اليمن: السعوديون والإماراتيون يُمَكّنون الإنفصاليين لتشكيل حكومة جديدة

تُشير التحركات الأخيرة التي قامت بها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى أن هناك في الأفق توجهاً إلى تشكيل حكومة جديدة في اليمن.

الرئيس عبد ربه منصور هادي: تحت السيطرة السعودية بشكل كامل

 

بقلم أحمد ناجي*

لم تكن المشاورات التي أجراها التحالف، الذي تقوده السعودية، أخيراً في الرياض تهدف إلى حلّ الصراع بين حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المُعترَف بها دولياً، والمجلس الإنتقالي الجنوبي، كما أُعلن. بل، بدلاً من ذلك، كانت مُصَمَّمة لتمهيد الطريق أمام تشكيل حكومة جديدة تُمثّل بشكل أفضل مصالح أعضاء التحالف، من خلال تعيين وكلائهم.

ينقسم اليمن اليوم إلى ثلاث مناطق. إحداها تُسيطر عليها حركة “أنصار الله” المدعومة من إيران، والمعروفة بحركة الحوثيين، في الشمال؛ والثانية يُسيطر عليها المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات العربية المتحدة في الجنوب والحرس الجمهوري على طول الساحل الغربي، بقيادة ابن أخ الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح؛ والثالثة، في المحافظات الشرقية، تقع تحت سيطرة حكومة هادي المُتفككة. بعد أكثر من خمس سنوات من الصراع، لا تواجه الحكومة الحوثيين فقط، الذين استولوا على صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014، ولكن أيضاً المجلس الإنتقالي الجنوبي، الذي طرد الحكومة من عدن في نيسان (إبريل) 2020 وأعلن الإدارة الذاتية هناك. بالإضافة إلى ذلك، أدّى صعود الحكم المحلي والهجين في محافظات شبوة ومأرب وحضرموت إلى إضعاف حكومة هادي.

منذ العام الفائت، تقدّم الحوثيون على جبهاتٍ عدة في البيضاء ومأرب والجوف. وواصل المجلس الإنتقالي الجنوبي حربه ضد القوات الحكومية في أبين، وفي تطور آخر، سيطر المجلس على جزيرة سُقطرى في أواخر حزيران (يونيو). على الرغم من حقيقة أن الإجراءات التي اتخذها المجلس الإنتقالي الجنوبي كانت مدعومة بالكامل من الإمارات العربية المتحدة، إلا أنه يبدو أن المملكة العربية السعودية قبلتها وأيّدنها أيضاً، وقد حدثت بعد وقت ليس ببعيد من زيارة رئيس المجلس الإنتقالي، عيدروس الزبيدي، إلى الرياض. علاوة على ذلك، رفض السعوديون دعم السلطات المحلية في سُقطرى وسهّلوا تقدم قوات المجلس الإنتقالي الجنوبي نحو حديبو عاصمة سُقطرى.

لم تعد السعودية، التي تدخلت في اليمن لإعادة حكومة هادي الشرعية، مُلتزمة بهذا الهدف. وقد شجّع ضعف الحكومة كلّاً من خصومها وحلفائها على السيطرة على الأراضي الواقعة تحت سلطتها ومؤسساتها. الحكومة غير قادرة حتى على العودة إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها إسمياً، ناهيك عن تلك التي فقدتها للحوثيين والمجلس الإنتقالي الجنوبي.

إن تفكّك حكومة هادي كان نتيجة لديناميكيتين. أولاً، ضعف القيادة الحكومية، لأن معظم الوزراء والمسؤولين في المنفى، ولا يتحمّلون أي مسؤولية عمّا يحدث داخل اليمن. بدلاً من ذلك، يقضي المسؤولون الكثير من وقتهم على وسائل التواصل الإجتماعي ويلومون بعضهم البعض.

السبب الثاني هو الهيمنة السعودية على عملية صنع القرار الحكومي، بخاصة في السنوات الثلاث الماضية. وقد دفع هذا العديد من المسؤولين اليمنيين للتحدّث علناً ضد طبيعة علاقتهم مع التحالف بقيادة السعودية. في الواقع، السعوديون يُقرّرون حتى الأمور الروتينية للحكومة. على سبيل المثال، يجب أن توافق المملكة العربية السعودية على وثائق سفر المسؤولين اليمنيين قبل إصدارها. وقالت مصادر ديبلوماسية يمنية سراً إن قراراً اتُّخذ أخيراً بربط السفارات اليمنية بالسفارات السعودية مباشرة. وبمجرد تنفيذ الأمر، سيضمن ذلك أن القرارات الديبلوماسية اليمنية تخضع للسيطرة السعودية الكاملة.

ويبدو أن الرياض تُغير استراتيجيتها حالياً. تشير حقيقة أن السعوديين لم يمنعوا سيطرة المجلس الإنتقالي الجنوبي على سُقطرى، إلى أنهم قرروا المضي قُدماً مع الإنفصاليين الجنوبيين، مع تعزيز علاقاتهم مع الإمارات. ومع ذلك، لا تزال القوات العسكرية السعودية مُنتشرة في الجزيرة لحماية مصالح الرياض.

بعد التطورات في سُقطرى، بدأت السعودية إحياء إتفاقية الرياض، التي وقّعتها حكومة هادي والمجلس الإنتقالي الجنوبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019. ولم تُبصر الإتفاقية، التي كان من المفترض أن يتم تنفيذها خلال 90 يوماً، النور بسبب غموضها والأجندات المُتضاربة للإمارات والسعوديين في ذلك الوقت. كانت نقطة الجدل الرئيسة هي أن البُعد العسكري للإتفاقية يجب أن يتم أولاً، ثم البُعد السياسي. كان من المُفترَض أن يُدمج المجلس الإنتقالي الجنوبي قواته مع قوات وزارة الدفاع في حكومة هادي، لكن هذا لم يحدث أبداً. اليوم، يضغط السعوديون على الحكومة لتطبيق الجانب السياسي من الإتفاقية وتقاسم السلطة مع المجلس الإنتقالي الجنوبي. تتمثّل أولوية التحالف بقيادة السعودية في تشكيل حكومة جديدة أكثر انسجاماً مع تفكيره. وهذا سيسمح له بإزالة الأفراد الذين يعارضون نهج التحالف، بالنظر إلى الانتقادات المتزايدة داخل مؤسسات حكومة هادي.

من المرجح أن يكون نتيجة تأثير اتفاقية الرياض تشكيل حكومة جديدة تُسيطر عليها السعودية والإمارات بالكامل. وبالتالي، ستضمن أبو ظبي نفوذها في الجنوب وعلى طول الساحل الغربي لليمن دون معارضة من هادي. وبصفته الشريك الجديد للحكومة، سيحافظ المجلس الإنتقالي الجنوبي على حصص ومصالح الإماراتيين. وسيكون السعوديون بدورهم قادرين على استخدام نفوذهم على حكومة جديدة لمتابعة مصالحهم في المفاوضات مع الحوثيين.

ومع ذلك، فإن إدخال الإنفصاليين الجنوبيين في الحكومة سيؤدي فقط إلى زيادة تجزئتها وتفكيكها. وسينتج عن ذلك المزيد من الإخفاقات وجولة جديدة من الصراع على الأرض. سيجد اليمنيون في الجنوب والشمال أنفسهم مع حكومة مُنفصلة عن معاناتهم، وأولويتها الرئيسة هي الدفاع عن مصالح داعميها ومؤيديها، وليس مخاوف مَن يُفترَض أن تُمثّلهم.

  • أحمد ناجي باحث غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث يُركز أبحاثه على اليمن وشؤونها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى