بيروتُ الـمُقاوِمة: مسرح “مونُّو” خطة خَمسية

هنري زغيب*
ما زالت بيروتُ تقاوم قدَرَها.. وطنيًّا تقاومُهُ.. شعبيًّا.. تراثيًّا.. وخصوصًا: ثقافيًّا، بالفنون والفكر والآداب..
تقاوِمُهُ وتنجح.. تقاومُهُ وتنتَصر.. وتمضي في تدوين هالتِها على جبين الصفحة الأُولى من كتاب التاريخ: عاصمة عاصية على كلِّ ما وكلِّ مَن.
شاهدٌ ميداني: مسرح “مونُّو” الأَشرفية – بيروت. منذ تولَّتْه المخرجة/الممثلة/المنتجة جوزيان بولس، وسَّعَت مداهُ من صالة مسرح إِلى واحة تثاقُف وتبادُل وتَحاوُر، حتى أَمسَت أُمسياتُهُ “هايد بارك” لبنان على أَعلى المستويات الفكرية والثقافية.
جديد جوزيان؟ خطة خَمسية 2025-2026 ذات رؤْيَة حضارية مُشرقة.
وهنا بعضٌ من تفصيل.

“للاستلهام والتجمُّع”
في الدعوة إِلى اللقاء لإِعلان “الخطة الخمسية”، جاء أَن مسرحَ “مونُّو” (وهو قسم نابض من أَقسام جامعة القديس يوسف – “الجامعة اليسوعية” في بيروت) موجودٌ “ليواصل المسرحُ رسالتَهُ أَن يكون شُعلةَ استلهامٍ فنّيّ وتَجَمُّعٍ فكْريّ”. من هنا ما جاء في كلمة رئيس الجامعة الأَب البروفسور سليم دكَّاش عن الدور الرئيس لهذه المؤَسسة: “مسرح مونُّو لم يعُد مجرَّدَ صالةٍ للعروض المسرحية، بل هو مدًى نابضٌ حيٌّ زاهرٌ، عابقٌ بالذكريات والتبادُل والإِبداع. يجسِّد، بحجارته وبأَصواته، المثالَ اليسوعيَّ الأَعلى لعالَمٍ أَكثرَ عدلًا، وأَوسعَ حريةً، وأَعمقَ إِنسانيةً”.

رسالة الـ”مونُّو”
منذ تأْسيسه سنة 1997 في حَرَم الجامعة، بهمَّة السيدة إِيمّيه بولس (1933-2023) – وكانت مديرة “مؤَسَّسة الدراسات المشهدية والسمعية والبصرية” IESAV -، انطلق هذا المسرح واحةَ لقاءٍ وإِبداعٍ وحريةٍ وحوارٍ ثقافي، بدعمٍ مباشِرٍ من رئاسة الجامعة. ولم يلبث، برصانة برامجه وعُلُوِّ مستواها، أَن أَصبح بسرعةٍ مؤَسَّسَةً ثقافيةً كبرى تنافس شبيهاتها في لبنان.
ومنذ تولَّت إِدارتَهُ الممثلة والمخرجة والمنتجة جوزيان جان كلود بولس، سنة 2022، بعد توقُّفه قسريًّا بسبب الأَحداث المتتالية التي عصفت شَرِسةً ببيروت، استعادت له زخمًا فنيًّا وثقافيًّا، في سياق رسالته الأَصلية، ونَسَجَتْ له فضاءً رحيبًا من التلاقُح الفكريّ، والتلاقي الثقافيّ، والجرأَة الفنية والمغامرة الإبداعية. وهذا ما عادت فأَكَّدتْه في كلمتها الافتتاحية لإِطلاق الخطة الخمسية: “لدينا، هنا في مسرح مونُّو، قناعةٌ وطيدةٌ بأَنَّ الثقافة ليست تَرفًا مقصورًا على النُخبة، بل هي نفحةُ حياةٍ نقيةٌ للجميع سواسيةً في مجتمعنا. في وطنٍ يمشي على حافة الترَنُّح، يبقى المسرح سائرًا بخطواتٍ ثابتة لا تَرَنُّحَ فيها”.
الخطة الخَمسية
بهذه الثقة الإِبداعية الراسخة، أَعلنَتْ جوزيان عن خطة الــ”مونُّو” الخَمسية المستقبلية ذات الشعار المثلَّث: المقاومة الثقافية، تبادل التثاقُف، الإِبداع الخلَّاق.
وما الخطة؟
- التوعية الفنية للصغار، ببرنامج مخصص جديد يزرع في نفوسهم بذور الفُضُول الثقافي منذ سنواتهم الزغبة.
- منح جائزة المونُّو الذهبي” السنوية لأَفضل عمل مسرحي يجسِّد الشجاعة والجرأَة والإِبداع الخلَّاق.
- إِقامة “مهرجان بيروت للكوميديا” تحييه فِرَقٌ من حوض الأَبيض المتوسط تقدِّم أَعمالها الكوميدية، بعرضها الأَول، على مسرح “مونُّو”، وتستقطب جمهورًا من لبنان والخارج.
- تأْمين مساكن موقَّتة للفنانين المحليين والضيوف لاستقبالهم وتشجيع إِبداعاتهم المعاصرة.
- تحديث التجهيزات في المسرح (الصوت، الإِضاءة، التعليق المكتوب على الشاشة ترجمةً وإِيضاحًا، التكييف في الصالة،…) كي يتمكَّن الفنانون أَن يعملوا في ظروف مريحة ولائقة، ويتمكَّن الجمهور من الدخول إِلى صالة مُريحة وهانئة.
وفي ختام تعليقها على إِعلان الخطة، قالت جوزيان بولس: “ما سنقوم به تحضيرًا في خطتنا، ليس وضع برمجة وحسب، بل إِيجاد بيتٍ للفنانين والأَولاد والحالمين، وحتى المتمردين من المبدعين الخلَّاقين”.

بيت الفن والثقافة
لتنفيذ هذه الخطة العالية التكاليف، أَعلنَت جوزيان إِنشاءَ فئاتٍ للتبرُّع والدعم والرعاية: بين “نادي الشبيبة” (100 دولار أَميركي)، و”نادي المنتجين” (1500 دولار أَميركي)، و”نادي نجوم المترسلين” (5000 دولار أَميركي) ولهذا الأَخير خيار حفْر اسمِ المترسِّل أَو مَن يشاؤُه على أَحد مقاعد الصالة.
ولم تنتهِ السهرة بالحصة المنبرية، بل بكلمة من المخرج غبريال يمين (مدير قسم المسرح في معهد الفنون لدى الجامعة اللبنانية) أَنَّ “مونُّو”، لجيل كامل من الفنانين، كان أَكثر من خشبة مسرح. إِنه واحةُ تمرين وتدريب وصقل وجرأَة، أَتاح لكثيرين منهم أضن يحلموا بالتمثيل والكتابة والإِخراج وأَن يحقِّقوا حلمهم بجدارة”.
وتتويجًا لرسالة هذا المسرح، كان العرض الأَخير من مسرحية “شغلة فكر” المشغولة بإِتقانٍ عالٍ وحرفيَّة فنية ممتازة، باقتباس غبريال يمين وإِخراجه، وبطولة طلال الجردي ونخبة جيِّدة جدًّا من الشباب والصبايا، فكان الحدَث بشِقَّيه (إِعلان الخطة الخَمسية والعرض المسرحي) مدخلًا لفضاءٍ يدعو إِليه مَن لديهم ما يقولونه، ومَن يَجرُؤُون على القول بالرغم من العوائق والصعوبات، ومَن ما زالوا يؤْمنون بالجمال وجهًا بهيًّا قويًّا نقيًّا من وجوه المقاومة الثقافية.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر منصة (X): @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.