هل يُمكِنُ أن تَنجَحَ حَملةُ الخَصخَصة في مصر؟

تأمل الحكومة المصرية في جذب مستثمرين استراتيجيين لأكثر من 30 شركة حكومية، لكنها قد تواجه صعوبة في الحدّ من مشاركة الجيش في القطاع الخاص.

الرئيس عبد الفتاح السيسي: وعد صندوق النقد الدولي باعتماد الخصخصة، فهل ينجح؟

هدى أحمد*

بعد تباطُؤ اقتصادي مُقلِق، أشاد صندوق النقد الدولي بالتزام الحكومة المصرية “بتحديث الإدارات الرسمية وتقليل تدخّل الحكومة في آليات السوق” و “تسريع تحوّل مصر إلى اقتصادٍ ديناميكي يُحرّكه القطاع الخاص”. العام لهذا الكلام كان 2005، والرئيس كان حسني مبارك، وعبد الفتاح السيسي، الذي أصبح رئيسًا في 2014 ، كان لا يزال ضابطًا صغيرًا في الجيش.

الآن، بعد 18 عامًا، لا تزال الخصخصة على رأس برامج الإصلاح المُتَّفق عليها بين صندوق النقد الدولي ومصر مُقابل حزمة تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، في محاولة “لتقليص بصمة الدولة وتكافؤ الفرص بين القطاعَين العام والخاص، وتعزيز النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وتحسين الحَوكَمة والشفافية”.

تحرّكت الحكومة بسرعة لإثبات التزامها بتعزيز القطاع الخاص، مُعلنةً في شباط (فبراير) الفائت إنها ستبيع حصصًا استراتيجية في 32 شركة، بما في ذلك شركتان مملوكتان للجيش وثلاثة بنوك بحلول نهاية آذار (مارس) 2024.

ومع ذلك، يمكن طلب المعذرة من المصريين لعدم رفع مستوى آمالهم، في ضوء التعهدات المماثلة التي أعلنتها سابقًا الحكومات المتعاقبة على مرّ السنين.

يقول جيمس سوانستون، الاقتصادي المسؤول عن  الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في “كابيتال إيكونوميكس”: “كانت حملات الخصخصة جُزءًا من اتفاقيات قروض صندوق النقد الدولي مع مصر منذ تسعينيات القرن الماضي، ولكن لم يتم إحراز الكثير من التقدم على هذا الصعيد. هذه المرة، يبدو أن هناك المزيد من الزخم والشفافية حول العملية وأهدافها”.

على الرُغم من هذه التعهّدات المُبكِرة، يبقى أن نرى مدى التزام الحكومة -وخصوصًا القوات المسلحة في البلاد- بالتخلّي عن موقعها المُهَيمن في الاقتصاد.

موقفٌ مَشكوكٌ فيه

في حين أن مصر كانت واحدة من أفضل الاقتصادات أداءً في العالم بين البلدان النامية في السنوات الأخيرة -كونها واحدة من الاقتصادات الأفريقية القليلة التي لم تنزلق إلى الركود خلال السنوات الأولى لوباء كوفيد-19- فقد جاء معظم النمو من مَصدَرَين إثنين: صادرات الغاز، التي تضاعف حجمها أربع مرات خلال السنوات الثماني الماضية؛ والإنفاق الحكومي، بما في ذلك المشاريع العملاقة ذات القيمة المشكوك فيها، مثل العاصمة الجديدة وتوسيع قناة السويس.

كان دائمًا من الصعب قياس حجم القطاع الخاص في البلاد بدقة، نظرًا إلى أن الكثير منه غير رسمي بطبيعته. تُشيرُ الإحصاءات الحكومية إلى أن القطاع الخاص يوظِّفُ حوالي 80٪ من إجمالي القوى العاملة، مُقارنةً بـ 66٪ قبل 20 عامًا.

في حين أنَّ الاقتصادَ ككل قد ازدهر، فقد ضعف القطاع الخاص، حيث أظهرت استطلاعات مؤشّر مديري المشتريات فقط خمسة أشهر من المعنويات الإيجابية خلال السنوات الأربع الماضية. في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص، كافحت شركات القطاع الخاص للتنافس ضد عدد متزايد من الشركات المملوكة لشركات تابعة للجيش المصري.

الجيش، الذي وصفه السيسي بأنه المُحرّك الرئيس للنمو الاقتصادي عند وصوله إلى السلطة في العام 2014، راكم بشكل مطرد مصالح كبيرة في مجموعة واسعة من القطاعات المتنوّعة مثل مواد البناء والأغذية والمشروبات وتوزيع الوقود والسياحة، والتمتع بمزايا عدة بما في ذلك الوصول التفضيلي إلى الأراضي والإعفاءات من الرسوم الجمركية والضرائب الأخرى.

العضلات العسكرية

في العام 2021، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن 60 شركة مرتبطة بالعسكر كانت ناشطة في 19 من 24 صناعة وفق تصنيف “معايير تصنيف الصناعة العالمية لمورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال” (MSCI)، شكّلت الشركات المملوكة للجيش في ذلك الوقت 24٪ من إنتاج الإسمنت في البلاد.

بالإضافة إلى المعاملة التفضيلية للشركات الجديدة، اتُّهِمَت القوات المسلحة بالتغلّب على المنافسين المُحتَمَلين بتُهَمٍ مُلفَّقة بمساعدة الحكومة. في قضية سيئة السمعة، تم إلقاء القبض على صفوان ثابت، مؤسّس شركة “جهينة”، أكبر صانع للعصير والحليب واللبن في البلاد، في أواخر العام 2020، تلاه بعد ذلك بقليل إلقاء القبض على ابنه البالغ من العمر 40 عامًا. وبينما اتهمتهما الحكومة بتمويل الإرهاب، زعمت منظمة العفو الدولية أنه تم اعتقالهما بعد رفضهما تسليم حصةٍ مُسَيطِرة في أعمالهما إلى الدولة.

في كانون الثاني (يناير)، تعهّد السيسي بتقليص دور الجيش في الاقتصاد كجُزءٍ من صفقة قرض بقيمة 3 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي، ووعد بمزيد من الشفافية في تمويل الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الشركات المملوكة للجيش. وفي إشارة إلى تخفيفٍ مُحتَمل وبوادر حسن نية، تم إطلاق سراح صفوت ثابت وابنه من السجن في وقت لاحق من ذلك الشهر. ولم تُدلِ السلطات بأيِّ بيانٍ حول سبب الإفراج عنهما.

ومع ذلك، فإن العادات القديمة لا تموت بسهولة. في منتصف شباط (فبراير)، أُعلِنَ أن شركة توليب، وهي شركة لها صلات بجهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، قد استحوذت على منتجع ستيلا دي ماري على البحر الأحمر مقابل 700 مليون جنيه إسترليني (23 مليون دولار).

يقول تيموثي كالداس، نائب مدير معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط: “إن مثل هذه الصفقات تثيرُ التساؤلات حول التزام النظام بكبح إمبراطوريته التجارية بطريقةٍ تشجّع نشاط القطاع الخاص على الزيادة”.

كانت شركتان مملوكتان للجيش –الشركة الوطنية لإنتاج وتعبئة المياة الطبيعية “صافي” والشركة الوطنية لبيع و توزيع المنتجات البترولية “وطنية”- من بين 32 شركة كان من المقرر أن يبيعها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي حصصًا في شباط (فبراير)، حيث تخطط الحكومة لإجراء ثماني عمليات بيع على الأقل بحلول آب (أغسطس) من هذا العام.

تم اختيار “صافي” و”وطنية” في مبادرة خصخصة سابقة قبل بضع سنوات كأول شركتين سيتم طرح أسهمهما، لكن هذه الخطط لم ترَ النور وباءت بالفشل.

مُشتَرين مُحتَملين

قائمة الكيانات المُحَدِّدة لمبيعات الأسهم قد تكبر أكثر؛ في أوائل آذار (مارس)، أكدت المصرية للاتصالات تقارير تفيد بأن الحكومة تدرس بيع حصة أقلية، ولم تذكر تفاصيل أخرى بشأن التوقيت. وكانت رويترز ذكرت في وقت سابق أن بيع ما يصل إلى 10٪ من شركة الاتصالات قيد الدراسة، حيث أفادت صحيفة المال المصرية أن جهاز قطر للاستثمار مهتم بالاستثمار.

من المرجح أن تكون الكيانات المملوكة للدولة والتابعة للدولة في منطقة الخليج هي الأكثر مُلاءَمةً للخصخصة، بعد أن قدّمت فعليًا مساعدة كبيرة للاقتصاد المصري خلال العام الماضي، إلى جانب استثمارات كبيرة في القطاعات الاستراتيجية. فقد أعلن صندوق أبو ظبي “القابضة” عن استثمارات بقيمة 1.85 مليار دولار في خمس شركات مصرية مُدرَجة، مع إعلان صندوق الاستثمارات العامة السعودي عن صفقات مماثلة بقيمة 1.3 مليار دولار في آب (أغسطس) الفائت.

تُخطط “القابضة” لاستثمار ما يصل إلى 20 مليار دولار مع الصندوق السيادي المصري في مجموعة من القطاعات الرئيسة على مدى السنين العشر المقبلة، بينما أطلق صندوق الاستثمارات العامة السعودي في العام الماضي “الشركة السعودية-المصرية للاستثمار”  للاستثمار في مجموعة من القطاعات بما في ذلك البنية التحتية والتطوير العقاري والرعاية الصحية والخدمات المالية والأغذية والزراعة والتصنيع.

مع استحواذ “القابضة” في العام الماضي على حصص في البنك التجاري الدولي وشركة “فوري” التي تنمو سريعًا في مجال التكنولوجيا المالية كجُزء من فورة الإنفاق الأوّلي، من المرجح أن تكون البنوك المحلية جذابة بشكل خاص للمستثمرين الخليجيين، مع أسماء كبيرة مثل بنك أبوظبي الأول وبنك قطر الوطني و البنك الأهلي المتحد موجودة أصلًا في السوق.

وكان بنك القاهرة والبنك العربي الأفريقي الدولي والبنك المصري المتحد -وكلها كانت مقررة للخصخصة في السابق- من بين 32 شركة مُدرَجة لبيع حصصها في شباط (فبراير).

يقول منصف مرسي، الرئيس المشارك للأبحاث في “سي آي كابيتال” (CI Capital) في القاهرة: “يُعتَبَرُ اهتمام الخليج بالبنوك المصرية دليلًا على إمكانات السوق، نظرًا إلى انخفاض تغلغل الخدمات المصرفية مُقارنةً بمجلس التعاون الخليجي”.

“لا تزال نسبة القروض إلى الودائع في مصر أقل من المتوسط العالمي وما نراه في الخليج، لذلك هناك الكثير من الاحتمالات لنمو القروض من حيث الإقراض الرأسمالي وقروض رأس المال العامل للقطاع الخاص، بالإضافة إلى إقراض التجزئة”، حسب قوله.

وتوقع أن تُسَرّع جاذبية مثل هذه الأصول المصرفية في عملية إكتمال المبيعات قبل نهاية العام 2023.

ومع ذلك، كما في الجولات السابقة، فإن نجاحَ عمليات البيع هذه بعيدٌ كل البعد من اليقين. فقد أُفيدَ في كانون الأول (ديسمبر) الفائت أن صندوق الاستثمارات العامة السعودي يجري محادثات متقدّمة للاستحواذ على بنك مصر المتحد مقابل حوالي 600 مليون دولار عبر الشركة السعودية–المصرية للإستثمار التي تم إنشاؤها حديثًا. ومع ذلك، ذكرت رويترز في أواخر شباط (فبراير) أن الصفقة توقفت مؤقتًا بسبب خلافٍ بين صندوق الاستثمارات العامة السعودي والسلطات المصرية بشأن تقييم البنك يتعلق بانخفاض قيمة الجنيه المصري.

  • هدى أحمد هي مراسلة “أسواق العرب” في القاهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى