الشباب العربي والمستقبل الغامض

بقلم كابي طبراني

بين أكثر من 400 مليون شخص يعيشون في العالم العربي، هناك أكثر من الثلث تقل أعمارهم عن 30 عاماً. لذا فإن آراء هؤلاء الشباب وتطلعاتهم تُعتبَر مهمة لمستقبل المنطقة. وعلى هذا الأساس تقوم “أصداء بي سي دبليو”، المؤسسة الرائدة في استشارات العلاقات العامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كل عام باستطلاع رأي للشباب العرب. وهذا العام لم يكن شاذاً، آتياً في وقت يتّسم بالتحوّلات الكبرى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، حيث يتسبب الصراع والتقلب وتغيير النظام في عدم اليقين في العديد من دوله، يُعطينا “إستطلاع رأي الشباب العربي” للعام 2019 لمحة عن آمال ومخاوف جيل الشباب. الآن في عامه الحادي عشر، يُبرز هذا الإستقصاء مخاوف الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتوقعاتهم الرئيسة، وهو ليس مجرد تنوير ولكنه مهمّ في تشكيل مستقبلهم. إن ال3,300 شخص الذين شملهم الإستطلاع في 15 دولة، وتتراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، هم مواطنون وقادة الغد. ويُقدم تقرير هذا العام، الذي يحمل عنوان “دعوة للإصلاح”، عدداً من الكشوفات الرائعة.
عند الإطلاع على نتائج هذا الإستطلاع نشعر بحالة من الحزن والفرح في آن واحد، وذلك لأنها تُبيّن لنا من جهة مدى الوعي الذي يتحلّى به شبابنا العربي، ولكنها من جهة أخرى تُظهر مدى الأزمة الفكرية التي يدور في رحاها هذا الجيل ولا يستطيع الخروج منها.
فهذا الإستطلاع يُطلعنا في الواقع على جوهر الأزمة التي تعيشها مجتمعاتنا والمتمثّلة في حضور إشكالية الدين بقوة في المخاض الفكري والثقافي الذي تتخبّط فيه أجيالنا الشابة بسبب الموروث المليء بالإشكاليات وما فيها من تناقضات من ناحية، وعدم قدرته على مسايرة تطور الحياة الإنسانية من ناحية ثانية. إن الأزمة الفكرية كبيرة لدى الشباب المسلم، الذي نراه من جهة متمسّكاً بدينه رغم كل ما يحمله من غث وسمين، ولكنه في الوقت عينه غير مقتنع بما توارثه من فكر يحاول أن يُحجّر تفكيره، وأن يخط سير حياته في إطار الحلال والحرام، ليس المُنزّل من عند الله، وإنما القائم على إملاءات الفقهاء الذي يعتبرون أنفسهم الأوصياء عن الله.
كما يُظهر هذا الإستطلاع من جهة أخرى أن الشباب العربي يُطالبون بحكومات تكون مؤهلة وتتمتع بالمسؤولية والكفاءة وتوفّر فرصاً للإزدهار. وهم بحاجة إلى صيغة تفاهم جديدة توفّر فيه الحكومات بيئة تدعم الشباب وتُطلق العنان لإبداعهم وتحفّزهم على تحقيق الإزدهار لعقود مقبلة.
وُيسلّط هذا الإستطلاع الضوء على عوامل الإحباط المتزايدة التي يتعرض لها الشباب العربي، والتي باتت مُتجذّرة في مستقبلهم الإقتصادي الذي يغدو بدوره مُبهَماً أكثر فأكثر. فعلى سبيل المثال، يُبدي الشباب العربي إهتماماً كبيراً بالقضايا الإقليمية ويرغبون في إنهاء الصراعات التي طال أمدها؛ وهي أكبر مصادر قلقهم وفقاً للإستطلاع. ومع ازدياد صعوبة تحقيق ذلك، تزداد حدة الضغوط التي يعيشونها. من جهة أخرى، تعتبر معدلات البطالة المرتفعة للسنة الخامسة على التوالي من أكثر الأمور المحبطة لهم.
ويُمكن تفهّم خيبتهم هذه لا سيما مع ارتفاع نسب البطالة بشكل مقلق بين الشباب في المنطقة، حيث تتخطى هذه النسبة 30% في دول عدة، يُضاف إلى ذلك توقعات بانضمام ما يقارب 2,8 مليوني شاب وشابة سنوياً إلى القوى العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار السنين العشر المقبلة، ما سيزيد من صعوبة هذا التحدي. ورغم الإصلاحات الجارية إلّا أن نتائجها تستغرق وقتاً بطبيعة الحال، ما يستلزم تسريع وتيرة التطوير.
الواقع إن ما نحتاجه اليوم هو عقد إجتماعي جديد بين حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومواطنيها، يُركّز على قيم المساءلة والشفافية مع الحرص على عدم تخلف أحد عن ركب الحضارة. وهو عقدٌ إجتماعي يؤسس نظاماً إقتصادياً يوفّر فرصاً تنافسية متكافئة لجميع الشركات، ويدعم تطور التكنولوجيا والتجارة الإقليمية، كما يضمن تزويد المواطنين بخدمات أفضل وأقل تكلفة من خلال تسخير التكنولوجيا. علاوةً على ذلك، يُلغي هذا العقد الدعم الحكومي لمصادر الطاقة ويوجّه الإستثمارات نحو برامج دعم البنية التحتية التي من شأنها حفز النمو وتوفير فرص العمل. كما سيضمن العقد الجديد توافر شبكات أمان مخصصة لدعم وتمكين الشرائح الضعيفة، والأهم من ذلك سيتيح المزيد من الفرص للجميع عبر توفير خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة.
بعض نتائج الإستطلاع هذا العام يُبشّر بقضايا لم يسبق لها مثيل تعكس العالم الذي نعيش فيه اليوم، تتراوح بين تعاطي المخدرات إلى مخاوف الصحة النفسية والتطرف الديني. ولكن، كما كان الحال دائماً، هناك ثوابت. للسنة الثامنة على التوالي، ينظر الشباب العربي إلى الإمارات العربية المتحدة على أنها المكان الأفضل للعيش في المنطقة. مع انتشار حالة عدم الإستقرار في العديد من الدول الممثلة في الدراسة، زادت نسبة الشباب الذين يطمحون للعيش في الإمارات بشكل ملحوظ منذ العام الفائت حيث بلغت 42 في المئة.
ويرى الجيل الأصغر سناً أنه ممثَّلٌ تمثيلاً ناقصاً في الحكومات العربية. كما يشعر العديد من الذين شملهم الإستطلاع أيضاً بأنهم مؤهلون للحصول على الدعم الحكومي – بما في ذلك الوظائف وحتى القروض – في حين أن 78 في المئة منهم كانوا غير راضين عن العروض التعليمية في بلادهم، وخصوصاً في بلدان المشرق العربي وشمال إفريقيا، حيث كان أكثر من ثمانية من كل 10 أشخاص قلقين بشأن جودة التعليم. أحد التطورات المثيرة للإهتمام هو أن غالبية الشباب العرب تقول إن الدين يلعب دوراً كبيراً في المنطقة وأنه يجب إصلاح المؤسسات الدينية. هذا ليس بالضرورة مدعاة للقلق – لكنه يشير إلى وجود فجوة متزايدة بين الشباب العربي وشيوخهم الأكثر محافظة.
لأول مرة، تُدرج الصحة العقلية ضمن الشواغل الرئيسية، حيث يعرف ثلث المجيبين شخصاً على الأقل يُعاني من مشاكل الصحة العقلية، بينما يشعر 81 في المئة من المشاركين في المشرق العربي بأن الوصول إلى رعاية طبية جيدة “أمر صعب” لمثل هذه الأمراض. ويُشكّل تعاطي المخدرات غير المشروع مصدر قلق أيضاً، حيث أبلغت غالبية الشباب العرب أن المخدرات يسهل الحصول عليها في بلدهم وأن تعاطي المخدرات آخذٌ في الإزدياد. كما ذكرت معلومات صحافية أخيراً بأن المشكلة حادة بشكل خاص في لبنان، حيث أُفيد أنه تم اعتقال 3,666 شخصاً بسبب تعاطي المخدرات في العام 2016. والتفاصيل الأخرى أقل انعكاساً لأوجه القصور وأكثر دلالة على التوقعات.
في حين لا يزال الشباب العرب يشعرون بالقلق إزاء الصراعات والأرثوذكسية الدينية والعلل الإجتماعية، فإن الدراسة الإستقصائية توفر أيضاً سبباً للتفاؤل الحذر. إن الشباب الذين في طريقهم إلى وراثة هذه المنطقة يعرفون أن لهم الحق في مستقبل أفضل. والآن يتم تذكيرنا مرة أخرى بهذه الحقيقة أيضاً. لذا يجب أن نساعدهم على بناء المجتمعات التي يريدونها ويستحقونها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى