جائحة كورونا كَشَفَت المستور بين العِلمِ والتخلّف

بقلم عرفان نظام الدين*

لم نكن نحتاج إلى جائحة كورونا لنكتشف تخلّفنا في مجال العلم والأبحاث، وغياب الشفافية وتعميم التعتيم على الأخبار والمعلومات الواضحة، وتجاهل المواطنين، رُغم خطورة الوضع والضياع بين الأخبار المغلوطة والنصائح الوهمية وأحاديث المؤامرة.

تذكّرتُ في خضمِّ الأزمة أحد مُدَّعي العِلم ضمن مجموعة من الجهلة الذين احتلوا شاشات الفضائيات العربية ومواقع التواصل الإجتماعي، وهو يتحدث بجدية عن عدم الحاجة إلى تلقي العلوم لأن الله خلقنا لتأدية رسالة الدعوة لنترك العلم والأبحاث للآخرين ليكونوا في خدمتنا ويزوّدوننا بالمعلومات، مُتجاهلاً حقيقة ان الإسلام هو دين العِلم، وان أوّل دعوة للايمان بدات بكلمة: إقرأ وان سيد الخلق الرسول صلى الله عليه وسلم دعانا إلى طلب العلم ولو في الصين.

إنه عصر التخلّف في زمن ازدهار العِلم والتكنولوجيا والتنافس بين الأُمم الحضارية … وكم حزنتُ ونحن نشهد تنافساً بين الدول على إعلان اكتشاف اللقاح الناجع لكورونا والبدء بتسويقه، الذي يدر عليها مليارات الدولارات عدا عن المكاسب المعنوية في مَن يُحقق السبق بين الأميركيين والبريطانيين والألمان والروس والصينيين وغيرهم٠

أما نحن العرب وإخواننا المُسلمين فقد بقينا صُمّاً بُكماً عُمياً ننتظر ان يتكرّموا علينا ويُرسلوا لنا اللقاحات ولو كانت بأغلى الأثمان، مع أن تاريخنا زاخرٌ بالعلوم وأهم الإكتشافات ومئات العلماء الكبار الذين آثروا الحضارة الإنسانية عبر التاريخ٠

وحتى من اكتشف اللقاح الأميركي- الإلماني الاوّل لشركة فايزر بالتشارك مع شركة بيونتيك، فهو أشوري من لواء إسكندرون السوري الذي تحتله تركيا ويدعى أوغور شاهين، أما الثاني فهو نوبار إيفان رئيس شركة موديرنا الأميركية من أصول لبنانية -أرمنية٠

في ظل الغياب العربي تعدّدت الأسباب والتخلّف واحد، من بينها إلغاء الحريات التي تُتيح للإنسان أن يُثبت وجوده ليلعب دوره في المشاركة بالتطور وعدم تخصيص موازنات كافية لإقامة مراكز الدراسات والأبحاث وتحفيز المتفوقين والمبدعين على أخذ زمام المبادرة٠

وهناك ايضاً تقصيرٌ فادحٌ في التواصل بين السلطات والمواطنين وتركهم في حيرة من أمرهم وتجاهل تزويدهم بالحقائق التي تدعم الثقة المفقودة لمعالجة الأخطار بالعمل المشترك حتى لا تسري وتنتشر الشائعات وتعمّ اللا مبالاة٠


في الختام أعرض علبكم باختصار تفاصيل تعامل الحكومة البريطانية مع المواطنين مهما كانت أجناسهم وأصولهم وألوانهم، فمنذ اليوم الأوّل لانتشار الجائحة دأبت السلطات الصحية والبلدية على الإتصال مُباشرة وتوجيه رسائل تشرح تفاصيل مُجريات الوضع وخريطة انتشار الوباء وسُبل التصرف لتجنّب العدوى، وتصل إلى إبداء الإستعداد للرد على أي سؤال وتقديم أي خدمة يطلبها المواطن٠

وقبل أيام قليلة تلقيت رسالة من وزيرين دفعة واحدة، هما مات هنكوك ( Matt Hancock) وزير الصحة والرعاية الإجتماعية وروبرت جنريك (Robert jenrick)  وزير الإسكان والكومنولث والإدارة المحلية، مُعنوَنة باسمي (والأكيد أن مئات الآلاف تلقوا الرسالة نفسها) بيبشراني فيها بان اللقاح الجديد سيصل قريباً، والاولوية ستكون لنا بوصفي من أصحاب العمر الطويل، ويعرضان في الوقت نفسه خدمات مُتعدّدة فوراً مثل تأمين وسيلة مواصلات، وتخصيص ممرض للعناية بي في منزلي، وتكليف مساعدين لإيصال الطلبات من السوبر ماركت، وتأمين الأدوية مجاناً، وتخصيص رقم خاص للإستشارات الطبية والنفسية، وهو أمرٌ يتم التركيز عليه لأن أكثر المحجورين أُصيبوا بحالات اكتئاب وقلق وخوف من انتقال العدوى إليهم٠

وهذا غيضٌ من فيض التفاعل والثقة بين السلطة والمواطن بدون تمييز ولا وساطات ولاصلة قرابة، فالكل سواسية، ولهذا يلتزم المواطنون بالتعليمات وارتداء الكمامات والتباعد الإجتماعي وغيرها من الإجراءات مهما كانت مُزعجة وقاسية على عكس الفلتان الذي ساد في ديارنا العامرة٠

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى