ابتِهالٌ عندَ سَريرِ البابا فرنسيس

هنري زغيب*

أَكتبُ هذا المقال، وأُسقُف روما، خورخي ماريو برغوليو، رئيسُ دولة الفاتيكان السادس والستون بعد المئتين، البابا فرنسيس، يتأَرجح بين تنفُّسٍ طبيعي وتنفُّسٍ اصطناعي، ومعه يتأَرجح ملايين المؤْمنين بين ابتهالاتِ الأَمل وطلباتِ الرجاء.

أَقول الملايين وأكاد أرى إيمانهم يصَّاعد إلى مستشفى أَغوستينو جيميلي في روما، حيث يرقد الحبر الأعظم الذي، منذ توليه الكرسي الرسولي، جاء لافتًا بتواضُعه الجم ومبادراته الرائدة في تاريخ الفاتيكان. منها أنه أول بابا يزور الأزهر في القاهرة، ويزور النجف في العراق، ويوقّع في أبو ظبي سنة 2019 وثيقة التفاهم والتعاون الإسلامي المسيحي، ويجتمع في هافانا ببطريرك موسكو الأرثوذكسي، ويستقبل في الفاتيكان بطريرك اسطمبول الأرثوذكسي، ويزور الدول السكاندينافية ذاتَ المذهب الإنجيلي الذي انشقَّ عن الكنيسة الكاثوليكية في القرن السادس عشر، وينهي القطيعة مع الصين متيحًا لدولتها تعيين بطاركة محليين – ما كان قبلًا محصورًا بالفاتيكان -، ويزور فرنسا بعد طُول انقطاع منذ القرن التاسع عشر بسبب رفض نابوليون أن يُتوِّجَه البابا بيوس السابع، على عادة أوروبا عصرئذٍ، فاعتقل البابا وقام هو بتتويج رأسه واحتل روما والفاتيكان سنة 1809.

تلك مبادرات أُولى في تاريخ البابوات. لكنَّ مبادرة البابا فرنسيس تجاه لبنان بدأت يومَ وعَدَ بزيارتنا، مؤْمنًا بما أَسلف أَسلافه عن لبنان: منذ حطَّ على أرضه قداسةُ بولس السادس، وزاره البابا يوحنّا بولس الثاني معلنًا إياه “رسالة أوسع من وطن” ومطلقًا منه “السينودس من أجل لبنان”، والبابا بنديكتوس السادس عشر معلنًا “السينودس من أَجل الشرق الأوسط”. ذلك أن البابا فرنسيس داعية الحوار بين الثقافات والأديان، على نهج من اعتنقَ اسمَه حين تُوِّج بابا روما: القديس فرنسيس الأسيزي الذي سمي “المسيح الآخر” لِما كان عليه من تقشف وتواضع، وقوةٍ ساطعة في ترسيخ الإيمان.

وتكون المفارقة المرة أن يبدأ لبنان مرحلة العودة إلى التنفس الطبيعي فيما يحاصَر البابا فرنسيس بأنابيب التنفس الاصطناعي. وكم كنا ننتظر أن يباركَ أرضنا، ويزورَ صيدا وصور حيث مشى قبله يسوع، ويزورَ قانا التي أَعلن يسوع فيها ألوهيته ذاتَ عرس، ويرى إلى قمة جبل حرمون العالية حيث تجلَّى يسوع لتلامذته، ويتأمَّلَ كيف من ذَوْب الثلج على حرمون يتشكَّل نهر الأردن، فيهنأَ أن يكون يسوع تعمَّد بمياه لبنان.

جميع هذه الأفكار تساور أبناء لبنان هذه الأيام، فيصلُّون أن يحميَ الله ثمانيةً وثمانين عامًا يحملها هذا الأَرجنتينيُّ الْكان أول بابا من الرهبنة اليسوعية، وأول بابا من أميركا، ما يضيف إِلى أَوَّلاته سمةً تجعله ساطعًا متميزًا في تاريخ الكنيسة.

بلى: يصلي اللبنانيون اليوم أن تشفيَ القدرة الإِلهية البابا فرنسيس من محنته، ويضرعون أَن تَشفيَ لبنان من محنه المتتالية.

ولعلَّهم يتماهون بالبابا فرنسيس كي يُشفى، مبتهلين باسمه مع صلاة مِرى في “قدموس” لسعيد عقل:

لأْلأَتْ كلُّ هضبة فوق لبنان تُصلي… وهام كلُّ فضاءِ

وتسامى مجامرًا جبل الأطياب فافتح يا ربِّ بابَ السماءِ

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر منصة إكس على:  @HenriZoghaib

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى