ماذا ينتظر العالم بعد قمّة مجموعة العشرين؟

بقلم كابي طبراني*

أنهت قمة مجموعة العشرين للعام 2020 الإفتراضية أعمالها يوم الأحد الفائت، مُختَتِمَةً أحد أهم اجتماعات المنظمة منذ إنشائها في العام 1999.

من المعلوم أن مهمة المنظمة تتمثّل في تعزيز التعاون الإقتصادي العالمي. مع تشكيل مجموع أعضائها 80 في المئة من الناتج الإقتصادي الدولي، فإن ما تُناقشه في قممها السنوية التي تستغرق يومين مُهمّ جداً.

ليس من المستغرب أن اجتماع هذا العام ركّز على الوباء والتعافي الإقتصادي العالمي بعد كوفيد-19. لكن ماذا يعني مثل هذا الإنتعاش حقاً؟

إنه لا يتضمّن تقدّماً علمياً وطبياً فحسب، بل أيضاً تجديد الإقتصادات. وليس فقط الإقتصادات ذات الدخل المُرتفع – فجراح العالم الإقتصادية لن تلتئم بالكامل حتى تعود جميع الدول، غنية كانت أم فقيرة، إلى المسار الصحيح.

مع ذلك، على الرغم من جميع المُثُل العليا للنادي، فإن الدول الأعضاء في مجموعة العشرين ليست مُحصّنة ضد الأجواء القاسية والمآسي التي أحدثها الوباء، حيث تتسابق هذه الدول لحماية مواطنيها أوّلاً. وردّاً على هذه الظاهرة، شدّد العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، على الحاجة المُلحّة إلى ضمان أن يتم توزيع اللقاحات “بشكلٍ عادلٍ وبتكلفةٍ ميسورة لتوفيرها لكافة الشعوب”.

كان التركيز الأساس لرئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين هذا العام هو وضع خطة شاملة لدعم البلدان ذات الدخل المُنخَفِض، وضمان التوزيع العادل للقاحات في جميع أنحاء العالم. لا شك أن الرياض مُحقّة في طلب تعهّدات من الدول الأعضاء. إن عدم القيام بذلك يؤدي إلى المخاطرة بأن لا يحصل الجميع على احتياجاتهم من اللقاحات إذ أن الإقتصادات الصغيرة لن يكون باستطاعتها أو مقدورها تحمّل نفقات ذلك.

وقال الملك سلمان أيضاً إن مواضيع مجموعة العشرين لهذا العام التي شملت تمكين الناس، وحماية الكوكب، وتشكيل آفاق جديدة، تلعب جميعها دوراً في التغلب على التحدّي الذي يُمثّله الفيروس.

إن هذه المجالات مُهمّة بشكل خاص عندما يتعلّق الأمر باللقاحات. لقد قدّر الباحثون في جامعة “ديوك” في الولايات المتحدة أن البلدان المرتفعة والمتوسطة الدخل قد أمّنت بالفعل ما يقرب من 4 مليارات جرعة لقاح. وبحسب ما ورد، إشترت كندا مخزونات كافية لتلقيح وتحصين كل مواطنيها خمس مرات.

يُقدّر الخبراء إن هذا التركيز غير المُتكافئ لمخزونات اللقاح قد يطيل قبضة الفيروس على الإقتصاد العالمي حتى العام 2024. ووفقاً لمؤسسة “راند” (Rand)، وهي مؤسسة أبحاث أميركية، فإن التوزيع غير المتكافئ لجرعات اللقاح قد يُكلّف الإقتصاد العالمي 1.2 تريليون دولار سنوياً.

من جهته كان أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، مُحقّاً في دعوته لانضمام المزيد من الدول إلى برنامج “كوفاكس” (COVAX) الذي بدأه “غافي” (Gavi)، تحالف اللقاحات العالمي. لقد وُضِع “كوفاكس” وصُمّمَ في وقت مُبكر من الوباء حيث تم التركيز فيه بشكل خاص على التوزيع العادل للقاحات كوفيد-19 المستقبلية.

حتى عندما يتم تلقيح وتحصين جزء كبير من العالم، قد تكون أزمة البطالة الجماعية أبطأ في التلاشي. لقد أدّى دور التكنولوجيا في الحفاظ على تشغيل مُحرّكات الإقتصاد العالمي خلال انتشار كورونا إلى تسريع تأثيرات ظاهرة أوسع، وهي التوتر المتزايد بين التطور التكنولوجي والتوظيف.

بدون الإنترنت والأتمتة والذكاء الإصطناعي، ربما تسبب الوباء في خسائر أكبر وأفدح على العالم هذا العام. بفضل هذه “النِعَم” الإلكترونية كانت كل الأشياء تسير من بُعدٍ في وقت كان الجميع يتحصّنون في منازلهم. ولكن عندما يعود ملايين الأشخاص إلى حياتهم اليومية، يجب ألّا يجدوا أن الأدوات التي ساعدتهم في المنزل قد حلّت مكانهم تماماً في مكان العمل.

يُمكن لقادة مجموعة العشرين، وقادة الدول الأخرى، تجنّب مثل هذا السيناريو من خلال تبني مُثُل التكنولوجيا المُبكرة، والتي سعت إلى تمكين الأشخاص وتبادل المعلومات. من خلال زيادة المهارات ومحو الأمية التكنولوجية، وتوسيع الفُرَص لتشمل حصة أكبر من القوى العاملة العالمية، يمكن لمُخَطَّط مجموعة العشرين للتعافي أن يحمي الجانب الإنساني من الإقتصاد العالمي.

إن تعقيد المهمة التي تنتظرنا يُذكّرنا بأننا بحاجة إلى روح التعددية التي تُجسّدها مجموعة العشرين وغيرها من المنظمات المماثلة. ويذكّرنا أيضاً أن الإستمرار في ذلك وحيداً نادراً ما يكون استراتيجية رابحة لأي دولة في مواجهة تحديات اليوم. بعد كل شيء، لا يُمكن لاقتصادٍ مُزدهر أن يُحافظ على صحّته إذا لم يتعامل مع اقتصادات أصغر.

على مدى الأشهر والسنوات المقبلة، ما يجب أن ينبثق من المناقشات التي جرت في قمة هذا العام هو نشاطٌ مُتجَدّد في المبدأ الأساس لمجموعة العشرين: الدول القوية ينبغي أن تسعى إلى التنمية الإقتصادية لصالح وفائدة الجميع.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير “أسواق العرب”. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى