أَوَّل نشاط ثقافي عن بُعدٍ في لبنان

حقَّق “مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأَميركية (LAU) أَوَّلَ نشاطٍ ثقافي عن بُعد في لبنان، بندوة ثلاثية افتراضية في موضوع: “التراثُ واحةُ تَقارُب ثقافـي بين الشعوب: أَيُّ مفهومٍ له فـي زمَن التباعُد الإجتماعي؟”، أَعدَّها وأَدارها مدير المركز الشاعر هنري زغيب وافتتحها بمقولة “في زمن الحَجْر ننشرُ الثقافة ولا نحْجُر عليـها، وفيما تَلْزَمُون منازلَكم تأْتي الثقافةُ إِليكم”. وتحدَّث عن “تحدِّيات ستواجه المواطنين بعد فترة الحجْر الكوروني”، انطلاقًا من أَنَّ “ما نبنيه اليوم سيكون هو تراث الغد، فكيف نواجه تحديات العصر الداهمةَ في عالم يتغير كليًّا في جميع الميادين (التربية، التعليم، الأَعمال، الفنون، …)؟”. ورأَى ذلك في “مثَلَّث: التوثيق، الحفاظ على الموجود وحمايته، ثم التجديد والخلق والإِبداع تحضيرًا للغد الآتي بتدابير وعقلية وممارسات جديدة”.

شارك في هذه الندوة عن بُعدٍ كلٌّ من: الدكتور رشيد شمعون رئيس “اتحاد دُوَل المتوسط” للتراث الفينيقي ومدير مركز قرداحي التابع في مدينة جبيل للجامعة اللبنانية الأَميركية، الدكتورة ميرنا سمعان رئيسة جمعية “أَصدقاء الطبيعة” فـي لبنان، والأُستاذ سهيل منيمنة رئيس جمعية “تراثُنا بيروت”.

شمعون: هندسة معمارية مستقبلية

رشيد شمعون ركَّز على رسالة الجامعة التي، من خلال “مركز قرداحي” و”مركز التراث اللبناني”، أَظهرَت طليعيَّتَها في دراسة وتعزيز التراث، الثقافي عمومًا والتراثي خصوصًا. ومن تجربته مدرِّسَ الهندسة الـمُدنية في الجامعة، طرح “المشهد في المستقبل القريب عبر هندسةٍ عصريةٍ مستقبلية للأَبنية والمدُن والشوارع تحفظ الأَشكال التراثية، إِنما تلائمها مع أُسس التنظيم الـمُدني وأُصوله، وتحافظ على الطابع الهندسي التراثي المعماري”. وأَوضح أَنه، من خلال شبكة “اتحاد دول البحر الأَبيض المتوسط”، يسعى إِلى “مواءَمة مُدُنٍ تاريخية لبنانية (عنجر، بعلبك، بيروت، بيبلوس، صيدا، صور، طرابلس، وسواها) مع نظيراتها في دوَل المتوسط، والإِفادة من تجربة هذه الأَخيرة وإِسقاطها على مدننا اللبنانية”. وشدَّد على “أَهمية السياحة التراثية والتاريخية التي أَسس لها مع وزارتَي السياحة والثقافة في حكومات سابقة”.

سمعان: الإِفادة من درس الطبيعة

 ميرنا سمعان ركَّزَت على “العودة إِلى الجذور (التراث القديم) إِنما بعقلية جديدة، مع هدوء الطبيعة التي انسحب الإِنسان منها إِلى الحجْر فتنفَّسَت أَجواؤُها واستعادَت حريتها في التعبير عن كائناتها وسْعَ ما كان الإِنسان يحجره عليها ويحرمها منه وها هو الآن محجور في مساكنه”. ومن خلال تدريسها مادة الإِيكولوجيا في الجامعة اللبنانية الأَميركية، وتركيزًا على خبرتها في شؤُون البيئة والطبيعة، لاحظَت “الدور المطلوب من المواطنين في هذه المرحلة للتعامُل مع الطبيعة: كيف نحفظ التراث الطبيعي في المرحلة المقبلة، وكيف نعي الوظائف الطبيعية التي لم يعُد مسموحًا الإِخلال بها عبر تشويه الطبيعة وتلويث البيئة وسحق كائناتها الحيوانية والنباتية”. وختمَت بـــ”ضرورة أَن نعي ماذا تغير في البيئة حولنا، وكيف يجب بعد اليوم التعامل مع عناصر الطبيعة”.

منيمنة: بيروت النقية النظيفة

سهيل منيمنة عرض التجربة الرائدة لجمعية “تراثنا بيروت”: “حفاظًا على التراث، كما يجب أَن يكون عليه دور الجمعيات الأَهلية بعد اليوم، ووعيًا لنوع المواضيع التراثية الجديدة التي ستعالجها جمعيات التراث”. ومرَّ على “مفهوم جديد يجب أَن يسود في حفظ التراث المادي وغير المادي، من هنا ضرورة التوعية على ماهية المرحلة الجديدة”. وتمنى “إِنشاء منصات إِلكترونية جديدة للتراث تستوعب الجديد الحاصل”. وأَشار إِلى أَن المصوِّرين في الجمعية “يلتقطون حاليًا صورًا جديدة لبيروت وسْط صفاء أَجوائها من التلوث، وخلوِّها مما كان يشوب مناظر فيها ومشاهد هي اليوم أَنظف وأَنقى، فتبقى صوَر المواقع مؤَرِّخَةً بيئة نظيفة”. وأَثار منيمنة مشكلة “انتهاك حقوق النشر بقرصنة بعض مواقعَ للتواصل تنقل عن سواها صورًا جديدة ووثائقَ أَصلية من دون أَيِّ إِشارة إِلى مراجعها ومصادرها وأَصحاب حقوقها الأَصليين الذين ما إِن ينشُرُوها حتى يَرَوها منقولةً عند سواهم من دون إِذْن ولا ترخيص”.

متابعون من العالم

عدا ضيوف الندوة، تداخَلَ بعضُ المتابعين عن بُعد، بأَسئلة وتعليقات ومناقشات، من لبنان وﭘـاريس ومونتريال وهلْسنكي وسواها، ما أَضفى على الندوة طابعَها الدولي الذي حقَّقه تنظيمُها على منصَّة التواصُل عن بُعد.

وختم هنري زغيب الندوة بأَن “مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأَميركية سيُطلق قريبًا سلسلةَ ندواتٍ عن بُعد، انطلاقًا من تعامُلٍ جديدٍ مع التراث لا يكون بزوال الماضي بل بحفْظ الحاضر (طبيعةً ومساحاتٍ وأَشجارًا خضراء وإِنسانًا وفنونًا جميلة وإِبداعات وربط الإِنسان بالأَرض أَكثر) وتجهيزه على منصَّات افتراضية تتناول الماضي بتكنولوجيا اليوم، كي يتطوَّر مع الآتي من السنوات فيتهيَّأَ منذ اليوم تراثًا مستقبليًّا لا إِلى زوال”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى