العالم يتحضّر لتغيير أنظمة الضرائب ليحدّ من الثغرات

منذ فترة تحاول دول مجموعة العشرين ومنظمة التعاون والتنمية البحث عن خطة للحدّ من تهرّب الشركات المتعدّدة الجنسيات من دفع الضرائب. وقد توصلت إلى بعض الحلول، ولكن يبدو أن الطريق سيكون طويلاً قبل الوصول إلى الهدف.

مقاهي "ستارباكس" في لندن: لا تدفع ضرائب في لندن
مقاهي “ستارباكس” في لندن: لا تدفع ضرائب في لندن

واشنطن – محمد زين الدين

في السنوات الأخيرة، لم تكن حركة “إحتلال وول ستريت” المجموعة الوحيدة القلقة حول كيفية توزيع غنائم النمو الإقتصادي. إن الحكومات في جميع أنحاء العالم تتبادل بشكل متزايد المشاعر عينها: ربما، مثل الطبقات الوسطى المضغوطة، إنها تشعر بأن الشركات تأخذ الكثير من الأرباح لأنفسها. وهكذا، في قمة حزيران (يونيو) 2012، قرر قادة مجموعة العشرين (G-20) العمل للضغط على الشركات المتعدّدة الجنسيات كي تدفع المزيد من الضرائب. وقد طلبوا من منظمة دولية أخرى، منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية في باريس، التحقيق وإقتراح ما يمكن القيام به. في ظل الظروف العادية، سوف يعتقد البعض أن هذا هو المكان حيث يتوقف الإهتمام: تقارير وتوصيات يمكن أن تستغرق صياغتها سنوات، وغالباً ما تكون بدائل ملائمة من الإصلاح السياسي الحقيقي.
لكن هذه ليست ظروفاً عادية. على الأقل، ليست حتى الآن. إن منظمة التعاون والتنمية تتحرك بسرعة، والشركات التي ستدفع الضرائب تكافح بالفعل للفهم والتكيّف مع التغيّرات الوشيكة التي يمكن أن ترفع فواتيرها الضريبية. بعد سبعة أشهر على تلك القمة لمجموعة العشرين التي عُقدت في حزيران (يونيو) 2012، أصدرت المنظمة تقريراً يصف المشكلة بأنها تكمن في تآكل قاعدة (الضرائب) وتحويل الأرباح. في الأساس، هذا يعني أن القواعد الضريبية للبلدان، أو إجمالي الإيرادات الضريبية، لا تنمو كما يجب لأن الشركات تحوّل أرباحها إلى أماكن أخرى. في إجتماع مجموعة ال 20 التالي، في حزيران (يونيو) 2013، قدّمت منظمة التعاون والتنمية خطة من 15 نقطة لمعالجة هذه المشكلة، والتي وافق كل أعضاء القمة عليها على الفور. الخطوة التالية، بعد ذلك، أتت عندما إجتمع في أيلول (سبتمبر) وزراء مالية المجموعة في كانبيرا، أوستراليا. هناك، قرروا تنفيذ الأجزاء الأولى من الخطة.
من الصعب المبالغة بكيفية السرعة – على الأقل من حيث البيروقراطية – التي حدث خلالها كل هذا. بالنسبة إلى كثيرين في عالم الأعمال، إعتبرت هذه الخطوة كمقياس لضخامة المصالح السياسية في الإصلاح. لكن تعترف دوائر رئيسية أخرى بشكل متزايد بمدى قِدَم النظام – يقول صندوق النقد الدولي أن القوانين الحالية هي أكثر فائدة للدول المتقدّمة من البلدان النامية. والشركات عينها غالباً ما تكون على إستعداد للإعتراف بأن الزمن قد تغيّر. إن المعاهدات الثنائية، والقواعد المقبولة، والمبادئ المحاسبية التي تحدّد النظام المعمول به قد صدرت قبل فترة طويلة من إرتفاع الإستثمار الأجنبي المباشر، والعولمة، والتقنيات مثل “الإنترنت”، التي تتجاوز الحدود السياسية. في هذه الأيام، يرقى فرض ضرائب على الشركات المتعددة الجنسيات أساساً إلى محاولة الضغط عليها للعودة الى نظام الدولة المركزي. في كثير من الحالات، النتيجة هي أن هذه الشركات يمكن أن تتجنب دفع الكثير إلى الخزينة العامة.
مع ذلك إن السرعة والعزم لا يكفلان التغيير، والإرادة السياسية يمكن أن تختفي عندما يحين الوقت للإنتقال من المفاهيم الواسعة إلى إجراءات محدّدة. في هذه الحالة، سوف يتطلب الإصلاح الجذري أكبر القوى السيادية على كوكب الأرض كي تعمل معاً بيد واحدة – وهذا يشمل الدول التي تتنافس الآن مع بعضها البعض لإستخدام الحوافز الضريبية لجذب الإستثمارات الأجنبية. وهذه الدول تحتاج إلى الثقة في العملية التي لن تضمن بالضرورة لكلٍّ منها عائدات ضريبية إضافية في نهاية المطاف. ستحتاج البلدان النامية خارج مجموعة العشرين ومنظمة التعاون والتنمية أيضاً إلى النظر في قبول وتنفيذ قواعد جديدة التي لم يكن لديها تأثير يذكر في تطويرها. وهذه هي فقط بعض العقبات التي تحول دون زيادة مدفوعات الضريبة على الشركات.
وبعبارة أخرى، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن التنبؤ به المرء الآن هو أن العملية ستكون طويلة وصعبة.

عناصر غير محسوبة

لا توجد حسابات جيدة متاحة حول نسبة الضرائب التي ينبغي أن تدفعها الشركات المتعدّدة الجنسيات – على أساس القيمة الدولارية لقوانين الضرائب في كل بلد، ناقص الإعفاءات. لذا فإن الإحباط من النظام الحالي والعزم على التغيير يعتمدان بالكامل تقريباً على الأدلة الشفهية. على سبيل المثال، هناك الكثير من القصص حول “غوغل” أنها “تملك براءات اإختراع” في ايرلندا وهولندا وليس في الولايات المتحدة لمزايا ضريبية. أو “أبل” وغيرها تستخدم حسابات خارجية لتجنب دفع الضرائب. إن إبداع الشركات مستمر ويتطور: مثل إنتقال “بيرغر كينغ” إلى كندا الذي فجأة صار خياراً شعبياً.
كما هو الوضع الآن، فإن القدرة على فرض الضريبة هي إمتياز رئيسي للحكومات ذات السيادة، والحكومات لا تهتم أبداً في التخلي عن السيطرة الكاملة عليها. ولكن هناك مبادئ أساسية عدة التي معظم هذه الحكومات يتبعها، لأن جذب الإستثمارات الأجنبية يتطلب عموماً اللعب بواسطة مجموعة من القواعد المألوفة للمستثمرين. القاعدة الأساسية في هذا النظام هو أنه ليس من العدل إجبار الناس أو الشركات على دفع ضرائب على الدخل نفسه في أكثر من مكان واحد أو أكثر من وقت واحد. لذلك، منذ عشرينات القرن الفائت، وقّعت الدول معاهدات ثنائية لمنع “الازدواج الضريبي”، كما هو معروف. منذ ذلك الحين، عُقدت أكثر من 3،000 من هذه المعاهدات بين الدول. وتعتمد معظمها على قالب وضعته منظمة التعاون والتنمية بعد تأسيسها في العام 1961، وتم تحديثها بصفة دورية بعد ذلك.
إن تجنّب الإزدواج الضريبي يتطلب تحديد الأجزاء التي ينبغي أن تخضع للضريبة من أرباح الشركة وأين. نقطة البداية هنا هي أن الأرباح تخضع لضريبة السلطة القضائية حيث تحققت. ومبادئ محاسبة أساسية عدة قد أنشئت لتتبع ذلك. واحد مهم منها هو أن مختلف الشركات التابعة، والأقسام، والشركات التابعة لشركة متعددة الجنسيات ينبغي النظر إليها ككيانات منفصلة لأغراض المحاسبة، حتى إذا كانت لديها الشركة الأم عينها. وعندما تُعقد صفقات مع بعضها البعض، يفترض أنها تفعل ذلك ككيانات منفصلة حيث أن كلاً منها يحاول تحقيق الربح. وهذا ما يسمّى مبدأ طول الذراع، وهو يسمح لكلّ منها التظاهر بأنها تحاول الحصول على أفضل صفقة في كل تبادل. في الواقع، إن الشركة الأم لا تهتم بالضرورة إذا كان أحد الكيانات التابع لها يخسر من أجل أن يحصل كيان آخر على مكاسب، وبخاصة إذا كان الفائز يدفع ضرائب بمعدل أقل من الخاسر.
تُسمّى الطريقة المحدّدة التي يتم من خلالها تخصيص الأرباح من كلّ من هذه الكيانات إلى بلدان لغرض إحتساب الضرائب “التسعير التحويلي”. هذا غالباً ما يكون مباشرة. لا أحد يجادل بأن منجماً في “البيرو” يقع في أي مكان آخر غير “البيرو”، ولكن بعض الحالات هو أقل وضوحاً. يمكن للولايات المتحدة المطالبة بطريقة مشروعة ببعض من أرباح قهوة “ستارباكس” التي تُباع في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، لأن الختم العالمي للعلامة التجارية بني في أميركا وساعد على زيادة المبيعات في الخارج.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة، لقد قررت “ستارباكس ” نقل ملكية تلك العلامة التجارية إلى بعض الشركات التابعة لها في بلد ثالث. إن المقاهي البريطانية تدفع إلى كيان في هولندا للحصول على حق إستخدام شعار “ستارباكس” ومنتجاتها ذات العلامات التجارية. بالنسبة إلى أي شركة، إن الأصول غير الملموسة والملكية الفكرية تجعلان التحدّي أكبر بكثير بالنسبة إلى الضرائب. لنأخذ “غوغل”، وهي مثالٌ يُستشهد به في كثير من الأحيان عن شركة تخصّص الأرباح وفقاً للحدود السياسية الصعبة للغاية، و”التسعير التحويلي” معقّد بشكل مذهل. ربما هذا هو السبب أنه في الطبعة الحالية لكتاب القواعد التي أصدرته منظمة التعاون والتنمية، الذي يتضمن مجموعة من المعايير المقبولة، بلغ عدد الصفحات 370 صفحة.
هذه القواعد الأساسية – لا إزدواج ضريبياً، الشركات الأم والشركات القابضة ككيانات منفصلة، والتسعير التحويلي – لا تزال تترك الباب مفتوحا أمام مسألة المعدّل الفعلي من الأرباح الذي يجب أن يخضع للضريبة. هذه هي السلطة التي ترغب الدول السيادية الإحتفاظ بها لأنفسها، ولكن في نهاية المطاف، إن المنافسة العالمية للإستثمار تفضل البلدان ذات المعدلات المنخفضة من الضرائب والإعفاءات، والثغرات الأخرى. ما بدأ كنظام لمنع الازدواج الضريبي إنتهى إلى خلق العكس: الإزدواج في عدم دفع الضرائب حيث الأرباح لا تخضع للضريبة في أي مكان. في الواقع، إن الإزدواج في عدم دفع الضرائب ينتج منه على الأرجح فقدان المليارات سنوياً في الضرائب.

إتخاذ القرار

إن رد منظمة التعاون والتنمية كان خطة عمل بالنسبة إلى تآكل قاعدة وتحويل الأرباح. فهي تحتوي الخطوط العريضة ل15 إجراء منفصلاً، مع مزيد من التفاصيل تأتي لاحقاً. في الأساس، هذا يرتقي إلى محاولة واسعة لإغلاق الثغرات الضريبية وتشديد القواعد، وأيضاً خطة لدراسة المسألة أبعد من ذلك، وخصوصاً التحدّيات التي تطرحها التكنولوجيا والأصول غير الملموسة. إذا تمّت الموافقة عليها، فإن واحدة من أكبر الإصلاحات ستكون بفرض شرط على الشركات يجبرها على توفير مزيد من المعلومات لجامعي الضرائب. في النظام الحالي، تقدّم الشركات فقط المبيعات، والأصول، والموظفين، وغيرها من التفاصيل ذات الصلة بهذا البلد المحدد. ولكن في النظام الجديد، ستضطر الشركات إلى تقديم صورة كاملة عن الأرباح العالمية لجميع مكاتب الضرائب. وهذا من شأنه إعطاء الحكومات أداة مفيدة لتحديد ما اذا كانت ستقبل أو ستطعن بإعادة الضرائب. إنه إصلاح آخر ينطوي على القضاء على بعض أشكال التسعير التحويلي، ومواءمة القواعد الضريبية في مختلف البلدان للقضاء على الثغرات.
في كل شيء، إن سياسة موصى بها محددة تغيّر سبعة من 15 إجراء عُرض على وزراء مالية مجموعة ال 20 في أيلول (سبتمبر) الفائت للموافقة عليه ومن ثم التنفيذ، وسيأتي الباقي في وقت لاحق، بحلول نهاية العام 2015. إن الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية التي ليست في مجموعة العشرين أعطت موافقتها قبل ذلك الاجتماع. بعد أن تحصل الإصلاحات على الإجماع الكامل، فإن الخطوة المقبلة ستكون تغيير الدول لقوانينها ولوائحها الخاصة لتعكس ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر وزراء المالية لمجموعة العشرين. في بعض البلدان من المتوقع أن تكون العملية بسيطة. مع ذلك، ففي الولايات المتحدة الأمر يتطلب تصويت الكونغرس.
من الصعب التنبؤ بنجاح الخطة بشكل خاص نظراً إلى أن غالبية تفاصيلها الدقيقة ليست متوافرة بعد. على أية حال، يبدو أن الخطة مكروهة بشكل عام. الشركات هي، بطبيعة الحال، تشعر بالقلق إزاء تأثير ذلك في عائداتها. وقد رصدت شركات المحاسبة الكثير من بؤر المشاكل والشكوك، ومعظم الجماعات الناشطة يفضّل إجراء إصلاح شامل للنظام بدلاً من تطويره. وفقاً لدراسة إحصائية ل830 من دافعي الضرائب والمدراء التنفيذيين عبر 25 ولاية قضائية قام بها “إي واي” (EY)، الاسم الجديد لشركة المحاسبة “إرنست أند يونغ”، رد 4 في المئة فقط من المستطلعين على أن ال15 إجراء يمكن أن تعمل. ولكن 61 في المئة يرى أن بعضها على الأقل يمكن أن يحدث تأثيراً ملموساً.
وللتأكيد، هناك بديل أسهل لتحديد كيف ينبغي للبلدان أن تتقاسم أرباح الشركات المتعددة الجنسيات، وتسمّى الضريبة الموحّدة أو قسمة التوزيع، والمشكلة مع ذلك هو أن الأمر يتطلب من الدول التخلي عن السيطرة الكاملة على الضرائب، حيث سيتم التعامل معها من قبل هيئة مركزية، والتي سوف تطبق صيغة محددة مسبقا لتحديد كيف سيتم تقاسم الدخل من أرباح الشركات بين الدول. في شباط (فبراير) 2013، وجّهت 60 جماعة ناشطة رسالة إلى منظمة التعاون والتنمية تدعو إلى فرض ضرائب وحدوية، ولكن بما أن ذلك يتطلب من الدول التنازل عن جانب رئيسي من جوانب السيادة، فإنه لا يعتبر بديلاً واقعياً.
في نهاية المطاف، التعرف على طريقة للحصول على المزيد من الضرائب من الشركات يعني الإختيار من بين البدائل الناقصة. وبغض النظر عن الخيارات التي يتم الأخذ بها في النهاية، ربما يحتاج الأمر إلى مزيد من الشفافية لجعل الشركات تدفع أكثر. إن جباة الضرائب المسلحين بصورة كاملة للأنشطة العالمية بفضل خطة منظمة التعاون والتنمية ما زالوا بحاجة إلى بيانات إضافية، مثل التفاصيل الخاصة بكل شركة والمتعلّقة بالصفقات عبر الحدود. إن البضائع الواردة إلى موانئ الدخول إلى البلد ترقّم حسب نوعها. وإذا تم فصل هذه الأرقام من قبل الدولة، فإن جابياً واحداً للضرائب في مكان واحد يمكنه مقارنة تكاليف الشركة بالنسبة إلى السلع والخدمات على أساس عالمي، ومقارنة ما الذي تدّعي الشركة أنه تكاليف في بلد معين مع ما تدعّي بالشيء عينه في أماكن أخرى.

خطوة صغيرة بعد فوات الأوان؟

حتى يتم فرز ونشر تفاصيل خطة منظمة التعاون والتنمية، هناك قلق من أن الدول الفردية، في حماسها للحصول على المزيد من العائدات الضريبية من التجارة، قد تسير قدماً في الإصلاحات من تلقاء نفسها. على سبيل المثال، تتبع البرازيل والصين الآن قواعد خاصة بهما لتسعير النقل. وألغت منغوليا عدداً من معاهدات الإزدواج الضريبي، بما في ذلك مع هولندا، على أمل الحصول على المزيد من الدخل الضريبي من منجم كبير تملكها “ريو تينتو”، التي تستخدم التابعية الهولندية كملاذ للضرائب. هذه الإستراتيجية قد تلقى موافقة من صندوق النقد الدولي، والذي نشر في أيار (مايو) دراسة يجادل فيها بأنه، بالنسبة إلى البلدان النامية على وجه الخصوص، إن سلبيات معاهدات الازدواج الضريبي تفوق الإيجابيات.
لأن الفاعلين الرئيسيين من الدول وغير الدول بدأوا في التخلي عن النظام كما هو، فإن تغييراً يأتي مع تحديات إضافية سوف يجعل من الصعب بناء نظام موحد الذي يقلّل من قوة الشركات لإستغلال الخلافات، ما لم تكن هذه الدول مستعدة للتراجع عن بعض تلك التغييرات الأخيرة. وفي نهاية المطاف لا تزال البلدان حرة في تقديم ضريبة أقل لجذب المستثمرين، حتى لو كان ذلك ينتهي إلى الضرر بالهدف العام للنمو الإقتصادي.
من جهة أخرى، ليس من الواضح ما إذا كانت البلدان المعنية لها أهداف مماثلة. على الرغم من أن كلها ترغب بأن تدفع الشركات المزيد من الضرائب، فإن الجواب عن السؤال: أين تحديداً ينبغي أن تدفع لها يخلق إجابات مختلفة. وهذا يعيدنا إلى مثال “ستارباكس”. فقد كشف تحقيق جرى في 2012 بأن “ستارباكس” لم تدفع أي ضريبة في المملكة المتحدة في 14 من السنوات ال15 السابقة. وأثار النبأ إحتجاجات، ووافقت الشركة على دفع المملكة المتحدة 32 مليون دولار نتيجة لذلك. هذه الحلقة تؤكد كيف أن الضرائب على المستوى العالمي هي فن أكثر منها عملية حسابية – يتم تحديد النتيجة ليس من طريق الأرقام ولكن من قبل الناس، مثل المحامين وجباة الضرائب، أو المتظاهرين. وتهدف خطة إصلاح منظمة التعاون والتنمية إلى العودة إلى الأرقام. سيكون أكثر فعالية إذا إعتمدته كل أو معظم البلدان، بدلاً من دول مجموعة العشرين أو أعضاء منظمة التعاون والتنمية. ولهذه الغاية، فقد تمت الإشادة على نطاق واسع بالمنظمة لأنها شملت البلدان النامية في عملية التشاور، ولكن من السهل أن نرى أعداءً للخطة النامية في البلدان النامية مع مرور الوقت. فيما تتغير القيادة السياسية في الدورات الإنتخابية في السنوات المقبلة، فإن السياسيين الشعوبيين خارج الغرب (وربما داخله) قد يجدون أنه من السهل تسجيل نقاط لدى الناخبين من طريق إنتقاد قرارات السياسيين السابقين الذين سبق أن وقعوا على خطة ضرائب عالمية تم رسمها وتنفيذها من قبل مجموعة من الدول الغنية والغربية.
وحتى الإرادة السياسية الملحوظة المفترضة وراء الخطة قد يكون مبالغ فيها – بعض الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية، على سبيل المثال سويسرا ولوكسمبورغ، هما في الواقع من الدول المساهمة النشيطة في خلق مشكلة، رغم أن كليهما قد وافق على قدر من الإصلاحات. هناك أيضا دول المنظمة التي لم يسبق لها أن إعتبرت ملاذات ضريبية ولكن لا يزال لديها بعض القوانين الضريبية التي من شأنها أن تؤذي القضية، بما في ذلك أوستراليا، وإيرلندا، وهولندا، والمملكة المتحدة، وبعض الولايات الأميركية مثل ولاية “ديلاوير”. قد يدّعي السياسيون خلاف ذلك، ولكن الدول التي تدعم عملية الإصلاح وأيضاً تُبقي على القوانين والسياسات الضريبية التي تقوّض ذلك هي في وضع يمكّنها الإستفادة من كلا الجانبين. المملكة المتحدة هي مثال جيد. في نيسان (إبريل) 2013 إعتمدت لندن نهجاً جديداً لفرض ضرائب منخفضة على براءات الإختراع الأمر الذي أثار شكاوى من آخرين، ولكن حكومتها أيضاً دعمت بثبات جهود منظمة التعاون والتنمية في تصريحات علنية.
أخيراً، حتى لو نجحت خطة منظمة التعاون والتنمية، أو إذا نجحت جهود أخرى في المستقبل، لا يوجد أي ضمان للنجاح على المدى الطويل. غالباً ما يُعتبر تنظيم التجارة دورة حيث تضع الحكومة وتحدد قواعد تجد الشركات طريقة للدوران حولها، ثم تدرك الحكومة الأمر: لعبة القط والفأر. وبالمثل، حتى بعد هذا الاصلاح فإن الشركات يمكنها البحث عن أفضل معدلات ضريبية.
لذلك من الأفضل النظر إلى خطة الإصلاح وكأنها معركة واحدة في حرب طويلة. سؤال جيد، إذن، هو ما سيحدث اذا لم تنجح؟ هل أن البلدان والمنظمات الدولية ستحاول التجربة من جديد؟ إن لم يكن الأمر كذلك، وعدّلت بلدان كثيرة خط سيرها وذهبت في إتجاه خاص، يمكن أن يعني هذا معارك قانونية مطوّلة وإنخفاضاً في الإستثمار الأجنبي. تلك التي أنفقت المال بالفعل ليست من المرجح أن تمشي بعيدا من إستثماراتها، ولكنها بالتأكيد قد تكون مترددة في إستثمار جديد. ويمكن للبلدان أن ترى دفعة قصيرة الأجل في العائدات الضريبية، ولكن مع مرور الوقت، فإن كلاً من أرباح الشركات والإيرادات الضريبية للحكومة يمكن أن تتقلص إذا إنخفضت وتيرة الاستثمارات الجديدة، وربما ستؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العام.
يبدو الأمر وكأنه نتيجة متطرفة – وحتى بوتيرة بطيئة، يمكن للأصرح المتداعية أن تأخذ عقوداً أو قروناً كي تنهار. وإذا تباطأ النمو حقاً، عندها يمكن للدول والشركات المتعددة الجنسيات أن تجد فجأة مصالحها تلتقي بدلاً من أن تتصارع. لدى الشركات واجب إئتماني لمساهميها لتحقيق أرباح، وبعض الأرباح أفضل من لا شيء. الأمر عينه ينطبق على الإيرادات الضريبية. يجب التوصل الى حل وسط يكون أسهل إذا كان كلٌ من الجانبين يعاني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى