… وماذا أَيضًا في اللوفر؟ (2 من 2)

حصانا قصر مارلي

هنري زغيب*

في الحلقة السابقة كشفتُ عن 5 روائع فنية في متحف اللوفر، قد لا يتنبَّه لها سيَّاح وزوَّار يقصدونه، وفي بالهم أَعمالٌ معينة شهيرة ينوُون رؤْيتها، والوقوف أَمامها متأَملين حسيًّا ما كانوا يرونه في الصُوَر أَو في المواقع الإِلكترونية. لكنَّ في اللوفر كُنوزًا أُخرى لا تقلُّ أَهميةً وإِبداعًا عن تلك المقصودة غالبًا، بينها روائع أُخرى من ليوناردو دا فنتشي وميكالانجلو ورامبرانت وسواهم.

في هذه الحلقة أَكشف عن خمسة أَعمال أُخرى لا تقلُّ روعة عن تلك الأَعمال الشهيرة المقصودة، والتي يجدر بزوار المتحف التوقُّف عندها آثارًا خالدة في مسيرة الإِنسانية.

ناووس نِفْرِت
  1. غِيُّوم كوستو: “حصانَا قصر مارلي”

من أَبرز أَعمال النحات الفرنسي غِيُّوم كوستو  Coustou(1677-1746). وهو من أَشهَر أَعلام العصر الباروكيّ وفترة الملِكَين لويس الرابع عشر ولويس الخامس عشر. ترأَّس لاحقًا “الأَكاديميا الملَكية للرسم والنحت” سنة 1735. والحصان وسائسُه عمل انطلقت شهرته في القرن السابع عشر برخام كارارا الشهير الذي به نحت كوستو حصانًا لوضعه على مدخل حديقة “قصر مارلي” (مقاطعة إِيفلين – إِيل دو فرانس). التمثال أَوصاه عليه سنة 1739 الملك لويس الخامس عشر ليزيِّن به قصره الذي ابتناه ليستقبل فيه شخصيات مقربة فقط. وهذان التمثالان يمثِّلَان حصانَين وسائسَيهما. بدأَ العمل بنحتهما سنة 1743 وانتهى سنة 1745. لاحقًا، سنة 1794، تم نقُلُهما إِلى ساحة الكونكورد. وسنة 1984، خوف إِصابتهما بأَيِّ ضرر، تم تكليف نحات معاصر بوضع نسخة عنهما للكونكورد فيما بقيَت النسختان الأَصليتان في متحف اللوفر. وهما ضمن جناح ريشليو الذي سمي منذئذٍ “بلاط مارلي”. وكان للدقة في نحت تفاصيلهما وديناميّة حركاتهما تأْثير بالغ على النحاتين لاحقًا.

  1. ناووس نِفْرِت

إبان الفترة الرمسيسية (سلسلة الملوك رمسيس – بين 1292 و1075 قبل الميلاد)، اشتُهرت في مصر القديمة نواويس من صنع محلي، ترجيحًا في مدينة طيبة (جنوبي مصر القديمة). والناووس من خشب مزخرف أَلوانًا وذهبًا ونُقُوشًا، كان يدفن فيه آلهة مصريون قدامى مثل أُوزيريس وإِيزيس وأَنوبيس، مع محفورات على الناووس بالهيروغليفية مغزاها عبارات جنائزية ترافق الميت المدفون في الناووس عبر حياته الخالدة بعد الموت. وتمثال نِفْرِت (ومعناها “الجميلة”) مذهل في دقته. طوله 192 سنتم وعرضه نحو 60 سنتم، موجود في اللوفر ضمن جناح الآثار المصرية القديمة.

الثورُ الـمُجنَّح
  1. “الثور الـمُجَنَّح”

هو في قصر سرجون الثاني، كان في مدينة قديمة تدعى “دُور شَروكين”، لاحقًا خورساباد (شمالي العراق، نحو 15 كلم عن الموصل). وكان الملك سرجون، إِبان القرن الثامن قبل الميلاد يحكم الأَمبراطورية الأَشورية. وذات يوم قرر أَن يغيِّر العاصمة إِلى مدينة جديدة، فاختار مدينة شاسعةً سماها “قلعة سرجون” (“دُور شَروكين”) وبدأ العمل بتحضيرها. لكن سرجون توفي، فاختار وريثه نينوى عاصمةً، متخليًّا عن رغبة والده اعتماد شَروكين. وغاب الأَمر في النسيان حتى كان عام 1843 حين وجد تلك البقايا عالِمُ الآثار الفرنسي بول إميل بوتَّا، فأَسس بها أَول متحف أَشوري في العالَم نقل موجوداته إِلى جناح خاص بها داخل متحف اللوفر. وفي ثنايا الحفر النافر بقايا رموز قديمة كالصيد بالقوس والنشاب، ومواكب الفرسان، وجميعها لتمجيد الملك. وعند مدخل “المتحف الأَشوري” تمثال ضخم لـثيران مُـجَـنَّحة لها رؤُوس بشرية ترمز إِلى أُلوهات كانت في القديم موضوعة في قصر الملك. وتلك الطبيعة المزدوجة فيها تشير إِلى الأُلوهة الباسمة رضًى على الشعب.

رأْسا ثورَين على قاعدة واحدة
  1. تماثيل من قصر داريوس الأَول في شُوش

في حفريات القرن التاسع عشر اكتشف علماء الآثار مرحلة مزدهرة خصوصًا في الشرق وتحديدًا في الشرق الأوسط. وبين 1884 و1886 قام عالِما الآثار الفرنسيان مارسيل وجين ديولافُوْيْ بدراسة موقع كان اكتشفه قبْلًا العالِم وليام كينيث لوفْتُوس، هو موقع قصر داريوس الأَول في مدينة شُوش (الجانب الجنوبي الغربي من إِيران، على 140 كلم شرقي نهر دجلة) إِبان العصر الذهبي للأَمبراطورية الفارسية. وكانت القوانين عصرئذٍ، أَيام الاستعمار، تتيح نقل المواقع من أَماكنها، فتم نقل الموقع  كاملًا إِلى متحف اللوفر بإِعادة بنائه وفق ما كان عليه أَصلًا. وداريوس (522 – 486 قبل الميلاد) كان ملكًا قويًّا حازمًا، جعل شوش مدينته الإِدارية، وكانت تجري في القصر احتفالات تكريمية دورية. ومما في اللوفر منها حاليًّا: رأْسَا ثورَين على قاعدة واحدة، ونقوش قرميدية على حفْر نافر، تجسِّد الرموز الفارسية القديمة من أُسُود ووحيدي القرن وصقور خرافية وصيادين بالنبال وجميعها تمجِّد عظمة الأَمبراطورية الشاسعة.

  1. شقة نابوليون الثالث

بين روائع ما يبقى في اللوفر من العهد الأَمبراطوري الثاني، أَن اللوفر ذاته كان قصرًا يزوره الملوك والوزراء وكبار الرسميين والحاشية، وما زال جناح من هذا القصر موجودًا في اللوفر كما كان في القرن التاسع عشر، وفيه قاعات كبرى مزركشة بجمال وأَناقة وأَثاث فخم، كان معظمها مخصصًا لرئيس الوزراء في العهد الأَمبراطوري الثاني (1852-1870). لاحقًا شغلت هذا الجناحَ وزارةُ المالية في فرنسا حتى 1989، حين أُخليَت المؤَسسات الرسمية منه وبات اللوفر كلُّه متحفًا مفتوحًا للزوار.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى