الميثاقيّةُ من زاويةٍ أُخرى

راشد فايد*

تكادُ “الميثاقية” تبدو، فكرةً ومضمونًا، حكرًا لطرفٍ دون غيره، ولو تعدّدوا، تمامًا كحقّ النقض (الفيتو) الدولي الذي تحتكره الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن، دون غيرها من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبدا تكرار التحالف الشيعي اللجوء إليها، لا سيما منذ العام 2005، أشبه بغلالةٍ تُموِّهُ تهديدًا جدِّيًا للأمن والاستقرار في البلاد، على نمط 7 أيار (مايو) 2008، أو على طريقة القمصان السود، كما في كانون الثاني (يناير) 2011، حين أُسقِطَت حكومة سعد الحريري بينما كان في اجتماع مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن.

اعتاد “حزب الله”، بمشاركة حليفته حركة “أمل”، أن يرفع العصا والجزرة في وجه خصومه حين تتعقّد أموره، أو لا يسير البلد على سكّته، فمن جهة يفتح نقاش “الميثاقية” كمخرجٍ من تهمة ترهيب الخصوم، وينشر، من جهة أخرى، عناصره السوداء المُسلّحة في كل أنحاء العاصمة بيروت وبعض المناطق الدرزية النائية، في  تهديدٍ مُبطَّن أدّى، في مطلع سنة 2011، إلى تعديل قرار زعيم الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط بالسعي إلى عودة الرئيس الحريري إلى السراي، وتسميته النائب نجيب ميقاتي حينها رئيسًا للحكومة.

من دون العودة إلى صفحات الدستور والنصوص التي قاربت “الميثاقية”، يستند المُلوِّحون بها إلى عبارة في مقدم الدستور تُفيد بأن “لا شرعية لأي سلطة تُناقِضُ ميثاق العيش المشترك”، وهذا “العيش” لا يعني أحزاب الطوائف، بل طوائف الأحزاب. كيف؟ ليس في مجلس النواب أحزاب “صافية” لهذه الطائفة أو تلك، ولا كتل نيابية خالصة الإنتماء إلى هذه الطائفة أو تلك. وإذا استثنينا القبضة الحديدية للتحالف الشيعي الذي يستطيع إدعاء حصرية تمثيل طائفته، نتيجة انتخابات أيار (مايو) 2018، فإن القوى الأخرى، حزبية وطائفية لا تحتكر، ولا تستطيع إدعاء إحتكار، تمثيل أي طائفة. فالنواب السنّة موجودون في أغلب الكتل، على هامش “كتلة المستقبل”، وكذا الأمر مع المسيحيين والدروز والعلويين، فما مقياس تطبيق ميثاقية “العيش المشترك”؟ أهو الإجماع، كما يقول الرئيس نبيه بري، أم أكثرية الثلثين من عدد النواب التي فيها، حكماً، مسلمون ومسيحيون”؟

هذه الميثاقية جرى استعمالها بطريقة عشوائية، ما يجعل منطقيا التساؤل: هل تنحصر الميثاقية في انعقاد مجلسَي النواب والوزراء، وتوزيع مناصب الفئة الأولى على الطوائف وغيرها من المواضيع التي يسميها الدستور أساسية وهي 14، منها قانون الإنتخاب، وقانون الجنسية، والحرب والسلم ، والموازنة والإتفاقات الدولية؟

رُغمَ أن الدستور شمل بالميثاقية إعلان الحرب والسلم، فإن قادة التحالف الشيعي، لا سيما الحزب وأمينه العام السيد حسن نصرالله، يتجاهلون هذا الشقّ من الميثاقية ويضعون مصير مئات آلاف العائلات اللبنانية العاملة في الخارج، لا سيما في دول الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، تحت رحمة حروبهم العبثية، إلى حدِّ استفزاز ردود فعل تأديبية ضدّهم لا تُريدها الدول المُضيفة، ولا تُفكّر باللجوء إليها.

ربما صار الوقت مُناسبًا، أكثر فأكثر، لتطبيق أوسع لـ”الميثاقية” فلا تقتصر على التمثيل الشيعي في الحكومات ومجلس النواب، بل تشمل، وأساسًا، حقّ اللبنانيين، مواطنين وطوائف، في قرار السلم والحرب في بلدهم ولبلدهم، بحيث لا يظلون تحت رحمة الهيمنة الإيرانية المُقنَّعة، التي ينكر الأمين العام وجودها ناسيًا قوله الشهير بأن إيران تُوفّر له المال والسلاح والدعم والصواريخ، إلّا إذا كانت هذه مجرّد ألعابٍ نارية لتسلية الجائعين في وطنهم.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى