التَوازُن سلامُ لبنان وسلامته

راشد فايد*

هل يُصدّق اللبنانيون أن سبب تأخير ولادة الحكومة/المعجزة هو في عدم الإتفاق على توزيع الصلاحيات في ولادتها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المُكَلَّف؟ لو كان الأمر كذلك لكان الحلّ بإعمال العقل والحرص على مصير العيش الوطني، والتشاور وصولاً إلى ما يُرضي اللبنانيين مواطنين وسياسيين، لكنه ليس كذلك، فالواضح منذ البداية، أي منذ ترشّح الرئيس سعد الحريري لهذه المهمة، أن قصر بعبدا عاد إلى ما كان عليه من اتفاق الطائف، إبان إقراره نهاية العام 1989، وأن تأييد ساكنه  الراهن، منذ عاد إلى لبنان بعيد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، في العام 2005، كان مُهادَنة ومُداهَنة، أدّت الى تسوية سياسية تأبّطها في معراب وبيت الوسط إلى أن أقسم اليمين الرئاسية في مجلس النواب.

يعرف الرئيس أن لا شيء يُنفَّذ بالقهر على أيّ فريقٍ من الجماعات المُكوّنة للوطن، وأن الحكم التاريخي للبنان، منذ كبُر، كان، وسيبقى، لإرادة التوازن الوطني، الذي انتصر مع رياض الصلح وبشارة الخوري، واستمر حتى اختلال 1958، ثم حروب 1975 التي انتهت بالعودة إليه في اتفاق “الطائف”. وفي كل مرة ضاع فيها القرار كانت للخارج فرصة لتناتش لبنان وكسر توازنه.

يُكرّر رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره جبران باسيل، اليوم رهان الإنتصار على التوازن الوطني، فيقامران باستقرار البلد وإخراجه من صورة له إكتسبها بنهوضٍ إقتصادي وإعماري واجتماعي تاريخي يُسَجَّل للشهيد رفيق الحريري، والمُقامرة هي ما يعيشه اللبنانيون اليوم. لكن، من أين لصاحب الولاية الرئاسية الراهنة هذا التصميم والعزم؟

لا شك أن ذلك جزءٌ من شخصية المقامر برصيد الغير حتى المُجازفة، وقد عرفها اللبنانيون في التناقض بين ادعائه عدم مغادرة قصر بعبدا قبل آخر جندي من جنوده، وبين تسلّله إلى السفارة الفرنسية هرباً إلى نعيم باريس، وهو ما كان مُتّفقاً عليه قبل اشتداد المعارك، بشهادات الوسطاء. أي لولا التطمينات إلى النجاة لما كان ما قد كان.

اليوم يتّكئ الرئيس على “تحالف الأقليات”، مُطمئناً إلى حاجة حليفه المحلّي إليه لتلوين إطلالته، في انتظار وصول المفاوضات الأميركية الغربية مع ايران إلى “جبنة الشرق العربي”، وهذا ما يُفسّر تمادي الأزمة المعيشية، وسقوط الليرة المدوّي، وترك سلطة الأمر الواقع الأمور على غاربها، لتفاؤلها باستطاعتها إعادة ضبط الأمور حين الحاجة، بينما الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله يهوى علينا بمطرقة نصائحه “المخدرة”، من نوع تحميل اللبنانيين مسؤولية تدمير البلد، وتهريب النفط ومشتقاته، والأغذية والأدوية المدعومة، واعتماد مرافئ لبنان معبراً لشحنات الكابتاغون وأنسبائه.

الأبدع أن يُطالب مرشد لبنان اللبنانيين بالسعي لدى الدول العربية لتوفير النفط غافلاً عن حفلات الزجل التي كحّل بها خطبه ضد المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي بأقذع الصفات والألفاظ، منذ 2015، كأنه صمّم على عزل لبنان عن العرب، وإبدالهم بايران والعراق وسوريا وفنزويلا، لنلتحق بطهران التي يعدنا السيد بأنهار البنزين وعسله على يدها، وهو ما لم تقدمه إلى نظام بشار الأسد.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى