إعلامٌ أبيضٌ لزَمَنٍ أَسْوَد…!!

بقلم الدكتور جورج كلّاس*

نَفتَقِدُ، نحنُ اللبنانيينَ، في هذا الزَمَنِ المَلبودِ غُيُومَاً أَقْتَمَ من رَمَادِ الأيَّامِ، بِحَرقَةِ قَلْبٍ ووَجْعَةِ ضَميرٍ وكَسْرَةِ خاطِرٍ، لِثلاثِ رَكَائِزَ، لَوْ كانَتْ، لَمَا شَعَرْنا بِقَسْوَةِ أَحْوَالٍ ولَمَا أَثَّرَتْ فينا تَدَاوُلاتُ الأقْدَارِ.

أُولى الحاجات ِ، إِسْتِعادَةُ الإلْفَةِ والوَحدَةِ والَّلهْفَةِ، بَيْنَ المواطِنينَ، بتاريخِهم وتُراثِهم ومناطِقِهم ومُدُنِهم ودَساكِرِهِم وسَاحَاتِهِم…لا شَوارِعِهم..!

حاجَتُنا الثانية، أنْ نُرَكِّزَ على النَوعِيَّةَ و التَنَوُّعِ، في بِناءِ الفِكرِ السياسيِّ والتنشِئَةِ الوطَنِيَّةِ، وجَوهَرَةِ القيادَاتِ الزَعِيمِيَّةِ، و إخِراجِها من إِنْحِسارِيَّتِها الطائِفِيَّةِ والمَذْهَبِيَّةِ، واِعتبارِها، طَوْعاً أوْ جَبراً، مُلْكِيَّاتٍ وَطنيَّةً عامَّةً، خَاضِعَةً لِلنَقْدِ والتَقويمِ ،كما لِلمَدْحِ والثَناءِ والفَضْحِ والهِجاءِ…غَبَّ الطَلَبِ، وكُلَّما دَعَتِ الحاجَةُ، وصَرَخَ الناسُ وزَأَرَ الوطَنُ و هَمْدَر.

ثالِثُ حاجَاتِنا، وأَشَدُّها إلحَاحَاً و تَطَلُّباً لِلعِنايَةِ المُرَكَّزَةِ، أَنْ يَسْتَرْجِعَ الإعلامُ اللبناني، والتِلفزيونيُّ بالأَخَصِّ، رَصَانتَهُ و دَورَهُ و قِيمتَهُ وسُلطَتَهُ، ويَتَمَجَّدَ بِأَنَّهُ إعلامٌ يَستَحِقُّهُ لبنانُ السَوِيُّ، ويَستأهِلُهُ لبنانُ العاقِل، ويكونُ إستمراريَّةً مُحَصَّنةً بالمَعَارِفِ والأخْلاقِ، وعارِفاً بأُصُولِ إدارةِ الآراء، واسْتثمارِ الحُرِّيَّةُ، وحَمْلِ مِطرَقَةِ العدالةِ الإعلامِيّةِ، بِكُلِّ مَسؤولِيَّاتِها، القِياديَّةِ والإخبارِيَّةِ والتحليليَّة…كَشَريكٍ في دَمَقْرَطَةِ السُلطُةِ، وإطلاقِ الأحْكامِ باسمِ الشَعبِ والوَطنِ، من على قَوسِ عدالةِ الصورةِ والكلمةِ.

ومنْ تَجَلِّياتِ الفَظَائِعِ التي يَرتَكِبُها بَعضُ الإعلام التلفزيونِيّ الميداني في نَقلِيَّاتِهِ اللَّحظَوِيَّةِ المباشرةِ من شوارع الأحداثِ، ونَبَضِ الساحاتِ الرَافِضَةِ والمُعترِضِةِ بِحَقٍ، والمَألومَةِ ظُلْماً و مُعاناةً، أَنّهُ لمْ يَرْقَ في كَثيرٍ من مُمارَساتِهِ إلى اِحترافيَّةِ الإعلام المسؤول، خصوصاً في زمنِ الأزَمَاتِ والنِزاعات وضَياعِ بوصلةِ الرُشْدِ السياسي، الذي كان رُغمَ إنتِكاساتِهِ المَوْسَمِيَّةِ و تَشَظِّيِاتِه المُسْتَوْرَدَة، من عَلاماتِ الحُريّةِ التي امتَازَ بها لبنان…مُذْ كان.

وإذْ لَيسَ القَصْدُ أَنْ نَظُلمَ الإعلام َ ونَجحَدَ دورَهُ ونَتَجَاهَلَ فَضَائِلَهُ، غَيرَ أنَّ الواجِبَ الوطنيَّ، يُحَرِّضُنا على أَسئِلَةٍ وتَسَاؤلاتٍ منَ الواجِبِ طَرحُها، و على مَسؤوليَّتي:

١- هلْ المشاهدون َ هُم ضَحايا إفتِراضِيّينَ لبعضِ المَحطّاتِ؟ ومَنْ يَحمي الناسَ من شَرِّ ما يُشاهِدونَ و يَسْمَعون؟
٢-أَيُّ دَورٍ يَجب ُ أن يقوم َ به المجلس الوطني للإعلام في هكذا أَحوالٍ، منَ الإنفلاتِ السياسي والغَضَبِ الشعبي والخطرِ الأمني؟
٣- أين َ ركيزتا السلطة الرابعة، نقابة الصحافة ونقابة المُحَرِّرين، من هذهِ الأخطارٌ والجرائم ِ التي تُرتَكَبُ باسمِ حُرِّيَّةِ التعبير، ومَنْعِيَّةِ التفكير؟ ألا يَدْفَعُهما الواجِبُ المِهنيُّ والوطني لأنْ يَطُلَّا على الوطنِ من خَلفِ المكاتِب ويقولا في الوَضعِ الحِراكيِّ والإجتماعي والسياسي، كلاما ً يكونُ على مُستوى إِنتِظاراتِ الناسِ وآمالِ الغاضِبينَ والرافِضين ويُراعي مطالِبَهم الحضاريّةِ والمعيشية والسياسية؟ أينَ النِقابتانِ من لُبنان؟ ألَيْستا سُلطةً يَجري عليها من إعتِراضٍ ورَفضٍ وتَغييرٍ نَهْجٍ، بِمِثلِ ما يَصُحُ من اعتراضٍ على كُلِّ سلطةٍ من هَرَمِيَّاتِ تركيباتِ الديموقراطيّةِ التشريعية والتنفيذية والقضائية؟ أَمْ أنَّ السلطة َ الإعلامية هي فوقَ الشُبُهاتِ والنَقَدِ والإعتِراض… وأَلا يقَعُ عليها شِعار ُ “كُلُّن يعني كُلُّن”؟
٤-نَفْتَقِدُ الدور َ التوجيهي لوزارةِ الإعلام، من كُلِّ ما يَحْدُثُ بواسطةِ الإعلامِ..!
ونَتَطَلَّعُ إلى مَوقِفُ تُوجِبُهُ الضَرورَةُ والظروفُ الإستثنائيةُ من لَجْنَةِ الإعلام والإتصالات النيابية، من قبيل المَسؤوليَّةِ الواجِبِ أن يُمارِسَها الإعلام في أحوالِ الأزَماتِ والنِزاعات… ولبنانُ منَ الدَولِ القلِيلَةِ التي ليسَ لَدَيْها ناطِقٌ إعلامِيّ، يكونُ مَسؤولاً عنْ كُلِّ ما يِقالُ و ما لا يِقالُ…!!

أَلّلهُمَّ إلًا إذا اِسْتَغنَينا عن الناطق الرسمي بِثَرْثَارينَ كَثيرينَ…! حَيْثُ في ساحاتِ و شوارِعِ لبنانَ اليومَ، كثيرُ منَ الإعلاميينَ، وقليلٌ منَ الإعلام…!!

  • الدكتور جورج كلاس كاتب وباحث أكاديمي لبناني، كان عميداً لكلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى