سرقات الأَخَوَين رحباني: يا للفضيحة!
هنري زغيب*
من أَسوَإِ ما تنكُبنا به هذه المسمَّاة وسائل/وسائط التواصل الإِلكتروني، أَنَّ كلَّ واحدٍ يكتُب على صفحته أَيَّ نَصّ، أَيَّ خبَر، من دون مصدرٍ ولا مرجعٍ ولا صدْقية. وينتشر الخبر، فَتَتَنَاقَلُه مواقعُ وصفحاتٌ أُخرى، يتداوَل به آلاف الإِنترنتيِّين ويستشهدون به في مجالسهم على أَنه خبرٌ أَكيد.
من هذه الإِشاعات المتناقَلَة عن رُعونة صفحات “التواصل”، تلك المتواتَرَة في نصوصِ كثيرين، بدون أَيِّ سنَدٍ أَو مرجع، أَنَّ عاصي الرحباني “اشترى” من إِمام مسجدٍ نجَفيٍّ جنوبي (وُلد سنة 1949) قصيدتَين: “عصفورة الشَجَن” و”لمملتُ ذكرى لقاءِ الأَمس”.
توضيحًا أَوَّل: يبدو أَن هؤُلاء الجَعاثيث (جمع “جَعثُوث”، وهي كلمة من اختراعي الشخصي لا معنى لها، تشير إِلى واحدٍ برتبة شيْء لا معنى له) لم يقرَؤُوا مقالًا موثَّقًا ذا مراجعَ ثابتة، للناقد/المرجع رحبانيًّا محمود زيباوي، نَشَرَهُ أَكثرَ من مرةٍ وفي أَكثر من موقعٍ إِلكترونيٍّ رصين، جاء فيه أَنَّ قصيدة “لملمتُ ذكرى لقاءِ الأَمس” كانت “غنَّتْها فيروز للمرة الأُولى سنة 1953 من محطة الشرق الأَدنى ضمن لوحة غنائية رحبانية عنوانها “حلوة الموطن”…”. ما يعني أَنَّ السيِّد النجَفي كان عمره 4 سنوات. أَما قصيدة “عصفورة الشجن” فــ”سجَّلتْها فيروز سنة 1964 مع مجموعة قصائد أُخرى لحساب الإِذاعة الكويتية”، ما يعني أَن السيِّد النجَفي كان عمره 15 سنة. ومتى عرفْنا أَنَّ في مكتبة محمود زيباوي أَكبرَ مجموعةٍ من المجلات الفنية القديمة وبينها “مجلة الإِذاعة اللبنانية”، نَركُن إِليه مرجعًا/ثقةً لا يُناقَش. ولا أَدري، ولا محمود يدري، لماذا جاهلون مُغْرضون زجُّوا باسم إِمام نجَفي فاضل (ذُكر أَنه اغتيل غدرًا في ظروف غامضة سنة 1980) لينسبوا إِليه قصيدتَين “اشتراهما منه عاصي”.
توضيحًا ثانيًا: جاءَني قبل أَيام مقال في جريدة “الخليج” الرصينة كتبه ح.م. عن قصيدة “عصفورة الشجن”، ورَدَ فيه “راودَني شكٌّ كبيرٌ أَن يكون منصور أَو عاصي هما من كتَبَاها، فهي ليست لغَتَهما”. ولم أَفهم مدى اطِّلاع الكاتب النِحرير الجهبوذ على جوهر شعر الأَخوَين حتى “باض” هذا الرأْي العبقري.
توضيحًا ثالثًا: في فقرة إِنترنتية وردَتْني أَمس، عن واحد لا يستحقُّ ذكر اسمه، كتَب على صفحته الشَوهاء أَنَّ قصيدتَي “من عز النوم” و”أَنا عندي حنين” هما للشاعر العراقي شاكر العاشور لكن الأَخوَين رحباني لم يُفْصحا عن كاتبهما”. طبعًا ليس مَن يَجهل أَن القصيدة الأُولى هي لعاصي ومنصور والأُخرى هي من شعر الأخوين رحباني وتلحين زياد الرحباني. لكنَّ هذا الجاهل اسْبَطَرَّ واقْعَنْسَسَ واحْلَنْشَشَ، فكتب ذلك على صفحته، كسائر مَن يَكتُبون أَيَّ شيْءٍ من دون أَيِّ تدقيق، وتنتشر صفحاتهم الرعناء على صفحات رعناء شبيهة بلا دقَّةٍ ولا سَنَد.
هذه وسواها مما صدَرَ قبلها (عن نسبة “سمرا يا ام عيون وْساع” للشاعر اللبناني زين شعيب، أَو نسبة مغْناة “القصة الكبيرة” إِلى الوزير الأُردني صلاح أَبو زيد، ونسبة “سنرجع يومًا” إِلى الشاعر الفلسطيني هارون هاشم رشيد، وسواها الكثير) تبقى جميعُها في مستنقع افتراءَات وقِحة تتناول “فضائح سرقات الأَخوين رحباني”. وإِنما هي ناجمةٌ عن سبَبَين، الأَول: عدم الاطِّلاع الكافي على كامل الشعر الرحباني وهو من أَنصع الشعر وأَعلاه في لبنان والعالم العربي، والآخَر أَنَّ كثيرين لم يفهموا بَعدُ طُولَ السنين الضوئية بين الشعر الرحباني (مضمونًا وشكْلًا وتقْنيةً شعرية) والكثير الكثير من الشعر الموسوم شعرًا وهو ليس سوى نظْمٍ طنَّان، أَو نثْر موزون عَروضيًّا.
الشمسُ تُشرق على جميع الناس. لا تتساءَل مَن يغتذي مِن نورها ومَن لا. وتُكمِل دورتَها، لا تهتمُّ بِـمَن يُدرك كينونتَها، ولا بِمَن يريد إِنكارَها واستبدالَها بالمصابيح.
هكذا شِعر عاصي ومنصور.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار” (بيروت).