رسائل واشنطن في حَشدِها العسكري في الخليج

محمّد قوّاص*

أن تُرسِلَ وزارة الدفاع الأميركية طائرات مقاتلة من طراز “أف-35” (F-35) ومُدمّرة تابعة للبحرية إضافة إلى طائرات “أف-16” إلى القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط، فذلك تطوّرٌ عسكري لافت في علم الخرائط الجيوستراتيجية. ولئن تتذرّع واشنطن بأخطار إيرانية على الملاحة في ممرات الخليج المائية، فإن ذلك ليس جديدًا يستحق هذه الهمّة العاجلة.

خرجت نائبة السكرتير الصحافي للبنتاغون سابرينا سينغ في 17 تموز/ يوليو الجاري لتُعلن على عجل إحاطة إعلامية للبنتاغون.

أعلنت أنه “ردًّا على عددٍ من الأحداثِ المُقلقة الأخيرة في مضيق هرمز، أمر وزير الدفاع بنشر المُدمّرة “يو أس أس توماس هودنر” ومقاتلات “أف-35” ومقاتلات “أف-16″ في منطقة مسؤولية القيادة المركزية الأميركية للدفاع عن المصالح الأميركية وحماية حرية الملاحة في المنطقة”.

بقي مجهولًا عدد المقاتلات المُرسَلة على عجل ومدة مهامها. لكن المتحدّثة أعلنت أنَّ تحديثاتٍ على الخريطة العسكرية سيجري إدخالها وفق الحاجات التشغيلية المُتعلّقة بميدان عمل القوات الأميركية في المنطقة. فالأمرُ محصورٌ وفق رواية البنتاغون بقيام إيران أخيرًا بمضايقة السفن في مضيق هرمز، وأن وزير الدفاع وقائد القيادة المركزية الأميركية ارتأيا نقل المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة.

لاحقًا، الخميس، أُعلِنَ عن إرسالِ سفن حربية إضافية وآلاف من مشاة البحرية وعن موافقة وزير الدفاع على نشر مجموعة الاستعداد البرمائية “يو أس أس باتان” والوحدة الاستكشافية البحرية رقم 26 في منطقة الخليج. وتتكوّن مجموعةُ الاستعداد من ثلاث سفن، بما في ذلك باتان، سفينة هجومية برمائية. وتتكون الوحدة الاستكشافية عادة من حوالي 2500 من مشاة البحرية (المارينز).

واعتبرت القيادة المركزية الأميركية أنَّ الانتشارَ سيوفّر “مرونةً وقدرةً بحرية أكبر في المنطقة”. وجنبًا إلى جنب مع “باتان”، تضم المجموعة سفينتين حربيتين أخريين، “يو أس أس ميسا فيردي” و “يو أس أس كارتر هول”. غادرت المجموعة نورفولك، فيرجينيا، في وقت سابق من هذا الشهر.

تُلحق واشنطن تحرّكها العسكري بدعوة “إيران إلى الكفّ فورًا عن الأعمال المُزعزعة للاستقرار التي تُهدّد التدفق الحر للتجارة عبر هذا الممر المائي الاستراتيجي، الذي يعتمد عليه العالم في أكثر من خُمسِ إمدادات النفط العالمية”.

ومع ذلك فإنَّ أسئلةً تدورُ بشأن حاجة واشنطن إلى أحدث مقاتلاتها وإحدى مدمّراتها الاستراتيجية للسهر على أمن الملاحة الدولية. لكن السؤال الأبرز يدور حول جدية الإدارة الأميركية باستخدام القوة العسكرية ضد ما تسمّيه واشنطن قرصنة إيرانية في مياه الخليج، ومدى عزم واشنطن على تغيير قواعد الاشتباك مع طهران.

بالمقابل قلّلَ وزير الدفاع الإيراني محمد رضا آشتياني من شأن الانتشار العسكري الأميركي الجديد في الخليج. إعتبرَ أنَّ “الجمهورية الإسلامية بلغت مستوى من القوة بحيث لا أحدَ قادرًا على تنفيذ تهديداته ضد إيران”. وأضاف أنَّ إيران “تجاوزت هذه التهديدات وتقوم بمواصلة دورها على الصعيدين الإقليمي والدولي”.

وفي المناسبة أشاد الوزير ببلاده التي باتت “لاعبًا إقليميًا رائدًا”، مُنوِّهًا بتقدّمها التكنولوجي المتزايد عبر الجبهات البحرية والبرية. ووصف أشتياني إيران بأنها “قوة طائرات مسيَّرة في العالم”، وأنَّ “جميع أنواع الطائرات المُسيّرة المصنوعة في إيران قد لفتت انتباه الدول الأخرى”.

وربما في تلك الإشادة تذكيرٌ لمن يهمه الأمر بإمكانية استخدام تلك الطائرات ضد الحشد الأميركي الجديد في المنطقة.

والأرجح أن تكنولوجيا الطائرات الإيرانية المُسيّرة باتت بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكثر إلحاحًا من أمن الممرات المائية. وعلى الرُغمِ من نفيّ طهران المتكرر، إلّا أَّن واشنطن وحلفاءها يتهمون إيران بالتدخل في معركة أوكرانيا إلى جانب روسيا من خلال تلك المسيّرات النوعية.

والمفارقة أنه على الرُغم من إنكار إيران لتورّط مسيّراتها في تلك الحرب، إلّا أنَّ وسائل الإعلام الإيرانية تنشرُ بفخر مقاطع فيديو لطائراتٍ انتحارية إيرانية الصنع مثل “شاهد 136″، تضرب بدقّة أهدافًا أوكرانية.

لا يمكن قراءة استجابة البيت الأبيض لقراءة البنتاغون إلّا من خلال تأمل الصورة الأكبر والأشمل في الصراعات التي تخوضها الولايات المتحدة في المجالين الإقليمي والدولي.

ولئن تودّ واشنطن إظهار حصرية امتلاكها لقرار الأمن المائي في الخليج في ظل توطيد دول المنطقة علاقاتها مع الصين، وبعد أيام من عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا الاجتماع الوزاري السادس للحوار الاستراتيجي في موسكو، فإن الحشد العسكري النوعي ليس بعيدًا من احتمالات تفرضها “معركة أوكرانيا” وامتداداتها في سوريا. فقرار الأيام المنصرمة يلتحق بقرار في هذا الاتجاه صدر قبل أسابيع.

ففي الشهر الماضي أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن توجه المزيد من طائرات “أف-22 رابتورز” إلى المنطقة ردًا على ما وصفه مسؤولون أميركيون بأنه “سلوكٌ غير آمن وغير مهني” من قبل الطيارين الروس في أجواء سوريا. وقد ذكرت مصادر البنتاغون في 14 حزيران/ يونيو أن نشر طائرات أف – 22″ كان له تأثيرٌ رادع في السلوك الروسي بشأن قاعدة التنف وأنماط طيران مقاتلاتها”.

يأتي إعلان واشنطن عن إرسال طائرات “أف-35” ومدمّرة للمنطقة بعد أيام من الإعلان عن خططٍ أُخرى لنشر طائرات “أف-16” جديدة. وفي تفسير حيثيات هذه القرارات توضح واشنطن أن قادة البنتاغون يحاولون تحقيق التوازن الصحيح بين نشر القطع البحرية والجوية في المنطقة بهدف تأمين مزيد من المراقبة وتحديد السفن التي قد تكون مُعرَّضة للخطر.

تقاطعت تحليلاتٌ أميركية تؤكّدُ أنَّ الولايات المتحدة تُعزّزُ استخدامها للطائرات المقاتلة حول مضيق هرمز الاستراتيجي لحماية السفن من أخطار إيرانية تعرّضت لها في المنطقة. فيما سرّبت مصادر أخرى دوافع تتعلّق بقلق واشنطن والقيادة العسكرية الأميركية من العلاقات المتنامية بين إيران وروسيا وسوريا في جميع أنحاء الشرق الأوسط. ورأت هذه المصادر أن هذا القلق قد تنامى في أعقاب إعلان الولايات المتحدة في حزيران/ يونيو الماضي عن إرسال طائرات مقاتلة من طراز “أف-22” إلى المنطقة.

تتعذر مصادر في البنتاغون بأن المقاتلات الأميركية من طراز إيه-10 التي تحلق فوق مضيق هرمز لم تعد كافية لردع تزايد محاولات إيران أخيرًا في الاستيلاء على ناقلات النفط. تضيف المصادر أن تعزيز أجواء المنطقة بكمّ ونوع حديث من المقاتلات سيُمكّن القوى العسكرية الأميركية في المنطقة من امتلاك القدرة على الدفاع عن السفن.

غير أنَّ ما أُعلِنَ تباعًا في واشنطن قد يخفي ما لم يُعلَن عن حجم القوات المرسلة إلى المنطقة وما قد يُعلَن لاحقًا وتباعًا لتحضير المنطفة لحدثٍ ما. وفيما تتحدث صحفُ واشنطن عن حربٍ ستخوضها الولايات المتحدة، غير أن الأمر يبقى حتى إشعارٍ آخر من أدوات التفاوض واستعراض القوة سواء في ما تعلّق بملف إيران أو بالصراع مع موسكو وبكين.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره على موقع “سكاي نيوز عربية” (أبو ظبي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى