المرحلة المبكرة من العملية الانتقالية، تتاح للولايات المتحدة وحلفائها وشركائها فرصة ثمينة لتشكيل ملامح المرحلة المقبلة، بما في ذلك على المستوى الأمني. إن توجيه ضربة قاضية ل”داعش” أصبح الآن هدفًا ممكنًا، لكن الأمر يتطلّب المزيد من التكيُّف، ومزيدًا من الديبلوماسية العسكرية، ومضاعفة الجهود على الأرض لضرب “داعش” بينما لا يزال ضعيفًا – وقبل أن يستعيد زخمه مرة أخرى.

  • تشارلز ليستر هو زميل أول ورئيس مبادرة سوريا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية على موقع معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى