حَكَوَاتي الوعود

بقلم راشد فايد*

ذكّرني خطاب رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور حسّان دياب (الذي ألقاه يوم السبت الفائت) بصفوف التعليم الإبتدائي حين كان أستاذ مادة الإنشاء يَستَكتِب طلّابه موضوعاً يتكرّر كل سنة: ذهبتَ في رحلةٍ مع زملائك الى الأرز (أو بعلبك) صِفّ مُشاهداتك.

يبدو خطاب دياب، أيضاً، ككلام الحَكَوَاتي، وعلى الرغم من أن اختصاصه العلمي لا يتماشى مع اللغو والسفسطة، فإنّه تلا نصاً إنشائياً، أظهَرَ العضلات “التاريخية” لِمَن كَتَبه، ولا أعتقد لِمَن تلاه. ولا عيب في ذلك، فوراء كل مسؤول “جندي مجهول” هو كاتب خطاب، متنوع الثقافة. لكن كاتب خطاب دياب أعشاه الله أو أغشاه، اذ نسج النص بمنوال حقد على رفيق الحريري زرعه نظام الوصاية الأسدي منذ زمن الأب، لعزل لبنان عن علاقاته العربية والدولية وعرقلة خطط الإعمار، وأَوكَلَ الى “حزب الله” التنفيذ، وفق السفير السعودي الأسبق الوزير عبد العزيز خوجة في مذكراته الصادرة حديثاً.

ينسب دياب حال لبنان اليوم الى “تلك السياسات التي اورثتنا بلداً مُثقَلاً بالأعباء الكثيرة… ونحن اليوم ندفع ثمن أخطاء السنوات الماضية”. مُتبنّياً، ضمناً، الاهزوجة العونية عن الحريرية السياسية، ويجد لذلك 3 أسباب: عجز النموذج الإقتصادي الذي أرسته السياسات السابقة- وإنهاك الفساد والهدر كاهل الدولة- وتداعيات الحروب والنزاعات.

لم يجد دولته جرأة لذكر أضرار الدويلة وفتحها المعابر الحدودية، الشرعية وغير الشرعية، للتهريب الجمركي، ولا دور الثنائية الشيعية، ثم التيار البرتقالي، في حشو الإدارة العامة بالأزلام، ولا أضرار عزل لبنان عن محيطه العربي بالتهجّم والشتم السياسي وتهديد السلم الأهلي عند كل مفترق، والسعي إلى إخضاع لبنان لسيطرة طهران، و تقديم مصالحها على المصالح الوطنية، كعدم وقف الرحلات الجوية من طهران الى بيروت، حاملة فيروس الكورونا. ربما يُغيّر موقفه لاحقاً. أَلَم يَكُن رافضاً تخلّف لبنان عن سداد اليوروبوند، ثم رفع لافتة “لا للدفع”.

يشيح رئيس الوزراء الجديد ببصره عن لبّ الأزمة، وهو ليس سلاح “حزب الله”، ودوره الكامن، فالصمت عليه موضع تواطؤ عام، لكن لبّ الأزمة هو في ارتدادات الخنوع الداخلي لهذا السلاح، الذي يرمي المشكلة المالية في البلاد في أحضان حاكم البنك المركزي، وينسى ان حامله يكاد يكون الوحيد القادر على ضخ السيولة بالدولار، ومَن لا يُصدّق يُمكنه سؤال الصرّافين، غير الشرعيين، طبعاً، على طريق المطار القديمة. كذلك لم يجد دولته مُتّسَعاً في خطابه لفضيحة الكهرباء، وديونها تُعادل نصف “الهزيمة” المالية التي تأسر البلاد.

لم يصلح الوضع، منذ ورث الحزب حليفه الأسدي في إدارة الشأن اللبناني في العام 2005، ببركة ايران، وهو لن يصلح في المستقبل، طالما الحزب سلطة فوق السلطة. في المقابل، لن ينفع خطاب التسويف، طالما لم يَعلُ الدستور وفصل السلطات فوق كل اعتبار. والإمتحان القريب في التشكيلات القضائية، فإما قضاء مستقل يحارب الفساد بتعيينات لا دور للسياسيين فيها، وإما أول سقوط للحكومة في سلّم معايير الإنقاذ الموعود.

 

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي، مُحلّل سياسي لبناني وكاتب رأي في صحيفة “النهار” اللبنانية. يُمكِن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fayed@annahar.com.lb
  • يُنشَر هذا المقال في الوقت عينه في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى